على الرغم من الصعوبات الاقتصادية التي تمر بها بعض القوى الأوروبية اقتصاديًا، مثل إيطاليا التي تعاني أزمة الديون، وألمانيا التي تواجه تهديدًا حقيقيًا بتراجع نموها الاقتصادي، وبريطانيا التي تحاول تدارك آثار اتفاق "بريكسيت"، إلا أن سوق العقارات في القارة العجوز يبقى منتعشًا بشكل عام.
الصفقات الكبيرة تزدهر
وكشف بنك "بي.إن.بي باريبا" وصول حجم التجارة في العقارات التجارية خلال الربع الثالث من عام 2018 إلى 265.2 مليار يورو، بزيادة 2% عن العام الماضي، وشكلت الزيادة في حجم مبيعات المكاتب 3% لتبلغ 54% من حجم مبيعات العقارات التجارية بشكل عام.
واللافت هنا أن الزيادة في حجم السوق ترجع بالأساس إلى ما يعرف بـ"الصفقات العملاقة" (تلك التي تتعدى قيمتها 100 مليون يورو( والتي شكلت قرابة 44% من السوق الأوروبي في الربع الثالث من هذا العام، مع نمو الصفقات الأصغر بنسب أقل.
ووفقا لـ"برايس ووترهاوس كوبرز" فإن هذا الأمر يعكس ثقة كبيرة من كبار المستثمرين والمطورين العقاريين في مستقبل السوق الأوروبي، وتزداد أهمية هذه الثقة في كون الرواج يشمل غالبية أنحاء القارة العجوز بلا استثناء.
فدول أوروبا الشرقية وصلت إلى الحد الذي حذرت معه شبكة "بلومبرج" من أن العامل الوحيد الذي يحد من نمو صناعة البناء فيها هو عدم توافر العمالة البشرية الملائمة لمواكبة رأس المال المستعد للاستثمار في القطاع العقاري.
وتشير الشبكة إلى ارتفاع أجور العاملين في قطاع البناء بنسب تتراوح بين 20-35% في دول مثل رومانيا وبولندا بسبب الطفرة العقارية الكبيرة التي تشهدها السوق العقارية في تلك البلدان، بما يخلق ضغوطًا على صناعة البناء غير أنه يؤشر إلى نمو لافت فيها.
نمو متفاوت
ويرجح موقع "فورتشن" استمرار الانتعاش الاقتصادي في دول القارة العجوز، لا سيما إذا استمرت معاناتها الاقتصادية "النسبية"، حيث تكون العقارات في هذه الحالة ملجأ آمنا للاستثمارات بشكل واضح، بما يؤشر لإمكانية انتعاش السوق.
ويرجح الموقع استمرار نمو السوق بنسب متفاوتة، غير أنها ستتراوح بين 2-6% في مختلف دول أوروبا، خاصة مع اتجاه العديد من المستثمرين لتوجيه أموالهم لشرق أوروبا حيث الفرص الاستثمارية أكثر جذبًا في الدول التي تحتاج بصورة أكبر للتنمية.
ويتوقع موقع "إنفست فيرست" استمرار "عقارات الرفاهية" (أي تلك التي في وسط المدن أو القصور على سبيل المثال) في الانتعاش، بسبب محدودية المعروض منها وعدم بناء الكثير من القصور في الآونة الأخيرة، ومحدودية مساحة التوسع في المدن الرئيسية.
وعلى ذلك شهدت العقارات الكبيرة في العواصم الأوروبية الكبيرة، مثل لندن ومدريد وباريس وحتى بعض المدن الرئيسية في دول أوروبا زيادة في أسعارها تراوحت بين 4-9% خلال العامين الأخيرين وفقًا لتقديرات "يورو بزنيس".
"بريكسيت" يهدد بريطانيا
وتأتي بريطانيا كأحد أهم الأسواق الأوروبية التي تشهد العديد من التغييرات في الآونة الأخيرة، بفعل تأثير اتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكسيت" على الاقتصاد هناك بشكل عام وعلى القطاع العقاري بشكل خاص.
وتشير "رويترز" إلى أنه على الرغم من نمو أسعار العقارات بنسبة 3% خلال الأشهر الأخيرة، إلا أن هذه هي النسب الأقل منذ عام 2013، لافتة إلى اتخاذ أسعار العقارات اتجاهًا تنازليًا (بمعنى تراجع نسب زيادة أسعارها في المرحلة الحالية)، على الرغم من بقاء العاصمة لندن بين الجهات الأكثر جذبًا للاستثمارات العقارية في العالم.
وعندما يكون معدل التضخم في بريطانيا ككل حوالي 2.4% فإن نمو العقارات بهذه النسبة لا يشكل نسبة مرضية على الإطلاق، خصوصا في ظل التوقعات بتراجع المبيعات من العقارات للأوروبيين، لا سيما تلك الألمانية والفرنسية بعد إتمام اتفاق "بريكسيت".
وتتوقع "جارديان" وصول الضغوط على أسعار العقارات إلى العاصمة لندن قريبًا مع تراجع المبيعات، مشيرة إلى أن بعض التقييمات تشير إلى بدء التراجع في أسعار العقارات في بعض أماكن إنجلترا بنسبة 1-2%، معربة عن مخاوفها من تباطؤ في سوق العقار الإنجليزي.
وتشير الصحيفة إلى أن شمال آيرلندا تبقى الاستثناء الواضح في سوق العقار مع نمو الأسعار بنسب ثابتة تتراوح حول 3.5% خلال الأشهر الأخيرة، وذلك على الرغم من تراجع الأسعار بشكل عام في آيرلندا ككل، ليبقى السوق العقاري الإنجليزي استثناءً في القارة العجوز.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}