تتبنى العديد من الثقافات الحكمة القائلة بأن الثروة تُصنع وتضيع خلال ثلاثة أجيال، ففي الولايات المتحدة يقال "من قميص لآخر في ثلاثة أجيال"، بينما يقول اليابانيون "من حقول الأرز إلى حقول الأرز في ثلاثة أجيال"، أما الصينيون فيرددون "الثروة لا يمكنها أن تبقى لثلاثة أجيال" وفي أسكتلندا يقول السكان المحليون "الأب يشتري، الابن يبني، الحفيد يبيع، وابنه يتسول".
وبعبارة أخرى، نادرًا ما تدوم ثروة ما إلى ما بعد الأحفاد، فالضرائب والإنفاق وتقاسم الممتلكات بين الأبناء وأبناء الأبناء، يشكل أثرا هبوطيا لا مفر منه لهذا القدر من المال، يؤدي بنهاية المطاف إلى فقدان ثروات الأسر.
ومع ذلك خالفت عائلة "روكفلر" هذه القاعدة، حيث دخلت جيلها السابع مع ما يصل إلى 170 وريثا، يتمتعون بثروة كبيرة، قدرت بنحو 11 مليار دولار في عام 2016، وفقًا لـ"فوربس"، وذلك رغم مرور أكثر من 100 عام منذ أصبح "جون دي روكفلر" أول ملياردير أمريكي بعد تأسيس شركة "ستاندرد أويل" أواخر القرن التاسع عشر.
غير أن الأمر الأكثر استبعادًا هو أن تظل الأسرة متحدة إلى حد كبير دون فضائح عامة أو نزاعات أو دعاوى قضائية والتي عادة ما تكون السمة الغالبة للأسر الثرية مع تشعبها، لكنه أمر تغلبت عليه عائلة "روكفلر" التي بها الآن أكثر من 250 فردًا ينحدرون مباشرة من "جون دي" و"لورا سبيلمان".
ومن المؤكد أن الثروة الكبيرة لعائلة "روكفلر" ساعدتهم بمرور كل هذا الوقت، لكن رغم حصول عائلات "فاندربيلت" و"كارنيجي" و"أستور" على ثروات كبيرة أيضًا لكنها لا تتبرع كثيرًا كما تفعل عائلة قطب النفط الأمريكي الراحل.
في مايو/ أيار المقبل، ستبيع دار المزادات "كريستي" مجموعة من مقتنيات الراحلين "ديفيد" و"بيجي روكفلر"، بما في ذلك أعمال فنية ومتعلقات شخصية ثمينة يتوقع أن تتجاوز 500 مليون دولار، وربما تصل إلى مليار دولار، مع تخصيص العائدات للأعمال الخيرية، علمًا بأن "ديفيد" تبرع خلال مسيرته بمليار دولار وحده.
ما السر؟
بحسب تقرير لـ"سي إن بي سي"، قال الحفيد الراحل "ديفيد روكفلر" في مقابلة نادرة، إن العائلة طورت نظامًا من القيم والتقاليد والمؤسسات التي ساعدتها على البقاء معًا والحفاظ على ثروتها، مؤكدًا أنها مفيدة لأي أسرة تحاول تربية أبنائها وفقًا لقيم مالية جيدة حتى لو لم تكن ثرية، مشيرًا إلى أربعة مكونات رئيسية لهذه المنظومة.
- أوضح "ديفيد" أن الأمر الأول هو الاجتماعات الدورية، حيث اعتادت عائلته الاجتماع مرتين في السنة وغالبًا ما يلتقي أكثر من 100 من أفرادها في نفس الغرفة لتناول غداء عيد الميلاد على سبيل المثال، مشيرًا إلى إنشاء ما يطلق عليه "منتدى العائلة".
- عندما يكون المرء في سن الحادية والعشرين ويتم دعوته إلى مثل هذه اللقاءات، يتحدث ويسمع عن توجهات العائلة ومشاريعها وأعضائها الجدد وأي أخبار خاصة بها تتعلق بالمهن والمراحل الهامة، فمن المهم استشعار الأفراد كونهم جزءا من الأسرة الأكبر، حتى لو تزوجوا من بعضهم البعض، والأهم أيضًا الحفاظ على تاريخ العائلة، وفقًا لـ"ديفيد".
- يشير "ديفيد" إلى المنازل التي اعتادت العائلة على الاجتماع بها خلال تاريخها باعتبارها المكون الثاني للمنظومة قائلًا: إنها أماكن مألوفة مرت عليها الأجيال، يمكنني العودة إلى المكان الذي عاش فيه جدي الأكبر منذ أكثر من 100 عام، لأشاهد كيف كانت حياته وحياة ابنه وأحفاده.
- ثالثًا، يعتقد "ديفيد" أنه لم يعد من المهم وجود شركة عائلية، ويرى أن العديد من النزاعات داخل العائلات الغنية تبدأ بالخلاف حول من ينبغي أن يدير وكيف يجب أن يدير ومن بحاجة للاستفادة.
- لم يكن لدى عائلة "روكفلر" شركة عائلية للاختلاف عليها منذ عام 1911 عندما تم تقسيم "ستاندرد أويل" من قبل الحكومة إلى عدة شركات مدرجة في البورصة بسبب قوانين مكافحة الاحتكار الجديدة آنذاك.
- تسببت هذه الخطوة في تحويل ثروة "روكفلر" من شركة واحدة عملاقة إلى عدة شركات مدرجة في البورصة، وبالاقتران مع سلسلة من التعهدات المكتوبة بشكل جيد، تم نقل الأسهم والممتلكات المالية بسهولة أكبر إلى الأجيال التالية دون معارك مالية.
- رابعًا، كان أقوى رابط حافظ على تماسك أبناء وأحفاد "روكفلر" هو القيم العائلية، وخاصة مفهوم العمل الخيري، فلديهم مؤسسات مختلفة مثل "روكفلر فاوندشن" و"روكفلر بروذارز فاند" و"ديفيد روكفلر فاند"، والتي يبلغ إجمالي قيمة الوقف الخيري لها 5 مليارات دولار.
- يتم تشجيع أفراد العائلة على المشاركة في هذه المؤسسات والمساعدة في اختيار القضايا التي تدعمها، ما حافظ على هوية العائلة والقيم الأساسية لـ"روكفلر" الذي تبنى شعارًا هو "لكل حق مسؤولية تنطوي عليه، لكل فرصة التزام، ولكل استحواذ واجب".
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}