نبض أرقام
04:31 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/23
2024/11/22

من نظريات المؤامرة إلى سوق الأسهم .. كيف يُرينا العقل أشياء ويُخفي أخرى؟

2022/03/25 أرقام - خاص

"حسنًا هؤلاء مصرّون على ما في أدمغتهم ومهما قلت أو فعلت لن يمكنني تغيير هذا فلا يوجد ما يمكنني فعله أكثر من المضي في طريقي بعيدًا عن نظريات المؤامرة التي تحيطني".. هكذا عقب رجل الأعمال ومؤسس "مايكرسوفت" "بيل جيتس"، على اتهامه بالمسؤولية عن نشر فيروس "كورونا" حول العالم.

 

فبسبب محاضرة ألقاها "جيتس" عام 2015 وحذّر فيها من أن موت الملايين في المستقبل سيكون بسبب الأوبئة وليس الحرب، أضحى الرجل ضحية لنظريات المؤامرة، ليس فقط لانتشار الفيروس، ولكن أيضًا لاتهامه بإجراء تجارب على البشر.

 

 

وجاء "جيتس" هنا ضحية لإحدى أشهر "الحيل العقلية" التي تنطبق على كثيرين وهي "الانحياز التأكيدي" ويقصد بها أن يبحث الإنسان باستمرار عن المعلومات التي توافق معتقداته السابقة، ويفسر ما يصل إليه من معلومات وفقًا لها أيضًا.

 

فالمحاضرة التي لم يلق لها الناس بالًا في 2015 وجدت أكثر من 50 مليون مشاهد في 2020 مع انتشار الفيروس، مع بحث الناس عما يتوافق ما يعتقدون فيه (سواء في "جيتس" نفسه أو في طريقة انتشار الفيروسات بشكل متعمد أو بطبيعة رجال الأعمال)

 

ما سبب وجود الانحياز التأكيدي؟

 

ما الذي يسبب الانحياز التأكيدي، ولماذا يبلور تفكير بعض البشر؟ على الرغم من أنه قد يسبب مشاكل، إلا أنه فيما يبدو يجعل الحياة أسهل أيضًا. وهذه بعض الأسباب:

 

كونه فعّالاً

 

أصبح الأمر بمثابة غابة من المعلومات تزداد كثافة طوال الوقت في عصر الوسائط الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي، بينما نفتقد الوقت والطاقة اللازمين لتقييم كل شيء بشكل عادل، وتشكيل قرارات غير منحازة.

 

فمن خلال تشجيعنا على البحث عن أنواع معينة من المعلومات أو قبولها، يساعد الانحياز التأكيدي صراحة على تجاوز فوضى المعلومات، إنها طريقة فعّالة، وإن كانت محدودة، لتحرير الأدلة ومعالجة البيانات.

 

يساعد على احترام الذات

 

يفضل الناس الشعور بالرضا عن أنفسهم لكونهم أذكياء وجديرين بالاحترام وعلى حق، واكتشاف أنهم على خطأ يجعلهم يشعرون بالضيق تجاه أنفسهم. لذلك، سيسعى الناس للحصول على المعلومات التي تدعم آراءهم وقراراتهم ورغباتهم الحالية.

 

 

ولذلك وعلى الرغم من أن الكثيرين يقعون "فريسة" لـ"الانحياز التأكيدي" إلا أن النماذج المتطرفة منه غالبًا ما يمكن رصدها بين الأفراد القلقين الذين يعانون من تدني احترام الذات، وهو أمر غير مستغرب.

 

يقلل التوتر

 

كتب الروائي الأمريكي "سكوت فيتزجيرالد" في مقال نشر عام 1936 "اختبار الذكاء من الدرجة الأولى هو القدرة على الاحتفاظ بفكرتين متعارضتين داخل العقل في نفس الوقت، مع الاحتفاظ بالقدرة على العمل".

 

يبدو الأمر صحيحًا ومنطقيًا للوهلة الأولى ولكن بالنسبة لمعظم الناس، يؤدي الحفاظ على اثنين من المعتقدات المتناقضة إلى "التنافر المعرفي"- وهي حالة من الضيق العقلي وعدم الارتياح التي غالبًا ما تعيق الأداء.

 

ولتقليل هذا التنافر، يبدأ الانحياز التأكيدي في الظهور، وذلك من خلال تعزيز مجموعة واحدة من الحقائق- ما نريد أن نراه أو نسمعه أو نصدقه - بما يخفف من حدة الصراع.

 

الانحياز التأكيدي في عالم الاستثمار

 

يعتقد الخبراء في مجال "التمويل السلوكي" أن "الانحياز التأكيدي" ينطبق على المستثمرين بطرق ملحوظة، ونظرًا لأن بعض المستثمرين يبحثون عن معلومات تؤكد آراءهم الحالية، ويتجاهلون الحقائق أو البيانات التي تدحضها، فقد يحرفون قراراتهم بناءً على انحيازاتهم المعرفية.

 

تحدث هذه الظاهرة النفسية عندما يقوم المستثمرون باستبعاد الحقائق والآراء التي يحتمل أن تكون مفيدة، والتي لا تتوافق مع مفاهيمهم المسبقة.

 

ويؤثر الانحياز التأكيدي على التصورات وعملية صنع القرار في جميع جوانب الحياة، وليس فقط في الاستثمار أو في سوق الأسهم، ولكنه يمكن أن يخلق مشاكل خاصة بالنسبة للمستثمرين.

 

فعند البحث عن استثمار، قد يتحرى المستثمرون، عن غير قصد، أو يفضلون المعلومات التي تدعم مفاهيمهم المسبقة حول الأصل أو الاستراتيجية محل البحث، ومن ثم يفشلون في تسجيل أي بيانات تقدم أفكارًا مختلفة أو مغايرة لمفاهيمهم، أو يميلون للتقليل من أهميتها، وبالتالي ينساقون وراء آراء أحادية ويدورون في حلقة مفرغة لتعزيز الذات.

 

وبالتالي يمكن أن يتسبب الانحياز التأكيدي في اتخاذ المستثمرين قرارات سيئة، سواء كان ذلك فيما يتعلق باختيارهم للاستثمارات، أو توقيت تداولها.

 

 

ويساهم مفهوم الانحياز التأكيدي في تفسير أسباب عدم تصرف المستثمرين بصورة عقلانية على الدوام، وربما يدعم الحجج القائلة بأن السوق يتصرف بشكل غير كفء.

 

فالمتلازمة التي يعاني منها كثيرون تشكل مصدر ثقة المستثمرين المفرطة، بحيث تساعد في تفسير أسباب ميل المضاربين (الثيران) للتنبؤ بارتفاع أسعار الأسهم والاستثمار في الأسواق الصاعدة، ومن ثم، الإبقاء على الاتجاه الصعودي لتلك الأسواق نتيجة الشراء المتزايد.

 

وبالعكس، ميل المضاربين (الدببة) إلى التنبؤ بانخفاض أسعار الأسهم وبيع استثماراتهم في السوق الهابطة، ما يتسبب في الإبقاء على هبوطها نتيجة التخلص من أسهمها بصورة جماعية. وكلاهما، يتصرف وفقاً لثقافة القطيع بغض النظر عما يحدث في السوق فعلياً.

 

ولتوضيح هذا بمثال لنفترض أن مستثمرًا سمع شائعة بأن شركة ما على وشك إعلان إفلاسها، بناءً على هذه المعلومات، يفكر المستثمر في بيع السهم، وعندما يبحث عبر الإنترنت لقراءة آخر الأخبار عن الشركة، فإنه يقرأ فقط المقالات التي تكرر سيناريو الإفلاس المحتمل.

 

وفي نفس الوقت يفوّت المستثمر خبراً حول منتج جديد واعد أطلقته الشركة للتو، والذي من المتوقع أن يؤدي إلى زيادة المبيعات. وبدلاً من الاحتفاظ بالسهم، يبيعه المستثمر بخسارة كبيرة- قبل أن يعكس مساره مباشرة ويصعد إلى أعلى مستوى له على الإطلاق.

 

تأثير الانحياز التأكيدي على الاستثمارات

 

يمكن أن يشكل الانحياز التأكيدي خطراً استثنائياً بالنسبة المستثمرين، فحقيقة أنه يعكس التأثير المباشر للرغبة على المعتقدات، كما يحدث، تتسبب في اتباع سلوك غير عقلاني بينما يعد الاستثمار واحداً من المجالات التي لا مكان فيها للعاطفة بشكل قاطع.

 

ولعل هذه هي أكثر عناصر الانحياز التأكيدي تأثيرًا بشكل سلبي على المستثمر:

 

إضاعة الفرص

 

يشجع الانحياز التأكيدي المستثمرين على البقاء منشغلين بانحيازاتهم بينما يقبعون في مناطق الراحة الخاصة بهم.

 

نتيجة لذلك، قد يفوتهم بسهولة استراتيجيات ومنتجات وفرص استثمار جديدة (بالنسبة لهم)، وربما يتشبثون بمفاهيم مثل "عدم السحب من رأس المال أبدًا" أو "عدم الاقتراض أبدًا".

 

إغفال تنويع الاستثمارات

 

التنويع هو أسلوب لتوزيع الاستثمارات عبر مختلف الأدوات المالية والصناعات وفئات الأصول التي يتفاعل كل منها بشكل مختلف مع نفس الحدث.

 

على الرغم من أنه أسلوب يهدف، بشكل أساسي، إلى تقليل المخاطر، إلا أنه يمكن أن يؤدي إلى زيادة العوائد (عن طريق تجنب الخسائر) أيضًا، غير أن الانحياز التأكيدي يمكن أن يشجع المستثمرين على أن يصبحوا مهووسين ببعض الشركات أو ببعض أنواع الاستثمار، الأمر الذي يجعلهم يغفلون تنويع استثماراتهم.

 

 

الوقوع فريسة للفقاعات

 

تحدث الفقاعات عندما ترتفع أسعار أصل أو استثمار معين أعلى بكثير من قيمته الحقيقية لخضوعة للمضاربة في الأسواق التجارية بصورة مطردة.

 

ونظرًا لأن الفقاعات تدور حول شراء المستثمرين "لأن الجميع يفعل ذلك"، فإن الأشخاص الذين لديهم انحياز تأكيدي يميلون إلى الاستثمار أكثر في فقاعات الأصول، متأثرين بوجهة نظر الإجماع - ويتجاهلون أي أصوات مغايرة تحذر من أن الارتفاع أصبح خارجاً عن السيطرة، وأن الأسعار المرتفعة ليست مبررة أو مستدامة.

 

ويعد نشاط المضاربة، الذي يتسبب بتضخيم فقاعات الاستثمار، جزءًا من مفهوم مهم آخر في التمويل السلوكي يعرف بسلوك أو عقلية القطيع. يقول ذلك المفهوم بأن الناس ينزعون إلى تقليد الممارسات المالية التي تتبناها الأغلبية، أو اتباع جمهور المضاربين، إذا جاز التعبير.

 

التغلب على الانحياز التأكيدي

 

ويقول أحد أشهر المستثمرين في العالم، "وارين بافيت" مؤسس ورئيس شركة "بيركشاير هاثاواي" إن وجود شريك في الاستثمار "لا يخبرك باستمرار بأنك محق" ولا يدعم باستمرار ما تقوله أمراً حيوياً للهروب من فخ الانحياز التأكيدي.

 

ويضيف "بافيت" أنه وجد في "تشارلي مونجر" ساعده الأيمن في "بيركشاير هاثاواي" هذا الشريك الذي لا يعارضه لأجل المعارضة ولكنه لا يؤيد أقواله أيًا كانت بل يقف ليخبره بأنه مخطئ في الكثير من الأحيان.

 

ويضيف "بافيت" أن الكثير من المؤسسات القائمة على الاستثمار عمومًا وفي الأسهم خصوصًا تبدو كما لو كانت مصممة بحيث تتبنى آراء المدير التنفيذي وانحيازاته حيث يتجه أعضاء مجلس الإدارة عمومًا لتأييد آرائه وهو أمر سلبي في رأيه إذ يجب تصميم الشركة بحيث يكون هناك "تغذية عكسية" باستمرار، وهو ما يجب أن يفعله المستثمر الفردي مع مستشارينه أو مع نفسه حتى.

 

ويضيف "بافيت" أن تقارير المراجعة المستمرة للشركات التي يقوم بالاستثمار فيها تشكل في حد ذاتها أداة أخرى للإفلات من الانحياز التاكيدي لأنها كثيرًا تصدم معتقداته حول بعض الأسهم بعد تبيان نسبة نموها ربع السنوي أو السنوي.

 

 

أما "مونجر" فيشير إلى أن لديه طريقة استقاها من "تشارلز داروين" الذي اعتاد أن يقول إنه كلما توصل إلى استنتاج يناقض استنتاجًا آخر كان يعتز به، كان يقوم بإرغام نفسه على كتابة النتيجة الجديدة في غضون 30 دقيقة، وإلا فإن عقله سيعمل على رفض المعلومات المتضاربة، مثلما يرفض الجسم عمليات زرع الأعضاء. إن الإنسان يميل بشكل طبيعي إلى التمسك بمعتقداته، خاصة إذا كانت معززة بالتجربة".

 

وبشكل عام يمكن القول إنه يمكنك تجنب الانحياز التأكيدي إذا قمت بالتالي:

 

ابحث عن توصية مغايرة: تتمثل الخطوة الأولى للتغلب على الانحياز التأكيدي في أن يكون لديك وعي بوجوده، بمجرد أن يجمع المستثمر المعلومات التي تدعم آراءه ومعتقداته حول استثمار معين، يتعين عليه البحث عن أفكار بديلة تتحدى وجهة نظره، أيضًا، يعتبر إعداد قائمة بإيجابيات وسلبيات الاستثمار وإعادة تقييمها بعقلية متفتحة من الممارسات الجيدة.

 

تجنب الأسئلة التقريرية: يجب ألا يطرح المستثمرون أسئلة تؤكد استنتاجاتهم حول الاستثمار، على سبيل المثال، المستثمر الذي يريد شراء سهم ما لانخفاض نسبة السعر إلى الأرباح يسعى لتأكيد النتائج التي توصل إليها إذا سأل مستشاره المالي فقط بشأن تقييم الشركة، بينما تتمثل الطريقة الأفضل في مطالبة الوسيط المالي بمزيد من المعلومات حول السهم، والتي يمكن تجميعها معًا لبلورة استنتاج غير منحاز.

 

دور المعلومات

 

ومن المهم للغاية هنا التأكيد على دور المعلومات في تبديد أو تأكيد "الانحياز التأكيدي" فعلى الرغم من أن المعلومات "المختلفة" قد تبدو وسيلة للتخلص من الانحياز التأكيدي إلا أن الدراسات تؤكد عكس ذلك.

 

ففي دراسة لعالم النفس الأمريكي "بول سلوفيك" كشف أن المراهنين المحترفين في سوق سباقات الخيول اعتادوا تحقيق نسبة ربح 17%، وهي أعلى من المراهنين العاديين أو المتوسط الحسابي المقدر بـ10% (باعتبار أن هناك 10 خيول لكل منها فرصة واحدة في الفوز بالسباق).

 

وعندما أعطى "سلوفيك" لهؤلاء المراهنين 5 معلومات عن السباق وسألهم عن مدى تأكدهم من صحة اختياراتهم للجواد الرابح كان متوسط الثقة في الاختيار 19% وهو ليس بعيدًا للغاية عن نسبة 17% التي يحققونها.

 

بينما عندما زاد "سلوفيك" في المعلومات المتاحة إلى 30 معلومة (6 أضعاف المعلومات الأولى) فإن ثقة المراهنين زادت بصحة خياراتهم إلى 34%، وبناء على ذلك زادت رهاناتهم، إلا أن نسبة نجاعتهم ظلت كما هي 17% فحسب.

 

 

ويؤكد هذا أن المعلومات لا تشكل فارقًا عند كثير من الناس طالما لم يغيروا الطريقة التي يعالجون بها هذه المعلومات، بل إن جل ما تفعله في هذه الحالة أن تدفعهم الثقة في خياراتهم لزيادة المخاطرة، سواء كانت مخاطرة مقبولة ومنطقية أم غير ذلك.

 

ويتفق ذلك مع ما يؤكده "مونجر" من أنه هو و"بافيت" ليسوا عباقرة في سوق الأسهم، ولكن أهم ما يفعلونه "هو عدم الغرق في التفاصيل" والاستماع لكل الأصوات "حتى لو لم تعجبهم".

 

 

المصادر: أرقام- كتاب tribe of mentors - بيهيفريال ايكونوميكس- كوربريت فاينانس انستيتيوت - محاضرات "وارين بافيت" في جامعة "فيرجينيا"- دراسة Confirmation Bias in Investments.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.