على الرغم من تحسن المؤشرات الاقتصادية الفترة الأخيرة، فإن سوق العمل الأمريكية تستمر في الاتجاه الهبوطي بتسجيل أكثر من 9 ملايين عاطل عن العمل وهو اتجاه يتضارب مع الاتجاه العام للأسواق التي تشهد حالة طلب مرتفع وزخم كبير سواء الاقتصاد الحقيقي أو أسواق الأسهم والأوراق المالية.
عملية ملاءمة العاطلين مع الوظائف الشاغرة أصابها الكثير من التعقيدات ومرت على كثير من المراحل التي أحدثت خللاً هيكلياً في سوق العمل من الصعب إصلاحه في الأجل القريب، هذا الخلل يتمثل في انعدام الرغبة لدى العاطلين في التقدم لشغل هذه الوظائف الشاغرة.
الفيدرالي في تقريره الأخير من"بيج بوك" أشار إلى أن الشركات أبدت شكواها من صعوبة اللحاق بالطلب المتزايد، مع عدم القدرة على توفير الإمدادات المطلوبة في الموعد المحدد أو تعيين عمالة كافية لشغل الوظائف المتاحة، وبالتالي أصبحت الاضطرابات في جانب العرض أكثر انتشاراً".
يوجد مؤشر أساسي لقياس هذا الأمر، عن طريق قسمة عدد العاطلين على عدد الوظائف الشاغرة وناتج المعادلة يوضح إلى أي مدى يعاني أو يزدهر سوق العمل، وفي حالة السوق الأمريكي حتى أحدث إحصائياته التي أصدرها مكتب العمل مايو الماضي، تقول إن هذا المؤشر كان يقف عند نحو 5 درجات في أبريل 2020 أي بداية الجائحة والآن يقف عند درجة واحدة خلال مايو 2021.
الانخفاض في المؤشر من 5 درجات إلى درجة واحدة يعني تحسناً كبيراً في أحد طرفي المعادلة، إما انخفاض العاطلين أو ارتفاع الوظائف الشاغرة، في حالة السوق الأمريكي كان الوزن النسبي الأكبر لهذا التحسن هو ارتفاع أعداد الوظائف الشاغرة مما ساهم في هبوط وتحسن المؤشر حتى وصل إلى درجة واحدة وهو مستوى لم يحدث عند التعافي من أزمة 2008 حتى.
إذن توجد وظائف كثيرة شاغرة ولا يوجد متقدمون لشغل هذه الوظائف في سوق تعُج بأكثر من 9 ملايين عاطل، وبالتالي هنا السؤال لماذا لا يذهب العاطلون للتقدم إلى هذه الوظائف؟
الوظائف الشاغرة مقابل العاطلين – مكتب العمل الأمريكي |
|||||
الشهر |
مايو |
أبريل |
مارس |
فبراير |
يناير |
عدد الوظائف (بالمليون) |
9.20 |
9.19 |
8.28 |
7.52 |
7.09 |
عدد العاطلين (بالمليون) |
9.31 |
9.81 |
9.71 |
9.97 |
10.1 |
توجد عدة أسباب تفسر هذه الظاهرة الغريبة، مثل احتياج الأمهات العاملات إلى رعاية أطفالهن أو الخوف من وجود الفيروس والتقاط العدوى، لكن أهم هذه الأسباب والدوافع على الإطلاق هو الشيكات الحكومية الكريمة والسخية.
الشيكات التي وجهت في بداية الجائحة لدعم الأفراد المتأثرين بالركود والإغلاقات، وصلت إلى إجمالي شهري بنحو 2000 دولار لكل فرد على مرحلتين، الأولى بـ 600 دولار والثانية بـ 1400 دولار.
وفي ظل مستوى أجر / الساعة يتراوح للولايات المختلفة بين 7.25 و15 دولار أي ما يساوي شهرياً راتبا بين 1160 و2400 دولار، أي أن معظم العاملين في المهن منخفضة الدخل يجدون أنفسهم غير مضطرين للاستغناء عن الشيكات الحكومية وإعانات البطالة التي تمنحهم دخلا شهريا أعلى من الوظيفة ودون أدنى مجهود.
هذه الظروف المعقدة والتي تُنفر وتُبعد العاطلين عن الوظائف، دفعت العديد من أصحاب الأعمال والشركات والأنشطة التجارية إلى تقديم مُغريات وامتيازات إضافية للتقدم إلى الوظائف ولم تكتف فقط بالأجر والامتيازات الوظيفية الكلاسيكية بل قدمت مكاسب جديدة.
يقول "إيريك موراث" مراسل سوق العمل في "وول ستريت جورنال": "ما نراه في سوق العمل الأمريكي مؤخرا هو عودة لهيمنة أصحاب الوظائف منخفضة الأجر على أصحاب الأعمال، وفي الحقيقة هذا مشهد لم نره في هذا البلد منذ قرابة خمسين عاما".
شركات مثل "ماكدونالدز" عرضت 500 دولار للتسجيل في طلبات التقدم للوظائف، منتجعات ومطاعم "أومني" عرضت ليالي مجانية للمبيت في غرفها الفندقية على من يتقدم للتوظيف لديها، منتج "هاراز" عرض 500 إلى 3000 دولار للتقديم لشغل الأماكن الشاغرة لديه.
التوزيع النسبي للوظائف الشاغرة بين القطاع العام والقطاع الخاص - مايو 2021
"ليزا لينش" المسؤولة السابقة في مكتب العمل الأمريكي تذهب في نفس الاتجاه مع "إيريك" وتقول: أصحاب الأعمال يحاولون الاستفادة بأقصى حد ممكن من إعادة فتح الاقتصاد، ومحاولة تحقيق ما كان مستحيلاً قبل 14-15 شهراً عبر تكثيف نشاط أعمالهم، لكن هذا أمر مستحيل لو لم يكن لديك عمالة في محل عملك".
بفضل إعادة فتح الاقتصاد يوجد طلب مكبوت أو ما يمكن وصفه بطلب انفجاري، حجم هائل من الإقبال على الاستهلاك والشراء والاستثمار نتيجة الخروج من المنازل وانتهاء فترات العزل وحظر التنقل مع ارتفاع معدلات التطعيم في الولايات.
تقول "جوي روتشيلد" مديرة الموارد البشرية في مطاعم ومنتجعات "أومني": "في فبراير الماضي فتحنا الباب لـ 200 وظيفة جديدة فقط، لكن ومنذ فبراير حتى الآن قمنا بتعيين 5000 موظف جديد، إذن نحن لدينا طلب قوي".
أكثر القطاعات التي عرضت وظائف جديدة شاغرة في مايو 2021 |
|
القطاع |
عدد الوظائف الشاغرة (بالمليون) |
التعليم والخدمات الصحية |
1.64 |
التجارة، المواصلات والمرافق |
1.63 |
الأعمال الاحترافية وخدمات الأعمال |
1.49 |
الترفيه والضيافة |
1.41 |
بناءً عليه، يبدو أن العاطلين عن العمل يساومون بشكل غير مباشر أصحاب الأعمال الذين بدورهم في أمسّ الحاجة إلى ملء هذه الوظائف الشاغرة حتى يعوضوا جزءاً من خسائرهم التي تحققت في بداية الجائحة، لكن العاطلين يريدون أجراً أكبر ورفع أسعارهم في السوق وهو ما يبدو أنه يحدث الآن نظرا للطلب المكبوت الهائل خاصة في قطاعات تجارة الجملة والتجزئة والترفيه والمطاعم والمنتجعات والسفر والنقل.
ومع استمرار مسار الدعم والتحفيز الذي أعلنه والتزم به الفيدرالي والإدارة الأمريكية مؤخراً وآخرها شهادة "جيروم باول" أمام الكونجرس، ما يعني استمرار الشيكات السخية من الحكومة للأفراد، لذا يبدو أن هذا الخلل الهيكلي بسوق العمل سوف يستمر حتى الربع الرابع من العام الجاري أو التخفيف التدريجي للدعم الحكومي، أيهما أقرب.
مصادر : مكتب العمل الفيدرالي – وول ستريت جورنال – الاحتياطي الفيدرالي
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}