ظل الدولار الأمريكي بمنأى حتى الآن عن الآثار السلبية لتداعيات الحرب التجارية التي أشعلتها الولايات المتحدة، ونالت من قيمة عملات رئيسية أخرى، لكن هذا لا يرجع لكون الصراع يصب في صالح أمريكا، وإنما فقط لأن النتائج ستكون ذات وقع قوي في البداية على شركاء واشنطن التجاريين، كما يقول المحللون.
ويمكن أن يؤدي ارتفاع نزعة الحمائية إلى إلحاق الضرر بالولايات المتحدة، لكن حتى الآن فإن مزيجًا من الصراع السياسي والحوافز المالية والمخاوف إزاء الأوضاع في سوق السندات قد يسمح للدولار بالارتفاع أكثر مقابل منافسيه الرئيسيين، بحسب تقرير لـ"ماركت ووتش".
ويشير محلل العملات لدى بنك "آي إن جي" "فيراج باتيل" إلى أن مرونة الدولار في الأسواق تعكس تمسك المستثمرين بالعملة الخضراء والثقة في الاقصاد الأمريكي، ومن الممكن أن يشكل اليورو المسار الأكثر وضوحًا للدولار في اكتساب المزيد من القيمة على المدى القريب.
اليورو يعاني
- العملة الأوروبية المشتركة التي تعد الأكثر ثقلًا بين ست عملات رئيسية تشكل مكونات المؤشر الرئيسي لقياس قيمة الدولار الأمريكي، فقدت جزءًا من بريقها خلال الستة أشهر الماضية، ويعزى ذلك إلى الإجراءات الأخيرة التي اتخذها البنك المركزي الأوروبي.
- خلال الشهر الماضي، تمسك البنك المركزي الأوروبي بلهجة متساهلة أكثر من المتوقع بشأن توقعاته للسياسات الاقتصادية، وقال إنه لن يرفع أسعار الفائدة حتى الصيف المقبل، ما يقلل من الدعم الرئيسي لليورو الذي انخفض بنسبة 0.8% مقابل الدولار منذ اجتماع البنك في الرابع عشر من يونيو/ حزيران، وسجل أكبر انخفاض يومي في عامين آنذاك.
- قال "مارفن لوه" كبير المحللين الاستراتيجيين للأسواق العالمية لدى "بنك أوف نيويورك ميلون": مع ظهور بيانات مختلطة حول العالم، فإن الاختلافات المستمرة في عملية تطبيع السياسات النقدية تظل كذلك متباينة.
- مع التوقعات الاقتصادية الأمريكية التي تعد الأقوى بين الاقتصادات المتقدمة، ظل الاحتياطي الفيدرالي أكثر إصرارًا على تشديد شروط الائتمان، وفي المقابل لا يزال المركزي الأوروبي متساهلًا حتى في الوقت الذي يحاول فيه إنهاء برنامج التيسير الكمي.
- رفع الاحتياطي الفيدرالي بالفعل أسعار الفائدة مرتين في 2018 (سبع مرات منذ نهاية 2015)، ومن المتوقع أن يرفعها مرتين إضافيتين قبل نهاية هذا العام.
"ترامب" يرعب الحلفاء
- خلال لقاء "ترامب" الأخير مع بلدان منظمة حلف شمال الأطلسي في بروكسل، هدد الرئيس الأمريكي بانسحاب بلاده من الحلف إذا لم يرفع الأعضاء مساهماتهم العسكرية، وشكل ذلك ضربة جديدة لثقة مستثمري اليورو.
- في هذه الأثناء، تأثر الجنيه الإسترليني بفعل المخاوف حيال صحة الاقتصاد البريطاني عقب الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، وحتى الآن لا يبدو أن آثار خروج البلاد من اتفاقية التجارة الأوروبية ستكون سهلة، وبدا أن تعليقات "ترامب" في هذا الشأن تقلل من جهود رئيسة الوزراء "تيريزا ماي" الرامية إلى تحقيق "بريكست" سلس لا يوجع بلادها كثيرًا من الناحية الاقتصادية.
- يبدو أن جولة "ترامب" في أوروبا التي ركزت على تهميش حلفاء الولايات المتحدة، دفعت المستثمرين نحو الدولار، حيث تخشى الأسواق سياسات الرئيس الأمريكي الانعزالية واحتمال إضرارها بالتجارة العالمية مع أوروبا وآسيا التي تعتمد على التصدير كثيرًا.
- ساعدت المخاوف الجيوسياسية الأخيرة، إضافة إلى التوترات المتعلقة بالتجارة العالمية، في تشتيت انتباه مستثمري العملات عن العوامل التي قد تؤثر على الدولار، فحتى الآن أدت النزاعات التجارية إلى حدوث تذبذب الأسواق العالمية ودفعت المستثمرين إلى إدراك الأمان في الورقة الخضراء، لأنهم ينظرون إليها على أنها العملة التي قد تؤدي بشكل أفضل نسبيًا خلال مواجهة النزاعات التجارية مع الحلفاء الآسيويين والأوروبيين وفي أمريكا الشمالية.
الدولار في مرمى الخطر
- مع ذلك، فإن الحديث حول الدولار كخيار أقل عرضة للخطر في ظل تصاعد التوترات التجارية قد يتغير سريعًا، وفقًا لتحذيرات الاقتصاديين وخبراء استراتيجيات العملة، والذين يقولون إن الكثير من العلامات التحذيرية تشير إلى أن تمسك المستثمرين لهذه العملة قد تنتهي بشكل مفاجئ.
- الخطر الكبير الذي يخشاه المحللون الآن هو احتمال أن تكون التوقعات قصيرة الأجل للناتج المحلي الإجمالي الأمريكي مفرطة، ومن ثم تعديلها بالخفض مع إدراك المستثمرين حقيقة أن اقتصاد الولايات المتحدة ليس بمنأى عن الحرب التجارية العالمية.
- تقول "سيمونا موكوتا" كبيرة الاقتصاديين في "ستيت ستريت جلوبال أدفيزورز" للاستشارات إن المشاكل التجارية على المدى الطويل قد تقوض مكاسب التخفيضات الضريبية للشركات التي أقرها "ترامب" أواخر عام 2017.
- ترى "سيمونا" وغيرها أن خطر الاضطرابات التجارية سيؤثر في نهاية المطاف على معنويات المستهلكين الأمريكيين وتوقعات الناتج المحلي الإجمالي للبلاد وهو ما سيتسبب في تعثر الدولار بطبيعة الحال.
- هناك خطر آخر أيضًا من تراجع الاحتياطي الفيدرالي عن خططه لرفع أسعار الفائدة في ضوء النزاعات التجارية، وعلاوة على ذلك لا تزال المخاوف بشأن منحنى العائد على سندات الخزانة الأمريكية قائمة في أذهان المستثمرين، فلو انعكس مسار المنحنى، بمعنى أن السندات الأطول أجلًا بدأت تحقيق عائدات أقل من نظيرتها الأقصر أجلًا، سيعد ذلك مؤشرًا مبكرًا للركود.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}