بخلاف الأغلبية العظمى من قصص النجاح التي تناولناها مؤخرًا وكانت تتمحور حول تحويل الحاجة واستغلال الفرصة بأقل الإمكانيات في بناء نشاط تجاري راسخ ومصدر موثوق للثروة على أيدي مجموعة من المغامرين الذين كافحوا للبقاء في بداية مشوارهم، فإن كل الروايات ليست بالضرورة تمضي في السياق ذاته.
وتتطرق قصتنا اليوم إلى واحدة من أعرق وأكبر شركات الإلكترونيات وأشباه الموصلات في العالم، لكن ما يجعلها مميزة عن نظيرتها من القصص، هو أنها بلا بطل مكافح ومثابر يطارد الثروة والنجاح الشخصي، وإنما نتاج جهود حكومية تمكنت من وضع الشركة على درب العالمية، والأكثر أنها ثمرة تعاون بين حكومتي بلدين مختلفين.
ثمرة تعاون حكومي
- الحكومتان الفرنسية والإيطالية هما بطلا قصة اليوم، التي تعود إلى العام 1987 عندما قرر الجانبان دمج شركتيهما لأشباه الموصلات، "طومسون سيمي-كوندكتورز" و"إس جي إس ميكروإلكترونيكا"، ليترتب على عملية الدمج تلك ميلاد "إس تي ميكرو إلكترونيكس" والتي تُعرف اختصارًا بـ"إس تي".
- بعد الاندماج مباشرة أطلق على الشركة اسم "إس جي إس- طومسون"، لكن تم تعديل الاسم في 1998 إلى ما هو عليه الآن، وسرعان ما أصبحت "إس تي" واحدة من أكبر 20 شركة في العالم لإنتاج أشباه الموصلات، وقدرت مبيعاتها بمئات ملايين الدولارات.
- طرحت الحكومتان أسهم الشركة في بورصتي باريس ونيويورك عام 1994، وبعد أربع سنوات، طُرحت في بورصة ميلانو، ووسعت نطاق عملياتها عبر استراتيجية خاصة للاستحواذ منذ عملية الدمج، واشترت شركات مثل "إنموس" البريطانية التي اشتهرت بمعالجاتها الإلكترونية فائقة الصغر، واستحوذت على أعمال أشباه الموصلات لـ"نورتل" الكندية.
التوسع لا يتوقف
- الاستحواذ على بعض الأصول، منح الشركة مساحة كافية بالفعل للتوسع في سوق التكنولوجيا سريع النمو، ما يفسر سبب ريادة الشركة لتصنيع عدد من المنتجات والتقنيات، فبجانب الأصول المادية استفادت "إس تي" من الابتكارات وبراءات الاختراع والخبرات لدى غيرها.
- بحسب موقع "رفرينس فور بزنس"، شهدت الشركة مكاسب قوية في أواخر التسعينيات بفضل استثماراتها الكبيرة، فرغم ضعف الطلب في سوق أشباه الموصلات آنذاك، تمسكت "إس تي" بخطتها الاستثمارية (مليار دولار سنويًا، ارتفعت إلى مليارين بعد عام 2000) وأضافت مرافق صناعية جديدة في إيطاليا وفرنسا وسنغافورة.
- إحدى المحطات الفارقة في تاريخ "إس تي"، كانت عندما أنتجت شريحة إلكترونية جديدة لشركة "نوكيا" عام 1989، وهو ما أعاد تعريف الشركة للعالم كلاعب رئيسي في صناعة الاتصالات.
- تميزت الرقاقة الجديدة بجمعها لمهام تزويد وإدارة الطاقة، ما سمح آنذاك لجوالات "نوكيا" بتسجيل دورة عمر بطارية تزيد على 60 ساعة، وبفضل هذه الشريحة أصبحت الشركة الفنلندية تشكل مصدرًا لـ11% من مبيعات "إس تي".
- دخلت "إس تي" في شراكة تقنية مع "موتورولا" و"تي إس إم سي" و"فيليبس"، ودشنت تحالف "كرولز 2 آلينس"، وبحلول عام 2005 احتلت الشركة الفرنسية الإيطالية المرتبة الخامسة على قائمة أكبر شركات العالم لأشباه الوصلات، وكانت قد أصبحت بالفعل أكبر شركة في أوروبا.
- في الخامس والعشرين من يناير/ كانون الثاني عام 2008، استحوذت على الأمريكية "جنسيس ميكروشيب"، وقالت إنها ستستفيد منها في تعزيز ريادتها في سوق التلفزيونات الرقمية، الذي يبدو أنه السوق الأكبر والأسرع نموًا لأعمال أشباه الموصلات، بحسب موقع "ساكسِس ستوري".
كلمة السر: البحث والتطوير
- تنتج "إس تي" حاليًا مجموعة واسعة من منتجات أشباه الموصلات، وهي رائد عالمي في إنتاج الدوائر الإلكترونية المتكاملة ورقاقات فك الترميز المستخدمة في أجهزة "دي في دي" ووحدات الاستقبال بالتلفزيونات الرقمية، كما تعد ثاني أكبر منتج للذاكرة المستديمة ورابع أكبر صانع للذاكرة الوميضية.
- يجري تداول أسهم الشركة الفرنسية الإيطالية في ثلاث بورصات كما أشرنا سابقًا، وتبلغ قيمتها السوقية 15 مليار دولار، وتظل حكومتا البلدان من كبار المساهمين فيها، ومع ذلك فإن المقر الرئيسي لـ"إس تي" يقع في جنيف، سويسرا، بجانب مقرات إقليمية في آسيا وأمريكا.
- في عام 2018، سجلت الشركة إيرادات قدرها 9.7 مليار دولار، وبلغ إجمالي قواها العاملة 46 ألف موظف حول العالم، بالإضافة إلى 11 مجمع تصنيع رئيسيا، و80 مكتبا للمبيعات والتسويق في 35 دولة، ونحو 100 ألف عميل، وفقًا للموقع الرسمي لـ"إس تي".
- تعد "إس إتي" من أبرز موردي المكونات لشركة "آبل"، ولعل تعاونها مع أحد أكبر صانعي الجوالات في العالم ليس بجديد، فمن بين عملائها الأوائل كانت شركات "نوكيا" و"بلاك بيري" و"سيسكو"، حسبما أفاد موقع "إنفستوبيديا" في تقرير له.
- للحفاظ على ريادتها، تولي "إس تي" الابتكار اهتمامًا كبيرًا، مع ما يقرب من 7400 شخص يعملون في مجال البحث والتطوير وتصميم المنتجات لديها، وأنفقت الشركة 15% من إيراداتها على البحث والتطوير فقط في 2018، وهو ما يبرر امتلاكها لآلاف براءات الاختراع المسجلة باسمها.
- تستخدم منتجات "إس تي" في تطبيقات متنوعة، بما في ذلك السيارات وملحقات الحواسيب، وأنظمة الاتصالات السلكية واللاسلكية، والإلكترونيات الاستهلاكية، كما تساعد في دفع جهود الأتمتة الصناعية وأنظمة التحكم، بحسب "فوربس" التي صنفتها ضمن أفضل مائة شركة رقمية في عام 2018.
- خلال تعاملات الرابع والعشرين من يناير 2019، قفز سهم الشركة في باريس بأكثر من 10% بعدما أعلنت ارتفاع صافي ربحها خلال الربع السابق بنسبة 35% على أساس سنوي بنسبة 418 مليون دولار، مستفيدة من النمو القوي في أعمال السيارات.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}