نبض أرقام
06:31 ص
توقيت مكة المكرمة

2024/11/25
2024/11/24

سعر صرف الدرهم والتضخم في الإمارات

2007/08/15 الخليج- د. علي توفيق الصادق
كثر الحديث في الأونة الأخيرة حول التضخم في الإمارات وعلاقته بسعر صرف الدرهم وارتباط الدرهم بالدولار الأمريكي. واستوضحني نفر غير قليل من غير المتخصصين بعلوم الاقتصاد عن علاقة سعر الصرف بارتفاع الأسعار وهل فك ارتباط درهم الإمارات بالدولار الأمريكي يخفف او يقلل من معدلات التضخم؟ تحتاج مناقشة هذه التساؤلات تعريف التضخم وتحديد مؤشر قياسه، وتعريف سعر الصرف وعلاقته بمقياس التضخم. لذا سوف أختار تعريفا للتضخم وأستعرض تطور التضخم في الإمارات خلال الفترة 2000-2006؛ وأعرف سعر الصرف، وأستعرض تطور سعر صرف درهم الإمارات مقابل الدولار الأمريكي وسعر صرف درهم الإمارات مقابل اليورو؛ وبعد ذلك سوف أحاول إيضاح علاقة سعر صرف درهم الإمارات بالتضخم في الدولة.
 
 
تتوافر تعاريف عدة لمفهوم التضخم، منها ما يحاول أن يحدد أسباب التضخم، ومنها ما يظهر آثارها، ومنها ما يبرز بعض خصائصها المميزة. ونعرف التضخم هنا بأنه ارتفاع معزز في المستوى العام للأسعار. هذا التعريف لا يشير إلى أسباب أو آثار التضخم، ولكنه يدل على أن التضخم هو ليس زيادة مرة واحدة في المستوى العام للأسعار، كما أن التضخم ليس معنيا في زيادة أسعار بعض السلع، بل هو معني بالزيادة في مستوى السعر العام، الذي يمثل عادة معدلاً مرجحاً لجميع الأسعار.
 
 ولكن كيف يقاس التضخم؟ يتم قياس التضخم بتطور رقم قياسي لمستوى السعر العام في فترة اساس، تسمى سنة الأساس، باعتبار أن مستوى السعر العام في سنة الأساس هو 100، ولكن لا بد من تحديد الرقم القياسي للسعر العام الذي نستخدمه لقياس التضخم.
 
تتوفر ثلاثة ارقام قياسية لقياس التضخم هي: الرقم القياسي المخفض الضمني للناتج المحلي الإجمالي، والرقم القياسي لسعر الجملة، والرقم القياسي لسعر المستهلك. نختار الرقم القياسي لسعر المستهلك لقياس التضخم لأن البيانات المطلوبة متوفرة ولأن القارئ كمستهلك يحس بعبء التضخم بدفع دراهم اكثر مقابل سلة السلع التي يشتريها.
 
البيانات المتوفرة عن الرقم القياسي لسعر المستهلك في الإمارات (من صندوق النقد الدولي وبنك الإمارات المركزي) للفترة الممتدة من العام 2000 الى العام 2006، تشير إلى ارتفاع الرقم القياسي من 100 في سنة الأساس (العام 2000) إلى 134ر7 الى العام 2006، أي أن متوسط معدل نمو الرقم القياسي بلغ نحو 5ر1 في المائة سنويا خلال تلك الفترة هذا يعني ان معدل التضخم السنوي بلغ 5ر1 في المائة. وتبين الأرقام المتوافرة ان معدل التضخم تزايد خلال الفترة من 2ر8 في المائة العام 2001 إلى 8ر9 في المائة العام 2006. ويتوقع صندوق النقد الدولي ان يرتفع معدل التضخم في الإمارات إلى حوالي 10ر4 في المائة في العام الجاري وينخفض إلى 8ر5 في المائة في العام 2008.
 
يتكون الرقم القياسي للمستهلك في الإمارات من ثماني مجموعات رئيسية هي: الطعام والشراب والتبغ؛ والملابس الجاهزة والأقمشه وملبوسات القدم؛ والإيجارات وملحقات السكن؛ والأثاث وتجهيزاته؛ والعناية الطبية والخدمات الصحية؛ والنقل والاتصالات؛ وخدمات الترفيه والتعليم والثقافة، وسلع وخدمات اخرى. ولكل من هذه المجموعات وزن ترجيحي، اي نسبة من مائة.
 
 أكبر وزن ترجيحي يبلغ 36ر14 في المائة لمجموعة الإيجارات وملحقات السكن، وأقل وزن ترجيحي يبلغ 6ر74 في المائة لمجموعة الملابس الجاهزة والأقمشة وملبوسات القدم. تبين هذه الأوزان الترجيحية ان دور الإيجارات وملحقات السكن هو الأهم في ظاهرة التضخم في الإمارات. فعلى سبيل المثال، بلغ معدل التضخم، على اساس الرقم القياسي لسعر المستهلك، 7ر9 في المائة عام 2005، بينما بلغ التضخم في مجموعة الإيجارات وملحقات السكن حوالي 11 في المائة. وبما ان وزن هذه المجموعة يبلغ 36ر14 في المائة، فإن إسهامها بالتضخم بلغ 3ر9 في المائة (10ر9 ضرب 0ر3614 = 3ر9) أي حوالي 49 في المائة من مجمل التضخم في العام 2005.
 
بعد هذا الإيضاح عن التضخم في الإمارات، نبحث في علاقة سعر صرف درهم الإمارات بالتضخم، ونعرف سعر صرف الدرهم مقابل أي عملة بأنه سعر العملة بالدراهم، أي عدد وحدات الدراهم مقابل وحدة واحدة من العملة الأخرى. يمكن أن نوضح علاقة سعر صرف درهم الإمارات بالتضخم بالنظر إلى الرقم القياسي لسعر المستهلك باعتباره يتكون من رقمين قياسيين أحدهما رقم قياسي لسعر المستهلك للسلع المنتجة محليا والآخر رقم قياسي لسعر السلع المستوردة والداخلة في سلة المستهلك. يدخل في تركيبة الرقم القياسي لسعر الواردات سعر صرف الدرهم.
 
فعلى سبيل الإيضاح لنفرض أن أسعار مجموعة من السلع المستوردة الداخلة في سلة المستهلك بالعملة الأجنبية لم تتغير بين عامي 2005 و2006، ولكن سعر صرف الدرهم تغير كما هو الحال بالنسبة إلى وحدة اليورو: بلغ متوسط سعر اليورو 4ر575 درهم في عام 2005 وبلغ 4ر844 درهم في شهر ديسمبر/ كانون الأول 2006. هذا يعني أن قيمة اليورو زادت بحوالي 5ر8 في المائة مقابل الدرهم، أي ان قيمة الدرهم باليورو انخفضت. لنفرض أن ثمن سلعة مستوردة بلغ الف يورو في عام 2005 وكذلك في ديسمبر/ كانون الأول العام 2006. ثمن هذه السلعة بالدرهم يرتفع من 4575 درهماً عام 2005 إلى 4844 درهماً في ديسمبر عام 2006، أي أن سعر السلعة بالدرهم ارتفع بنحو 5ر8 في المائة.
 
الواقع أن سعر صرف درهم الإمارات ثابت مقابل الدولار ولم يتغير منذ ثمانينات القرن الماضي. لذلك فإن السلع المستوردة والمسعرة بالدولار لا تسهم بالتضخم من خلال سعر صرف الدرهم. أما السلع المسعرة بغير الدولار الأمريكي فإنها تسهم بالتضخم في الإمارات من خلال سعر صرف الدرهم مقابل كل عملة منها .
 
فسعر صرف الدرهم مقابل اليورو بلغ 3ر28 درهم في بداية يناير/ كانون الثاني 2002 ووصل إلى 4ر94 درهم في آخر مايو/ أيار 2007، وتذبذب بين حد أعلى بلغ 5ر02 درهم وحد أدنى بلغ 3ر15 درهم وبمتوسط بلغ 4ر33 درهم خلال الفترة 2002/1/1 و2007/5/30. وهذا التطور في سعر صرف الدرهم مقابل اليورو له دور في التضخم بالإمارات يتناسب مع نسبة واردات الإمارات من البلدان المنضمة إلى منطقة اليورو. مثلا في عام 2005 بلغت نسبة الواردات من البلدان الصناعية إلى مجمل واردات الإمارات حوالي 49 في المائة، منها حوالي 40 من خارج الولايات المتحدة الأمريكية. لذا، يمكن الاستنتاج ان ضعف الدولار الأمريكي وبالتالي ضعف درهم الإمارات مقابل العملات الأخرى أسهم في التضخم في الإمارات بحد اقصى لا يتجاوز نسبة واردات الإمارات من الدول الصناعية خارج الولايات المتحدة.
 
أما الجزء الآخر من التضخم في الإمارات فيعزى إلى عوامل أخرى. وفي ضوء هذا الاستنتاج يمكن القول إن تعديل سعر صرف الدرهم مقابل الدولار الأمريكي برفع قيمة الدرهم يسهم في تخفيض التضخم في الإمارات، ولكن لا بد من التأكيد والتشديد بأن رفع قيمة الدرهم بتغيير سعر صرف الدرهم مقابل الدولار الأمريكي له عبء أو تكلفه يتحملها اقتصاد الإمارات، قد تتجسد في انخفاض تنافسية بعض قطاعات اقتصاد الإمارات الصناعية والسياحية، إضافة إلى انخفاض ايرادات الحكومة من صادرات النفط مقيمة بالدرهم. لذا، لا بد من النظر في التساؤل: هل اقتصاد الإمارات في واقعه الراهن قادر على تحمل عبء رفع قيمة الدرهم مقابل الدولار الأمريكي؟”.
 
 الجواب على مثل هذا التساؤل يكمن في إجراء دراسة تفصيلية مستندة إلى بيانات دقيقة ومعلومات صحيحة حول سياسة سعر صرف درهم الإمارات قبل الشروع في تغيير السياسة القائمة والمستقرة منذ عقد الثمانينات من القرن الفائت بالرغم من تقلب سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل العملات الرئيسية.