في الوقت الذي ينظر فيه كثيرون إلى التعليم بوصفه أداة لتقدم الأمم وتحضرها، يرى فيه البعض "فرصة استثمارية" تُمكنهم من جني الأرباح، في ظل صناعة تعليمية تنمو باضطراد للعديد من الاعتبارات بما يضعها نصب أعين الكثير من الاقتصاديين والمستثمرين.
أنواع المؤسسات التعليمية
وبشكل عام تنقسم المؤسسات التعليمية إلى ثلاثة أنواع، الأول حكومي ويكون مملوكا للدولة ولا يسعى لحصد الأرباح بطبيعة الحال، والثاني يسمى بـ"الأهلي"، وله عدة أشكال ملكية لكنه غالبًا ما يكون مملوكًا لهيئة اعتبارية ولا يسعى لحصد الأرباح أيضًا، والثالث خاص ويسعى للربح بطبيعة الحال.
وبعيدًا عن الشكل الحكومي الذي يعتمد على تمويل الحكومات مباشرة، فإن القطاع التعليمي الأهلي يقوم على ما يعرف بجمع التبرعات حيث تتواجد في تلك المؤسسات أقسام باسم "fundraising" تهتم بجمع الأموال لضمان عمل الجامعة أو المدرسة بشكل جيد.
وعلى سبيل المثال، فإن إطلاق اسم أحد رجال الأعمال يكون بمقابل مادي، حيث أطلقت كلية "بول سميث" في ولاية "نيويورك" اسم رجل الأعمال الأمريكي "جوان ويل" على مبناها الرئيسي بعد تبرعه بعشرين مليون دولار للكلية.
ولدى بناء الجامعة الأمريكية في القاهرة لمقرها الجديد فإن الأخيرة أخذت مبالغ بدأت بخمسة دولارات فحسب من المتبرعين، حيث تم وضع "تسعيرة" ثمنًا لوضع قالب من الطوب في مبنى، أو غرس شجرة في الحدائق أو حتى مقابل تسمية مبنى كامل باسم شخص المتبرع.
سوء في التوزيع
وعلى الرغم من بساطة بعض المبالغ التي يقدمها بعض المتبرعين إلا أن آخرين يقدمون ملايين الدولارات بل وعشرات الملايين، ولذلك ووفقًا لـ"سي.إن.بي.سي" فإن جامعة مثل "هارفارد" لديها ما يقرب من 35 مليار دولار في صندوق باسمها، يمكنها استخدامها في الإنفاق على أنشطة الجامعة، حيث عملت على مراكمة مثل هذا المبلغ الضخم على مدى 70 عامًا منذ البدء في نشاط جمع التبرعات.
وتشير تقديرات "ديلويت" إلى أنه في القطاع الأهلي فإن ما نسبته 30% من الجامعات والمدارس تعاني ديونًا، بينما تكتفي ما نسبتها 47% بتلقي موارد مكافئة لما تنفقه، و23% تحصد أموالًا تفوق احتياجاتها.
وتُرجع الدراسة ذلك إلى ما تصفه بتأثير عامل الشهرة على المتبرعين، فـ87% من الجامعات الأهلية المائة الأكبر في العالم والتي تأتي على رأس قوائم تصنيف المؤسسات التعليمية تحصل على تبرعات مالية تفوق احتياجاتها الفعلية.
ويعكس هذا بالطبع حالة من عدم التوازن داخل القطاع التعليمي الأهلي في ظل معاناة بعض المؤسسات من صعوبات في التشغيل، واضطرارها لزيادة المصروفات الدراسية لتعويض نقص التمويل بينما تحظى أخرى بما يفوق حتى احتياجاتها.
ربحية قياسية في الدول النامية
أما فيما يتعلق بالمؤسسات التعليمية الخاصة، فتقدر دراسة لجامعة "هارفارد" حصول المؤسسات الخاصة في الغرب على نسب ربحية تفوق 25%، وتقل النسبة قليلًا بالنسبة لدول شرق أوروبا والصين والهند بسبب المنافسة الضارية بين المؤسسات واقتراب مستويات الخدمة التي يقدمونها.
أما في بعض الدول النامية، فتصل الربحية إلى 50-70% سنويًا، وذلك بفعل غياب المنافسة من جهة، واعتماد العديد من الجهات التعليمية في الدول النامية على زيادة مستويات الرفاهية في العملية التعليمية بما يجعلها مزيجًا من الصناعات الترفيهية أو صناعة الفندقة والصناعة التعليمية.
واللافت هنا أنه، ووفقًا لتقديرات "هارفارد" فإن التعليم الأهلي هو الأكثر كفاءة من حيث استغلال الموارد ومن حيث توفير مخرجات جيدة للعملية التعليمية وفي نفس الوقت تجنب إهدار الموارد في "أنشطة غير ضرورية".
اتجاهات مفيدة للصناعة
وهناك العديد من الاتجاهات العالمية التي تخدم صناعة التعليم، ولعل أبرزها التوجهات الحكومية ومن المؤسسات الدولية لنشر التعليم بشكل عام، ومن ذلك زيادة نسبة المتعلمين من 70% إلى 87% بين عامي 1980 و2016 على التوالي.
كما ازداد الإنفاق الحكومي على التعليم بنسبة 70% خلال العقد الأخير في الدول الأشد فقرًا، وبنسبة 20% في الدول الأغنى، بما يعكس مساندة كبيرة للحكومات للطفرة في الإنفاق عليه، لا سيما في ظل تبني العديد من الدول الإفريقية واللاتينية برامج لزيادة الإنفاق التعليمي.
بل ووفقًا لتقديرات البنك الدولي فقد شهدت أعداد الأميين تراجعًا سريعًا للغاية منذ إقرار أهداف التنمية للأمم المتحدة، بانكماشها بنسبة 8% منذ عام 2000، مع ملاحظة أنه كلما ازداد الاقتراب من رقم "صفر أمية" أصبح الأمر أشد صعوبة.
كما ازدادت نسبة متلقي التعليم العالي بشكل لافت، فعلى الرغم من أن حملة الشهادات الجامعية حول العالم لا يزيدون على 7%، بسبب تدني تلك النسبة في إفريقيا وآسيا وبعض دول أمريكا اللاتينية، إلا أن الرقم عالميًا لم يكن يتعدى 5.4% قبل 10 أعوام مع انتشار البرامج التعليمية والمنح بشكل أوسع.
والشاهد هنا أن الإنفاق ليس في حدود تلك النسبة المحدودة فحسب (7%) بل يزداد كثيرًا في ظل الإحصاءات التي تشير لتلقي 18% من سكان العالم لبرامج تعليمية متطورة، بما يشمل هؤلاء الذين لا ينهون دراستهم الجامعية أو يخوضون بعض برامج التدريب المتخصصة ولكن في الجامعات أو المدارس المتخصصة.
نتائج مخيبة
بل وتشمل الاتجاهات الداعمة لنمو الصناعة "الاعتقاد" بين الناس بأهمية التعليم، فبينما كانت النسبة لا تتعدى 58% في عام 1970 ارتفعت النسبة التي ترى أهمية التعليم عالميًا إلى 84% في عام 2015 وفقًا لتقديرات مركز "بيو" لقياس الرأي العام.
ويشمل ما يعرف بالتعليم المستمر أيضًا مظلة النمو المستمر في التعليم بشكل عام، حيث نمت نسبة ما يتلقاه العاملون حول العالم من دورات بنسبة 280% خلال السنوات العشر الأخيرة للعمل على تعويض الفجوة بين منتجات العملية التعليمية واحتياجات السوق.
وعلى الرغم من كافة تلك المبشرات من حيث نمو الصناعة التعليمية من حيث الحجم والأرباح، إلا أن مؤشرات كمية عدة، تشير إلى تراجع جودة ما تقدمه المؤسسات التعليمية من "مخرجات" متمثلة في خريجي الكليات والمدارس.
فدراسة لـ"ديلويت" تشير إلى أن الفجوة في سوق العمل بين المطلوب من الخريجين من المدارس والجامعات هي الأقصى منذ سبعينيات القرن الماضي (بداية حساب مثل تلك الفجوة) حيث وصلت إلى 20-25% بشكل عام، وتصل إلى أقصاها في الصناعات التكنولوجية (50%).
والأزمة أن الشركات تضطر للاعتماد على نفسها من أجل تدريب العمالة على مهامهم "الواقعية" بعيدًا عن أي افتراضات مسبقة تقدمها المؤسسات التعليمية حول المناهج الدراسية التي يجب تدريسها، بما يجعل السؤال قائمًا حول كفاءة المؤسسات التعليمية في ظل مساندة كافة الظروف لها للنمو، وفقر ما تقدمه من منتج نهائي.
المصادر: تقرير لـديلويت"، "سي.إن.بي.سي"، دراسة لجامعة هارفارد"، تقرير للبنك الدولي، تقرير لـ"بيو"
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}