في أوائل عام 2001 وقف "جو ناتشيو" الرئيس التنفيذي لشركة الاتصالات الأمريكية "كويست كوميونيكشنز" على خشبة المسرح في اجتماع ضم معظم مسؤولي الشركة قبل أن يلقي على مسامعهم خطابًا مثيرًا يهدف إلى تحفيزهم وإرشادهم إلى حيث يجب أن ينصب تركيزهم.
قال "ناتشيو": "إن أهم شيء يجب أن نقوم به هو تحقيق الأرباح المتوقعة. هذا أكثر أهمية من أي منتج فردي ومن أي فلسفة فردية وكذلك أكثر أهمية من أي تغيير ثقافي نقوم به، سنوقف كل شيء إذا لم نحقق الأرباح والأرقام المتوقعة"، باختصار كانت رسالة الرجل واضحة: الربح فوق كل شيء.
من خلال كلماته وأفعاله، خلق "ناتشيو" ثقافة أسفرت عن 2.5 مليار دولار من الأرباح الوهمية التي تسببت في دخوله السجن الفيدرالي بسبب الاحتيال، وأدت كذلك إلى تدمير ثروة المساهمين الذين شاهدوا سعر السهم يفقد أكثر من 97% من قيمته في غضون 18 شهرًا فقط من إلقائه لكلمته.
وفي الحقيقة إن حال "ناتشيو" من حال كبار المدراء في جميع الشركات المتداولة بالبورصة والذين يتوقون للإبلاغ عن الأخبار الجيدة والنتائج المالية المثيرة للإعجاب التي من شأنها إرضاء المستثمرين وزيادة سعر السهم، وفي حين أن معظم الشركات تتصرف بشكل أخلاقي وتتبع القواعد عند الكشف عن أدائها المالي إلا أنه لا يزال هناك من يتحايل على تلك القواعد أو يتجاهلها تمامًا بغرض جعل الشركة تبدو في حالة أفضل مما هي عليه في الواقع.
وهذا بالضبط ما حدث مع شركة التجارة الإلكترونية "جروبون" التي تلاعبت إدارتها بحجم الإيرادات بينما تستعد لطرح أسهمها للاكتتاب العام الأولي في عام 2011 قبل أن تكشفها لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية وتجبرها على تعديل بياناتها.
أسرع من يصل إلى المليار
في أكتوبر 2008 تأسست "جروبون" كشركة تجارة إلكترونية يقع مقرها الرئيسي في شيكاغو، وبعد 17 شهرًا فقط من تأسيسها قدّر القطاع الخاص قيمتها بنحو مليار دولار لتصبح أسرع شركة أمريكية تتخطى حاجز المليار دولار، وبحلول عيد ميلادها الثالث وتحديدًا في نوفمبر من عام 2011 أصبحت شركة متداولة بالبورصة بعد أن تمكنت من جمع 700 مليون دولار في اكتتابها العام الأوّلي.
ولكن قبل طرحها للاكتتاب العام واجهت "جروبون" وقتًا عصيبًا أثناء سعيها للحصول على موافقة لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية على طرحها للاكتتاب، حيث اضطرت إلى تعديل بياناتها المالية ثماني مرات.
لفهم التلاعب الذي شهدته البيانات المالية الخاصة بـ"جروبون" من المهم جدًا أن نفهم نموذج عملها، فكرة موقع "جروبون" ببساطة هي أنه يسمح للتجار بعرض منتجاتهم في صورة مجموعات يتم بيعها بالخصم، كأن يقوم التاجر على سبيل المثال بعرض 6 أكواب معًا بخصم 20%، لا يمكن عرض كوب واحد أو أي منتج بشكل فردي.
الطريقة الرئيسية التي اتبعتها "جروبون" في جعل بياناتها المالية تبدو أفضل مما هي عليه في الواقع هي قيامها بتسجيل الأموال التي يدفعها المشترون على الموقع نظير المنتجات بالكامل كإيرادات دون خصم الجزء الكبير الذي تدين به للتجار، على سبيل المثال إذا قامت ببيع مجموعة من القمصان مقابل 100 دولار، تقوم بتسجيل المبلغ بالكامل كإيرادات متجاهلة حقيقة أنها مجرد منصة تحصل على عمولة من التجار وليست مالكة للمنتجات.
إيرادات مضخمة بفعل فاعل
بعد تقدمها بأوراقها إلى لجنة الأوراق المالية والبورصات في عام 2011 بدأت المشاكل المحاسبية لدى "جروبون" في الظهور على السطح، حين اكتشف مسؤولو اللجنة أن الشركة تدرج الإيرادات التي من المفترض أن ترجعها إلى التجار كإيرادات خاصة بها وذلك باستخدام مصطلح محاسبي ذكي أسمته الشركة "الدخل التشغيلي الموحد المعدل".
كانت مشكلة "الدخل التشغيلي الموحد المعدل" هي أنه يستبعد تكاليف التسويق والتي كانت تشكل الجزء الأكبر من نفقات الشركة، وهو ما تسبب في النهاية في أن تبدو الشركة في وضع مالي أفضل مما هي عليه في الحقيقة، مما يضلل المستثمرين.
في سبتمبر 2011 قالت "جروبون" إنها ستقوم بتعديل بياناتها المالية بحيث لا تتضمن الإيرادات إلا ما تحصل عليه كعمولة بدلاًً من القيمة الإجمالية للمبيعات كما كانت تفعل في السابق، وذلك على خلفية مناقشاتها مع لجنة الأوراق المالية والبورصات، كما أعلنت الشركة استقالة مدير عملياتها.
أجبر المسؤولون الشركة على تعديل بياناتها المالية لإزالة أثر الإيرادات الخاصة بالتجار، وهو ما تسببب في ارتفاع خسائر الشركة في الربع الأخير من عام 2011 من 42.7 مليون دولار إلى 64.9 مليون دولار، أي أن الخسائر المبلغ عنها من قبل الشركة زادت بأكثر من 50%.
قلل هذا التغيير أيضًا من إيرادات "جروبون" المعلنة لعام 2010 من 713.4 مليون دولار إلى 312.9 مليون دولار، كما تم تعديل إيراداتها الخاصة بالأشهر الستة الأولى من عام 2011 إلى 688 مليون دولار، وذلك بانخفاض قدره 57% مقارنة مع 1.6 مليار دولار مبلغ عنها سابقًا.
نهاية دراماتيكية
خلال الأشهر السبعة والعشرين التي بدأت في يناير 2009، أبلغت "جروبون" عن خسارة تشغيلية تراكمية بلغت 536 مليون دولار، بعد أن كان مقياسها المضلل الذي تستخدمه يظهر تحقيقها أرباحًا تراكمية قدرها 145 مليون دولار خلال نفس الفترة.
بعد تعديل بياناتها سمحت هيئة الأوراق المالية والبورصات لـ"جروبون" أخيرًا بطرح أسهمها للاكتتاب العام الأولي في الرابع من نوفمبر 2011.
المثير للدهشة هو أن المستثمرين بدوا متجاهلين تمامًا للفضيحة المحاسبية التي لم يمر الكثير على خروج الشركة منها، ففي أول أيام تداوله بالسوق ارتفع سهم الشركة من 20 دولارًا إلى 31 دولارًا للسهم قبل أن يغلق عند 26.11 دولار، وهو ما جعل القيمة السوقية الإجمالية للشركة تقترب من 16 مليار دولار.
لكن سرعان ما جاءت الرياح بما لم تشتهِ سفن المستثمرين، بعد أن أجبرت الجهات التنظيمية الأمريكية الشركة على تعديل بياناتها مرة أخرى في أوائل عام 2012. وبحلول الذكرى السنوية الأولى لطرحها للاكتتاب وتحديداً في نوفمبر 2012 فقد سعر السهم أكثر من 90% من قيمته ليصل إلى 2.76 دولار.
وكانت هذه هي النهاية الدراماتيكية لثاني أكبر اكتتاب لشركة تكنولوجية في ذلك الوقت – بعد اكتتاب "جوجل" في عام 2004 الذي تمكنت فيه الشركة من جمع 1.7 مليار دولار – وفي الأخير فاض الكيل بالمستثمرين، وتم طرد الرئيس التنفيذي للشركة "أندرو ماسو" من منصبه في فبراير من عام 2013.
المصادر: أرقام – نيويورك تايمز – International Journal of Management and Applied Science (IJMAS) كتاب: Financial Shenanigans, Fourth Edition
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}