مع الهبوط الدرامي لقيمة الليرة التركية مقابل الدولار هذا العام، التفت المستثمرون إلى كومة الديون، التي تثقل اقتصاد البلاد لا سيما شركات وبنوك القطاع الخاص، وانصب تركيزهم على الدين الخارجي، فتراجع العملة المحلية -أو بمعنى آخر ارتفاع قيمة العملة الصعبة- يعني تزايد تكلفة الديون الواجب سدادها للمقرضين الأجانب.
مخاوف المستثمرين وتحذيرات المحللين كانت في محلها، وبدأت ملامح الأزمة تطفو على سطح الاقتصاد التركي، وفي أوائل سبتمبر/ أيلول الماضي، تقدمت ثلاث علامات تجارية شهيرة بطلب لحمايتها من الإفلاس بسبب ما سمته "عقبات سداد المدفوعات قصيرة المدى" المرتبطة بالوضع الاقتصادي المضطرب للبلاد، في خطوة وصفتها وكالة الأنباء الصينية "شينخوا" بنذير تساقط أحجار الدومينو في السوق التركي.
كومة من الديون
ومن بين هذه العلامات التجارية كانت "هوتيك" ذات الثمانين عامًا، والمتخصصة في بيع الأحذية والإكسسوارات، وعزت الشركة طلبها إلى التعثر في سداد الالتزامات قصيرة المدى، نظرًا لتراجع التدفقات النقدية في السوق والرفع غير المتوقع للفائدة.
أما العلامة التجارية للمجوهرات "جيلان"، فألقت باللوم على تراجع أعداد السائحين الوافدين على البلاد وتقلب أسعار الصرف ورفع الفائدة، فيما كانت "مندو" للملابس ثالث العلامات الشهيرة التي تعلن عجزها عن سداد الالتزامات، في خطوة عمقت مخاوف المستثمرين إزاء الأوضاع في تركيا.
خلال الصيف الماضي، أظهر تحليل أجراه مصرف "إتش إس بي سي" أن على البنوك والشركات التركية سداد ما يقرب من 70 مليار دولار من الديون الأجنبية خلال الفترة من أغسطس/ آب الماضي وإلى مايو/ أيار 2019، وكان ذلك قبل تسارع هبوط العملة المحلية، والذي من المرجح أنه تسبب في رفع تكلفة سداد هذه الالتزامات.
وبشكل عام، يتجاوز الدين الخارجي للبلاد 460 مليار دولار، وهو ما يعادل 60% من الناتج المحلي الإجمالي، بحسب مصرف "بنك أوف أمريكا ميريل لينش"، فيما تسجل الشركات التركية 210 مليارات دولار صافي عجز في التزامات العملات الأجنبية.
أكبر الخاسرين: قطاع البناء
بالعودة للحديث عن إفلاس الشركات، أفاد موقع "فلييت يوروب" في الحادي والعشرين من سبتمبر/ أيلول بأن "فلييت كورب" وهي شركة لتأجير المركبات في تركيا تتبع "أثلون نتورك" الأوروبية، تقدمت بطلب لإشهار إفلاسها، مشيرًا في الوقت ذاته إلى تعرض قطاع تأجير السيارات بشكل عام لضغوط.
وفي الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول، أفاد موقع "أحوال" الإخباري، بتقدم شركتي تشييد تركيتين بطلب لإعلان إفلاسهما، وأرجع تعثر الشركتين إلى ضعف العملة وارتفاع التضخم وزيادة سعر الفائدة.
والشركتان هما "نوهولو كونستركشن" المعروفة بمشاريعها الضخمة في المدن الثلاث الرئيسية، إسطنبول وأنقرة وأزمير، والتي تعمل في البلاد منذ ثلاثين عامًا، والشركة الأخرى هي "سيلان" ذات الصيت الذائع في مجال التشييد التركي منذ ثمانينيات القرن الماضي.
وبعد 24 ساعة من إعلان الشركتين "نوهولو" و"سيلان"، اقتفت "بالت كونستركشن" التي يبلغ عمرها في السوق التركي 52 عامًا أثرهما بإعلان إفلاسها، ولحقت بها شركة "نافيا" التي تعمل في نفس المجال منذ سنوات.
وشهد قطاع التشييد التركي ضغوطًا قوية خلال عام 2018، أجبرت 70% من الشركات الخاصة على إلغاء مشروعاتها بسبب انخفاض قيمة الليرة، وفقًا لما ذكره رئيس اتحاد المقاولين في سبتمبر/ أيلول الماضي، وهو ما دفع شركة بناء كبرى أخرى هي "أوزينسان تاهوت" للإفلاس في يوليو/ تموز.
الخطر يطال الجميع
وفي ظل الضغوط المتزايدة التي تتعرض لها الشركات، خفضت وكالة "فيتش" تصنيف 20 بنكًا تركيًا، مشيرة إلى أن المخاطر المترتبة على أزمة العملة الأخيرة تهدد استقرار القطاع المصرفي في البلاد.
وعلى صعيد آخر، قالت صحيفة "سوزجو"، إن نحو 300 جريدة ودار طباعة تركية أغلقت أبوابها بسبب ارتفاع تكاليف الورق نتيجة انخفاض قيمة العملة المحلية مقابل الدولار بنحو 40% منذ بداية العام الجاري.
وبشكل عام، تجاوز عدد الشركات التركية التي تقدمت بطلب لحمايتها من الإفلاس بفعل اضطراب سوق الصرف وضغوط التضخم والفائدة المرتفعة، 3 آلاف شركة، وفقًا للصحيفة.
من جانبه قال الاقتصادي "يالشين كارابتيه" لوكالة الأنباء الصينية "شينخوا": بالتأكيد سيكون هناك عواقب للاضطرابات الاقتصادية الحالية في البلاد، ونتوقع أن نواجه أزمة خطيرة، ليس فقط في قطاع الشركات الصغيرة، ولكنها ستطال العلامات التجارية الكبيرة المثقلة بالديون والتي باتت معرضة بشكل كبير لخسائر فادحة.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}