تشكلت المفاهيم الأولى للجسور في زمن سحيق عندما استخدمت الأشجار للعبور فوق المجاري المائية، ومنذ ذلك الحين تطورت تقنيات البناء شيئًا فشيئا، فبنيت الكباري من الخشب ثم الصخور ثم الحديد المطاوع ثم الصلب، وهو ما جاء مدعومًا بظهور الخراسانة المسلحة في القرن العشرين، بحسب تقرير لـ"الإيكونوميست".
لكن الانهيار المفاجئ لجسر موراندي في جنوى الإيطالية، والذي وقع مع خسارة فادحة في الأرواح أضاف إلى قلق المهندسين المدنيين من أن العديد من الكباري حول العالم التي تستخدم الخراسانة المسلحة يتدهور تماسكها أسرع مما كان متوقعًا.
نموذج لكوبري مشدود بالكابلات
وصمم جسر جنوى في الأساس اعتمادًا على مفهوم الجسور المشدودة بالكابلات، وهو نمط غير عادي، يستخدم برجًا واحدًا أو أكثر تنطلق منها الكابلات الدعمة للبناء، وفي ذلك اختلاف عن الجسر المعلق مثل جسر البوابة الذهبية في الشهير في سان فرانسيسكو، حيث يتم تعليق الكابلات التي تدعم سطح الكوبري بشكل عمودي من كابل رئيسي مثبت في أحد طرفي الجسر.
وينتشر استخدام الجسور المشدودة بالكابلات على نطاق واسع، خاصة لتغطية المسافات الأقصر من تلك التي يفضل فيها اللجوء إلى الجسور المعلقة، أما المفهوم الأول فيتميز بأن الكابلات تشكل نمطًا يشبه المروحة ينبعث من البرج الداعم، فإذا ما تعرض كابل للتلف أو الكسر، فإن البقية تكون قادرة على تثبيت الهيكل واستيعاب حمولة الجسر.
نموذج لكوبري معلق
لكن جسر موراندي كان مدعومًا بأوتار خراسانية مسبقة الإجهاد، هذه الأوتار صنعت من حزم أسلاك من الصلب المشدودة لإنتاج ضغط قوي ومن ثم غُلفت بالخرسانة، وهو مفهوم لم يبنى منه الكثير حول العالم لكن "ريكاردو موراندي" مصمم الجسر كان أحد أنصاره.
ورغم أن تصميم الجسر غير عادي، إلا أنه من السابق لأوانه القول ما إذا كان قد لعب دورا أساسيا أم لا في الانهيار، وبشكل عام، فإن جسر "موراندي" بعيد كل البعد عن كونه شاذًا، وعلى جانب آخر تتدهور الجسور التي بنيت منذ فترة طويل حول العالم، لا سيما تلك التي تستخدم الخراسانة المسلحة.
مشكلة عالمية عامة
- حتى في الماضي في عام 1999، وجدت دراسة أن حوالي 30% من الجسور في أوروبا تعاني نوعًا ما من العيوب، لا سيما تآكل حديد التسليح أو الأوتار السابق تعريضها للإجهاد.
- اعتبرت جمعية بناة الطرق والمواصلات الأمريكية في تقريرها الصادر في يناير/ كانون الثاني، أن أكثر من 54 ألف جسر من إجمالي 612 ألف جسر في البلاد تعاني مشكلة من الناحية الهيكلية.
- يبلغ متوسط عمر هذه الجسور المعيبة نحو 67 عامًا، وتمر السيارات عليها بمعدل 174 مليون مرة يوميًا، وبحسب المعدل الحالي للإصلاح والاستبدال، سيستغرق الأمر 37 عامًا لمعالجة جميع المشكلات، وفقًا لكبيرة الاقتصاديين في الجمعية "أليسون بريمو بلاك".
- تكمن الصعوبة في أن الخراسانة، أو بالأحرى الصلب المستخدم في تعزيزها، يمكن أن يتداعى بعدة طرق، فمن الممكن للملح والثلج وظروف الطقس الحادة إحداث كسور صغيرة في سطح الخراسانة.
- عندما تبدأ هذه الشقوق بالتمدد إلى الداخل، تسمح للمياه بالتسرب، وإذا وصل الماء إلى حديد التسليح أو الأوتار، فإنها تصدأ، وبطبيعة الحال تتوسع الشقوق مما يؤدي إلى انهيار الخراسانة.
- هناك أيضًا عوامل أخرى تزيد من تعقيد تدهور الجسور، مثل الاهتزازات الدورية المستمرة نتيجة حركة المرور، بجانب عوامل الطقس من ارتفاع وانخفاض لحرارة الجو، ما يؤدي إلى تمدد وتقلص بنية الجسر، علاوة على الفيضانات والرياح العاتية التي تساهم في تآكل الأساسات.
الإصلاح أم الاستبدال؟
- المراقبة والصيانة ليست الخيارات الوحيدة، فعندما بدأت إقامة أنماط الجسور الحديثة خلال خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن الماضي، كان من المتوقع أن يبقى العديد منها لأكثر من 100 عام،.
- لكن انحلال الخراسانة المسلحة يؤدي ببعض المهندسين المدنيين إلى الاعتقاد بأن هذه البنيات سيتراوح عمرها بين 50 إلى 60 عامًا فقط، وهذا يعني أن الآلاف منها اقترب من أيامه الأخيرة، ورغم أن عملية التجديد ممكنة لكنها بطيئة ومكلفة للغاية، حتى أنها قد تتجاوز تكلفة بناء جسر جديد.
- يمكن للهياكل الجديدة الاستفادة من التقدم الهندسي، فقد أحرز العلماء تقدمًا هائلًا في علم المواد، لدرجة أنه أصبح من الممكن الآن التعامل مع البنية الداخلية للمواد لجعل الخراسانة أكثر صلابة وأفضل مقاومة للصدأ.
- يجري الآن تصنيع خراسانة فائقة الأداء في بعض البلدان لضمان تماسك المباني ضد الزلازل والقنابل، وبصرف النظر عن الرمال والإسمنت، تضاف مكونات أخرى إلى هذه التركيبة الفريدة، مثل الكوارتز ومواد التعزيز المختلفة، وأظهرت بعض الاختبارات أن إضافة الألياف النباتية أفرز خراسانة أقوى بشكل ملحوظ.
- كما أن هناك جهود للتوصل إلى خراسانة "ذاتية الشفاء"، يمكن استخدامها بطرق مختلفة، لكن الفكرة الأساسية لها هي أنه في حال ظهرت التشققات على السطح، فإنها ستؤدي إلى تفاعل كيميائي يمحوها مجددًا.
- أما عن الاستبدال فهو باهظ الكلفة أيضًا، وعلى سبيل المثال، من المتوقع افتتاح جسر "ماريو كيوم"، كبديل لجسر "تابان زي" المار فوق نهر هدسون في نيويورك، بشكل كامل في وقت لاحق من هذا العام.
- بني الجسر القديم من الصلب والخراسانة في الخمسينيات، وتكلف 60 مليون دولار، وهو ما يعادل 564 مليون دولار في الوقت الحالي، أما الجسر الجديد فمن المتوقع بلوغ تكلفته النهائية أربعة مليارات دولار.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}