هل تعرفون حكاية إيكاروس؟ .. تحكي أسطورة يونانية قصة "إيكاروس" الذي كان محتجزاً مع أبيه في متاهة بجزيرة "كريت" عقابا لهما من "مينوس" ملك الجزيرة.
وللهرب من تلك المتاهة، استعان الاثنان بأجنحة ثبّتاها على ظهريهما بالشمع، وأثناء هروبهما من المتاهة، حلّق الابن "إيكاروس" قريبا من الشمس، متجاهلا نصيحة والده بعدم الطيران بالقرب منها، لتذيب أشعة الشمس الأجنحة ويهوى صريعاً.
هذه الحكاية هي أساس ما يسمى بمفارقة "إيكاروس"، حيث إن الشيء الذي مكن "إيكاروس" من الهروب من المتاهة هو نفسه الذي أدى إلى سقوطه صريعاً، وذلك لأن ثقته المفرطة جعلته أعمى عن مخاطر التحليق بالقرب من الشمس.
نفس النمط نلاحظه في كثير من الأحيان في قطاع الأعمال بين الشركات الناجحة: تصبح الشركة ناجحة جداً في القيام بشيء معين، ويمنحها ذلك ثقة مفرطة بالنفس، تحول دون رؤيتها للمخاطر التي تحيط بها. وغالباً ما يؤدي هذا السلوك إلى سقوطها.
الأمر شائع جداً. هل تعلم مثلاً أنك عندما تأخذ قائمة "فورتشن" لأكبر 100 شركة في العالم في عام 1966، وتقارنها بذات القائمة في عام 2006، ستجد أن 66 شركة كانت في القائمة الأولى لم تعد موجودة، بينما تجد أن 15 شركة أخرى لا تزال موجودة ولكنها خارج القائمة، في حين أن عدد الشركات التي حافظت على وجودها في القائمة الأخيرة لم يتجاوز 19 شركة.
كيف يحدث ذلك؟
- تُظهر الكثير من البحوث والدراسات أن الشركات الناجحة جداً في مختلف القطاعات تجد صعوبة في الحفاظ على نجاحها على المدى الطويل. يُمكنك أن تسمي الأمر، غطرسة أو – بطريقة أكثر لطفاً – سذاجة، ولكن الشيء المؤكد هو أن تلك الشركات تغفل عن واقع السوق والمتطلبات الأساسية لتحقيق الميزة التنافسية، وذلك يؤدي إلى الفشل عاجلاً أو آجلاً.
على مر السنين، كانت الشركات تبدأ في التركيز على الشيء الذي جعلها ناجحة (منتج معين أو خدمة أو طريقة إنتاج وما إلى ذلك). في البداية تكون عوائد ذلك السعي جيدة جداً بالنسبة للشركة، ولكن مع مرور الوقت واستمرار انغماسها في ذات الإستراتيجية، تتأثر المنتجات والعمليات الأخرى للشركة.
- يقوم موظفو الشركة في البداية عادة باختبار طرق مختلفة لأداء المهام، حتى يجدوا طريقة واحدة تعمل بشكل جيد. وبمجرد توصلهم إلى تلك الطريقة يلتزمون بها ولا يحاولون العثور على أي بدائل قد تحقق نتائج أفضل.
- مع مرور الوقت، تقاوم الشركة وموظفوها التغيير، ويصبح هناك ميل إلى الاستقرار، ومع التكرار يتوقف الجميع عن التفكير في إستراتيجية الشركة وطبيعة المهام على أنهما مجرد وسيلة لتحقيق غاية معينة، هذا إذا كانوا يفكرون فيها على الإطلاق.
العناد والتكبر على السوق
- في عام 1990، وصلت مبيعات شركة أجهزة الحاسوب الأمريكية "كومباك" إلى 3.6 مليار دولار، أي بعد 8 سنوات فقط من تأسيسها في عام 1982، وذلك اعتماداً على سمعتها كإحدى الشركات التي تنتج أجهزة ذات جودة عالية.
- كان جُل تركيز "كومباك" منصباً على الجودة أكثر من السعر، وحققت هذه الإستراتيجية نتائج جيدة للشركة في سنواتها الأولى، حين كان كل ما يهم العملاء هو سهولة استخدام المنتج، وذلك في ظل ندرة بدائل أقل تكلفة.
- مع تحول الحواسيب إلى منتجات سلعية، ودخول منافسين مثل "ديل" بقوة في الصناعة، تحولت المنافسة إلى القيمة مقابل المال، وفي مواجهة ذلك، اعتمدت "كومباك" ذات الإستراتيجية متجاهلة التغيرات التي شهدها السوق، ليستقر الغبار على منتجاتها الموجودة على رفوف المتاجر.
- في السبعينيات، قامت إدارة شركة "زيروكس" بدراسة السوق، لتتوصل إلى أن "آي بي إم" و"كوداك" هما المنافسان الرئيسيان لها. ساعدت هذه الطريقة "زيروكس" على الحفاظ على حصتها السوقية في البداية.
- استمرت "زيروكس" في التركيز على "آي بي إم" و"كوداك"، وتجاهلت المنافسين الجدد الداخلين إلى السوق: "كانون" و"ريكو" و"سيفين"، والذين استهدفوا شرائح معينة من السوق بآلات نسخ ذات جودة عالية، وبدأوا في بناء حصصهم السوقية.
- كانت عملية التصنيع داخل "زيروكس" وبالتبعية أسعار منتجاتها، مكلفة جداً، وكانت جودة المنتج أقل مقارنة مع ما يطرحه المنافسون في السوق، وفي وسط كل هذا، رفضت إدارة الشركة تعديل إستراتيجيتها.
- كنتيجة لذلك، انخفض العائد على أصول الشركة إلى أقل من 8%، وتراجعت حصة الشركة في سوق آلات النسخ والتصوير من 86% في عام 1974 إلى 17% فقط في عام 1984. وبين عامي 1980 و1984، انخفضت أرباح "زيروكس" من 1.15 مليار دولار إلى 290 مليون دولار فقط.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}