نبض أرقام
07:46 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/23
2024/11/22

النكتة المشؤومة .. ثقيل الظل الذي أضاع شركة بمليار دولار في 10 ثوان!

2020/04/04 أرقام - خاص

في سوق مثل سوق الأسهم ينبغي على مسؤولي الشركات المدرجة به أن ينتبهوا جيداً ليس لكلماتهم فقط بل لكل حرف يخرج من أفواههم وكل همسة تصدر عنهم، لأن غير ذلك يعني اللعب بالنار. هفوة بسيطة كفيلة بأن تهوي بأقوى شركة إلى الحضيض في لمح البصر.

 

هذا ما تعلمه رجل الأعمال البريطاني الشهير "جيرالد راتنر" قبل ما يقرب من 28 عاماً ولكن بالطريقة الصعبة. فعندما صعد الرجل إلى مسرح قاعة ألبرت الملكية في لندن في أبريل من عام 1991 ليلقي كلمة أمام حشد من نخبة المجتمع والشخصيات العامة لم يكن لديه فكرة أن خطابه ذلك سيكون بمثابة عقوبة إعدام للشركة التي عاش عمره يبنيها.

 

 

قبل ذلك الخطاب، كان "راتنر" قد تمكن بالجهد والعرق من تحويل سلسلة متاجر المجوهرات المتعثرة التي ورثها عن والده إلى أكبر سلاسل المجوهرات في المملكة المتحدة وأكثرها شهرة، ولكن في تلك الليلة المشؤومة وفي غضون بضع ثوان دمر "راتنر" كل شيء بسبب بعض النكات السخيفة التي تضمنها خطابه.

 

مجوهرات الشعب

 

عندما بلغ من العمر 15 عاماً وتحديداً في عام 1965 ذهب "راتنر" للعمل مع والده في شركة المجوهرات الصغيرة التي يملكها وذلك بعد أن طُرد من المدرسة بسبب كونه "غبياً للغاية". وقضى شبابه في التنظيف وترتيب المنتجات على أرفف المتاجر.

 

بعد وفاة والده في عام 1984 ورث "راتنر" شركة "راتنرز جروب" التي كانت تمتلك 120 متجراً للمجوهرات، وتتكبد خسائر سنوية قدرها 350 ألف إسترليني وهو ما يعادل حوالي 459 ألف دولار.

 

في شبابه وأثناء عمله مع والده تعلم "راتنر" درساً مهماً من خلال مراقبة المتاجر في لندن، حيث لاحظ أن الباعة الذين ينادون الزبائن بصوت عال ويعلقون على واجهات متاجرهم ملصقات لعروض جذابة هم من يحققون أكبر المبيعات. وهكذا قرر استخدام نفس الاستراتيجية في "راتنرز".

 

 

في غضون عدة أشهر كانت واجهات جميع متاجر المجوهرات الخاصة بشركة "راتنرز" مغطاة تماماً بملصقات برتقالية وحمراء جذابة تأخذ العين عليها عبارات مثل "خصومات" و"الفرصة الأخيرة" و"بنصف الثمن".

 

قبل الثمانينيات كانت المجوهرات منتجاً نخبوياً بامتياز بسبب أسعارها العالية، حيث كان يبلغ متوسط سعر القطعة حوالي 300 إسترليني، وهو مبلغ كبير جداً بالنسبة للطبقتين المتوسطة والدنيا في تلك الأيام. ارتفاع أسعار المجوهرات تسبب في خلق حالة من الهيبة لمتاجر المجوهرات تجعل الجميع يفكر ألف مرة قبل أن يدخل إليها.

 

استمر الوضع على هذه الحال إلى أن جاء "راتنر" في منتصف الثمانينيات وقرر أن يصنع منتجات تستهدف شريحة ديموغرافية أوسع وتحديداً الطبقة العاملة. وفرت متاجر "راتنرز" أقراطاً وأساور وخواتم ذهبية بأسعار تبلغ في المتوسط حوالي 20 جنيها إسترلينياً للقطعة. وفي نفس الوقت وضع هذه المنتجات في مقدمة الواجهات الزجاجية للمتاجر ووضع خلفها المجوهرات المصنوعة من الألماس.

 

في ست سنوات!

 

من خلال هذا المزيج الذي جمع بين أساليب التسويق الشعبية وبين الأسعار الرخيصة، قفزت مبيعات متاجر "راتنرز" بنسب عالية جداً، وهو ما أثر سلباً على صانعي المجوهرات الآخرين الذين هاجموا "راتنرز" باستمرار لكونها تبيع منتجات رخيصة ومبتذلة على حد وصفهم.

 

لكن شيئاً لم يوقف "راتنر" وسرعان ما آتت استراتيجيته ثمارها. فبحلول عام 1990، كان عدد متاجر الشركة قد ارتفع من 120 متجراً إلى نحو ألفي متجر، وفي نفس الوقت تمكنت من الاستحواذ على ما يقرب من 50% من سوق المجوهرات في المملكة المتحدة، محققة مبيعات سنوية بقيمة 1.2 مليار إسترليني، وأرباح بقيمة 125 مليون إسترليني.

 

 

كما استحوذت "راتنرز" على سلاسل منافسة مثل "جاريد وكاي جويلرز". وبسرعة أصبحت "راتنرز" أشهر وأكبر شركة مالكة لسلاسل المجوهرات في المملكة المتحدة. والمدهش هو أن هذا الصعود من قاع السوق إلى قمته لم يستغرق سوى 6 سنوات.

 

هذا النجاح الرهيب الذي حققته شركته أكسب "راتنر" شهرة كبيرة في المجتمع البريطاني باعتباره أحد أنجح رجال الأعمال في البلاد. وعلى هذا الأساس تمت دعوته في أبريل من عام 1991 من قبل "معهد المديرين" -إحدى أكبر منظمات الأعمال في بريطانيا- كي يلقي كلمة في المؤتمر السنوي للمعهد.

 

في الأيام السابقة على يوم المؤتمر جلس "راتنر" مع أحد المستشارين والذي أعد له مسودة للخطاب الذي سيلقيه على مسامع الحضور بعد أيام، ووافق عليها. ولكن ذلك المستشار نصح "راتنر" بأن يتضمن خطابه نكتتين أو أكثر لأن الناس يحبون النكات. أخذ "راتنرز" بالنصيحة ولكنه نفذها بأسوأ طريقة ممكنة.

 

النكات القاتلة

 

في ليلة الثالث والعشرين من أبريل 1991 صعد "راتنر" على خشبة المسرح ليلقي كلمته التي استمرت لنحو 25 دقيقة تحدث في بدايتها حول القيم الأخلاقية والمهنية العامة وأشياء مثل الازدهار والجودة، وذلك قبل أن يلقي بقنبلة في وجه الجمهور كانت عبارة عن سلسلة من النكات الصادمة التي سخر فيها من جودة منتجات شركته.

 

قال "راتنر": "إن شركة راتنرز لا تمثل الازدهار، وإذا فكرتم في الأمر جيداً ستجدون أنها لا تمثل الجودة أيضاً". ضحك الحضور قبل أن يباغتهم بنكتته التالية والتي قال فيها "إن الناس يتساءلون كيف يمكن لنا أن نبيع طقماً مكوناً من ستة أكواب زجاجية تحملهم صينية مطلية بالفضة مقابل 4.95 جنيه إسترليني فقط. ولهؤلاء أقول نحن نبيعها بهذا السعر الرخيص لأنها ببساطة شيء رديء".

 

 

تعالت ضحكات الحضور الذين بدا عليهم الدهشة من استهانة الرجل بالسخرية من منتجات شركته ليشك بعضهم في ما إذا كان واعياً لما يقول، ولكن "راتنر" لم يتركهم في حيرة من أمرهم وبعد عدة دقائق قطع الشك باليقين حين رمى على مسامعهم نكتته الثالثة:

 

"إننا نبيع زوجاً من الأقراط الذهبية مقابل أقل من واحد جنيه إسترليني، ويقول بعض الناس إنها أرخص من ساندوتش الجمبري!.. ولكن كي أصدقهم القول، أقول لهم إن ساندوتش الجمبري من المحتمل أن يعيش لفترة أطول من هذه الأقراط!"

 

انتهت الكلمة وسط سعادة ودهشة الحضور. ولكن في صباح اليوم التالي استيقظ "راتنر" على الأخبار المرعبة. فقد احتلت نكاته عناوين الصحف البريطانية التي كانت تتحدث عن المدير التنفيذي لأكبر سلسلة متاجر مجوهرات في البلاد الذي وصف منتاجته بالرداءة. فجأة أصبحت نكات "راتنر" حديث البلاد.

 

كيف تهاوى كل شيء؟

 

حاول "راتنر" السيطرة على الأمور والتقليل من شأن نكاته بأكثر من وسيلة، ولكنه لم يدرك أن كلماته تلك كانت كالسهم الذي خرج من القوس، فلم يكن هناك ما يمكنه فعله لإصلاح الأمر. في لمح البصر أصبحت "راتنرز" من أكثر الشركات المكروهة في البلاد.

 

في غضون عدة أيام فقدت الشركة نحو 500 مليون جنيه إسترليني من قيمتها السوقية. وبحلول نهاية عام 1991 انخفض سعر سهم "راتنرز" بما يقرب من 80%.

 

 

قاطع أغلب العملاء الذين اعتادوا الشراء من "راتنزز" الشركة التي وصف رئيسها التنفيذي منتجاتها بالرداءة، وهو ما دفع الشركة البريطانية في نهاية المطاف إلى إغلاق مئات المتاجر التابعة لها وتسريح نسبة كبيرة من قوتها العاملة البالغ عددها في ذلك الوقت نحو 25 ألفاً على خلفية التراجع الكبير الذي شهدته المبيعات.

 

في النهاية، غادر "راتنر" الشركة في نوفمبر 1992، ولكنه تركها في حال يرثى لها بسبب نكاته الثلاث السخيفة التي أضاعت جزءاً كبيراً من ثروة المساهمين وشردت الآلاف من العاملين لدى الشركة. لا تكن مثل "راتنر".

 

المصادر: أرقام -- التلغراف -- بي بي سي -- الجارديان
كتاب: Gerald Ratner: The Rise and Fall...and Rise Again

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.