د.فيصل مرزا لـ"أرقام": للمشككين..نعم "أوبك" جادة في إعادة التوازن لسوق النفط الذي أخل به النفط الصخري دون غيره
مع قرب اجتماع "أوبك" في فيينا والذي سيقرر تفعيل (اتفاق الجزائر) بخفض الإنتاج إلى ما بين 32.5-33 مليون برميل يوميا من عدمه فإن لبعض المحللين رأيا مغايرا عن المتسبب في إخلال توازن السوق النفطي بعيدا عن "مشاكسات" إيران والعراق.
وإن كان من الصعب التنبؤ بنتائج الاجتماع فلقد حاورت "أرقام" الدكتور "فيصل مرزا" مستشار الطاقة وتسويق النفط والمدير السابق لدراسات الطاقة في منظمة "أوبك" لطرح رؤاه حول الاجتماع القادم، وفرضية دور النفط الصخري في عدم توازن السوق.
* هل "أوبك" وشركاؤها جادون في التوصل لدعم السوق النفطي أم أنها مسألة "شراء وقت" لعمق الخلاف؟
- بالتأكيد جادون ولذلك عقدت العديد من الاجتماعات التقنية فور الانتهاء من اجتماع الجزائر وهناك كثير من التفاؤل.
* تنتظر الأسواق نتيجة اجتماع فيينا؟ هل ستنجح دول"أوبك" في تفعيل قرار في صالحها؟
- هناك سيناريوهان يعرضان وجهة نظر مختلفة، أولهما متفائل بقدرة سوق النفط على امتصاص فائض المعروض والعودة للتوازن نهاية 2017 حتى من دون خفض "أوبك" إنتاجها، حيث يشير نمو الطلب المتوقع وتراجع إنتاج الدول ذات التكلفة العالية إلى تحول الفائض إلى عجز في النصف الثاني من 2017 حتى مع تواصل الإنتاج القياسي لـ"أوبك".
أما السيناريو المتشائم فتبقى هناك شكوك حول تفعيل اتفاق يؤثر على توازن سوق النفط في المدى المتوسط، ومع إمكانية استمرار الأجواء الإيجابية في مواجهة العوامل الأساسية ومن ثم الأسعار فإن إنتاج النفط الصخري الأمريكي سيواصل تقديم سقف سعري أدنى، ومن ثم تقليص الإنتاج من قبل "أوبك" وروسيا قصير الأجل نتيجة للانتعاش السريع في إنتاج النفط الصخري (قامت شركات النفط الصخري الأمريكية بالتحوط ضد المخاطر من خلال سلسلة متتابعة من عمليات البيع مع ارتفاع الأسعار الفترة الماضية).
* لماذا التركيز على النفط الصخري دون العوامل الأخرى في التسبب بخلل اتزان المعروض النفطي؟
- لأن النفط الصخري هو الإنتاج الهامشي الدخيل على أسواق النفط دون تمرحل وقد أخل بتوازن العرض والطلب.
* لماذا سمحت أمريكا بعد أربعة عقود بفتح باب تصدير النفط؟ ولماذا نوعية محددة من الخام وهي معلومة لا يعرفها كثيرون؟
- أريد أن أنبه هنا إلى شيء كررته سابقا يتعلق بأمريكا فلا يجب أن ننكر أن أي تغير في سوق النفط الأمريكي باعتبارها -وكما هو معروف- أكبر مستهلك للنفط في العالم، سيؤدي مباشرة وبالضرورة إلى تغيير ملموس في توازن أسواق النفط العالمية.... النفط الصخري كمنتج مهم اتفقنا أو اختلفنا عن موقعه من خريطة الطاقة العالمية، فهو دخيل على أسواق النفط، ودخوله غير المدروس وغير الممرحل بطريقة تسمح باحتضانه من ضمن المصادر المعروفة بحيث يتم التكيف مع الجهات المصدرة له، ويتم إدراجه بكل هدوء إلى الأسواق هو الذي أغرق الأسواق وأخل بالتوازن فيها، وقد عملت الجهات المنتجة له بكل عبثية مع أسواق النفط التي يعلم الجميع مدى حساسيتها، وأقرب مثال على ذلك ما وقع من أمريكا، أكبر منتج ومصدر للنفط الصخري، فقد اقتصر رفع الحظر عن تصدير الخام الأمريكي الخفيف (الصخري) فقط، والذي تتوفر منه كميات كبيرة عالميا، أكثر من الخام الثقيل المحدود نسبيا، وتم ذلك للجدوى الاقتصادية في مصافي التكرير المتطورة، بينما لا تصدر أمريكا خامها الثقيل المنتج في خليج خليج المكسيك، ولا يحتاج إلى أي إمكانيات لوجيستية جديدة لتصديره، ولا يشكل تصديره خلل في الأسواق!
ولعل من المفيد في هذه الظرفية أن نسلط الضوء في هذا الحوار على قدرة هذا الإنتاج الهامشي من النفط الصخري الأمريكي بعد أن أدى الركود في الأسعار إلى كارثة حقيقية يراد إخفاؤها بتوجيه اهتمام الإعلام النفطي إلى أحداث بعيدة في منطقة الخليج العربي حيث يدور كثير من الأحداث المؤثرة.
* دول الخليج خصوصا السعودية متهمة رغم تضررها من تراجع الأسعار برفع المعروض وتخمته .. إذن ما هو دور النفط الصخري في هذا الأمر؟
- المسألة التي أُريد أن أؤكد عليها بغض النظر عن كل آراء المحللين النفطيين الذين يروجون إلى أن النفط الصخري يمضي قدما حتى مع مستويات أسعار منخفضة وسيستمر بإغراق الأسواق سواء اتفقت أوبك أم لم تتفق.
هذه المسألة هي تحقق وقوع أكثر من 100 حالة إفلاس بين شركات النفط الصغيرة والخدمات للنفط الصخري... وقع هذا مع أن الأذن صمت والأعين عميت من سماع وقراءة تقارير ودراسات تثبت قدرة وتنوع سبل تكيف النفط الصخري على جميع المتغيرات المتوقعة للبقاء في الساحة كمنتج يراهن عليه أصحابه في المنافسة والديمومة. لا أدري لماذا لا يسلط إعلامنا النفطي العربي الضوء على إخفاقات النفط غير التقليدي بدلا من تصويره بدور البطل الذي لا يموت مهما كانت الأحداث!!
بطبيعة الحال ومن المسلمات أن منتجي النفط الصخري الأمريكي، هم من كانوا السبب المباشر في معضلة إغراق الأسواق، وخلق نوع من عدم التوازن والاستقرار، ورغم ذلك ها هم اليوم يتنفسون الصعداء بعد اتفاقية أوبك والتي نتج عنها توقعات باستئناف النمو في الإنتاج، وقد كان السبب من وراء ذلك الجهل بطبيعة أسواق النفط، فعندما بلغت أسعار النفط مائة دولار للبرميل، تم رفع الاستثمار بشكل هائل دون أي اعتبار للكفاءة الرأسمالية الإجمالية. Gross Capital Inefficiency.
وهذا ما أدى إلى زيادة هائلة في منصات الحفر، والتي لم يؤد تناقصها فيما بعد إلى نقص مكافئ في الإنتاج، وهو ما يجيب على التساؤل المتكرر حول زيادة الإنتاج في النفط الصخري بالرغم من التناقص الكبير في عدد منصات الحفر.
* ما مدى سرعة ردة فعل النفط الصخري في سيناريو السعر الصاعد؟ وهل في حال استقرت الأسعار الحالية فوق 50 دولارا للبرميل في المتوسط أو عند زيادتها فوق مستويات الـ 60 دولارا للبرميل ستتمكن من المنافسة كما يسوق بعض المحللين؟!
- بحسب المعطيات والوقائع فإني لا أجد ما يدعو للاهتمام بزيادة أو نقص عدد منصات الحفر الأمريكية، وذلك بكل بساطة لأن هناك منصات أكثر كفاءة بكثير من قبل، فحتى مع منصات حفر أقل فإنها قد تكون كافية لمواكبة أعمال حفر النفط الصخري بكفاءة ولكن ليست بالديمومة التي ستحافظ على الاستمرارية في الإنتاج لفترة طويلة وأكبر دليل على ذلك هو أن إنتاج النفط الصخري انخفض عن العام الماضي في مناطق عن مناطق أخرى!
* ممكن أن تفصل وتوضح أماكن النفط الصخري التي تقاوم الأسعار المنخفضة والأخرى التي ليس لديها المرونة عند الأسعار المنخفضة؟!
- منطقة "بيرميان" هي أكبر منطقة لإنتاج النفط الصخري، ولديها مرونة تمكنها من استمرار الإنتاج حتى عند مستويات أسعار منخفضة.
ولكن هذا الوضع لا ينطبق على منطقتي "إيغل فورد" و"باكن" رغم أنهما ثاني وثالث أكبر مناطق لإنتاج النفط الصخري الأمريكي، ما يؤكد أن انخفاض أسعار النفط سيؤثر على الإنتاج سلبا (كما توضح الرسوم البيانية) مما يحتم وجود مستويات أسعار تزيد على الستين دولارا للبرميل ولفترة طويلة من الزمن ليصل الإنتاج في هاتين المنطقتين إلى مستويات مستقرة.
والإنتاج الأمريكي قد انخفض بأكثر من 1.2 مليون برميل يوميا. ويأتي الانخفاض في الإنتاج من منطقتي "إيغل فورد" و"باكن" بينما تظل منطقة "بيرميان" لديها مرونة في الإنتاج حتى مع انخفاض الأسعار كما أوضحنا.
وهناك مؤثر آخر هو الزيادة في تكاليف الخدمات، والذي سيؤثر أيضا على قدرة المقاومة لمنطقة "بيرميان" ولا أحد صادق يمكنه الجزم بأن تستمر قدرتها في المقاومة لفترة طويلة، خصوصا أن بعض المنتجين والخبراء قدر أن الإنتاج في منطقة "بيرميان" والذي تتطلع أمريكا أن يعوض إلى حد كبير أي انخفاضات من "باكن" و"إيغل فورد" يحتاج إلى مستويات أسعار تقارب الأربعين دولارا للبرميل، ولكن تكاليف أنشطة الحفر مستمرة في الارتفاع، بكل تأكيد ستقضي على ميزة المرونة والتأقلم مع أسعار النفط المنخفضة على المدى المتوسط.
جميع المعطيات السابقة ومسيرة السوق في الفترة الماضية تقودنا إلى أن إنتاج النفط الصخري الأمريكي سيؤول أمره إلى فتور في نمو المعروض في 2017، وذلك بسبب ما سبقت الإشارة إليه من تضخم تكاليف الخدمات، الذي سيرهق الميزانيات الرأسمالية المخصصة للإنتاج.
وهذا ما سيفرض حاجة متجددة إلى حفر آبار أخرى لاستئناف النمو في إنتاج النفط الإجمالي وتعويض أي نقص متوقع، وهذا ما لن يتحقق بحال دون مستويات أسعار فوق الستين دولارا للبرميل، ولفترة طويلة من الزمن.
وبالنظر إلى تراجع النفط الصخري نجد أنه وقع بسبب الخسائر المادية التي تراكمت في 2016 حيث إن أغلب الشركات بنت خططها على توقع أن تصنف نفسها ضمن التدفق النقدي السلبي للحماية من الإفلاس، ثم إلى إعادة هيكلة الميزانيات العمومية أو إلى الاندماج مع شركات ذات عمليات أصغر حجما، وقدرة أكبر، لتتحمل نتائج تراجع أسعار النفط. ورغم تطبيق هذا المسلك حتى وإن اعتقد البعض أن الأسوأ قد انتهى، فلا تزال هناك صعوبات قد تعكس هذا الاعتقاد.
أسعار النفط المنخفضة أدت إلى كثير من الفوضى في صناعة النفط الأمريكية التي رفعت بدورها نسبة إفلاس شركات النفط الصخري هذا العام، إلى حوالي ضعف الرقم الذي كان عام 2015، وفقا لتصنيف وكالة موديز لخدمة المستثمرين.
* إلى أي مدى يمكن أن يذهب الإفلاس بشركات النفط الصخري الأمريكية؟
- قد يكون هذا الإفلاس بحسب المعطيات الأولية، كارثيا بل ربما وصل الأمر لأن يكون الأسوأ في هذا القرن، سواء من حيث عدد حالات الإفلاس التي سجلت، أو معدلات الاسترداد للدائنين، حيث إن شركات الاستكشاف والإنتاج الأمريكية التي تقدمت بطلب لحمايتها من الإفلاس خلال عام 2015، قد وجدت أن المقرضين لم يستعيدوا أي مستحقات لهم، وحالات طلب الإفلاس بدأت في عام 2015 وزادت إلى الضعف في عام 2016، مما قد ينذر بأزمة في صناعة النفط والغاز الأمريكي كما قلنا.
شركات متوسطة وصغيرة لجأت إلى الفصل 11 من قانون الإفلاس الأمريكي وهو المتعلق بالحماية من الإفلاس. الفصل 11 من قانون الإفلاس الأمريكي يتيح للشركات عملية تصفية للإفلاس وإعادة تنظيم الهيكلة والأفراد عند عدم القدرة على دفع الديون وذلك بالرفع إلى محكمة الإفلاس الاتحادية للحماية بموجب الفصل 11.
حيث إن الفصل 7 يوقف العمليات وتباع جميع الأصول، ومن ثم توزيع العائدات للدائنين ومن ثم يتم إرجاع أي مبلغ متبق لأصحاب الشركة وهذا يعني بطبيعة الحال توقف كلي للإنتاج. ولذلك فإن الخزانة الأمريكية تتحمل عبء لجوء هذه الشركات المفلسة إلى الفصل 11، لأنه في معظم الحالات تبقى الأصول في حيازة المدين ويستمر الإنتاح والسيطرة على العمليات التجارية ولكن تخضع لرقابة المحكمة.
في كثير من الحالات، نجد أن مشغلي النفط الصخري وضعوا أنفسهم في مواقف صعبة للغاية وذلك بسبب الديون التي تبلغ قيمتها أكثر بثلاث مرات من الأرباح التشغيلية الإجمالية، ونجد أن بعض اللاعبين حتى مع هذا التدفق النقدي السلبي أجبروا على ضخ مزيد من الأموال لرفع رأس المال، وذلك لمحاولة البحث عن المزيد من الآبار من أجل الحفاظ على استمرار الإنتاج. وقد طفت هذه الصراعات على السطح حتى أصبحت على نحو متزايد واضح.
تشير الإحصاءات الصادرة إلى أنه من بداية عام 2015 حتى 1 أغسطس 2016، هناك 64 شركة أمريكية من منتجي النفط والغاز، اضطرت إلى اللجوء للحماية من الإفلاس وذلك وفقا للفصل 11 من قانون الإفلاس الأمريكي.
* هذا يعني ضمنياً أنك متشائم تجاه مستقبل النفط الصخري الأمريكي؟
- على الرغم من انتعاش أسعار النفط الذي جاء مؤخرا إلا أن الأسوأ ما زال متوقعا لشركات النفط الصخري لأنها حتى في حال تحسن الأسعار فإن الطريق أمامها طويل لسداد ديون كبيرة متبقية لم تسدد نجمت عن إعادة هيكلة الميزانيات العمومية، وهذه الشركات قطعا لا يعتبر هذا التحسن بالنسبة لها الخروج النهائي من الفصل 11 للحماية من الإفلاس، لأن الأمر لا يعدو كونه تبادلا للديون مقابل الديون الأخرى، وتحويل الديون إلى حقوق الملكية، وإصدار أوامر لشراء الأوراق المالية في الأصل تشكلت حديثا من إعادة تنظيم الشركة، وهناك توقعات بأن معدل الإفلاس قد يبدأ في التباطؤ في عام 2017، عندما يبدأ الطلب العالمي على النفط في الارتفاع بوتيرة أسرع من العرض، ولكن هذا لا يعني زواله لأن المعاناة المادية سوف تستمر لوقت أطول.
على الرغم من ذلك كله فإن إنتاج شركات النفط الصخري التي أفلست لا يمثل سوى نسبة ضئيلة من إجمالي إنتاج أمريكا من النفط غير التقليدي، ولذلك فإن الضغوط تتركز على الشركات الأضعف في هذه الصناعة على ما يبدو بلا هوادة. وتشمل هذه الضغوط المزيد من الشروط على المقرضين، لكي تحافظ الشركات الصغيرة على مستويات السيولة المطلوبة، لذلك فإنه من المتوقع تزايد طلبات الحماية من الإفلاس، وسيكون على المنتجين الصغار والذين أسعفهم الحظ لبلوغ هذه المرحلة الدخول ضمن شركات ذات عمليات صغيرة، بحيث يكونون أكثر قدرة على تحمل انخفاض أسعار النفط.
وهنا نخلص إلى أنه حتى وإن تزايد عدد محللي النفط والاقتصاديين النظريين الذين يتوقعون نموا للنفط الصخري العام المقبل في ظل تحسن أسعار النفط ما بين 50- 60 دولارا للبرميل، فإن وتيرة النمو لا تزال موضع نقاش وجدل كبيرين ونشر رسائل تطمين لمنتجي النفط الصخري لن يغير من الواقع شيئا لأن عواقب الإفلاس في المدى المتوسط لن تتماشى مع انتعاش الأسعار.
تعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}