بريد القراء .. عن قائمة الدخل وأشياء أخرى في سوق الأسهم
"هل الشركات تحلب المساهمين؟".. كان هذا عنوان مقال كتبه المستثمر الأمريكي الشهير "بنيامين جراهام" في عام 1932 بمجلة "فوربس" تناول خلاله الأسباب التي دفعت الكثير من المساهمين للتخلي عن أسهمهم -تحت وطأة الخوف- بأسعار رخيصة جداً لا تعكس بأي شكل حالة الأساسيات التي تجاهلوها، في مشهد تحول فيه جميع المستثمرين إلى مضاربين.
أشار "جراهام" إلى أن الخسائر التي حققها هؤلاء المساهمون كانت في المقام الأول بسبب فقدانهم خلال السنوات السابقة على ذلك التاريخ لعادة التدقيق في البيانات المالية للشركات وبالأخص الميزانية العمومية التي لو كانوا كبدوا أنفسهم عناء النظر إليها لاختلفت قراراتهم الاستثمارية، مؤكداً في الوقت ذاته أن الموجات البيعية التي شهدها السوق خلال عام 1931 كانت بسبب الخوف وليس الضرورة.
أوضح الرجل أن التركيز المفرط من جانب المستثمرين على الأرباح المبلغ عنها -والتي قد تكون مؤقتة أو حتى خادعة- أدى إلى التقليل من أهمية عناصر شديدة الحيوية في تحديد قيمة الأسهم مثل رأس المال العامل للشركة وغيره من الأساسيات، لأنهم نسوا أنهم أصحاب الشركات وليسوا مجرد ملاك لمجموعة من الأرقام المعروضة على شريط الأسعار.
النصائح التي ساقها "جراهام" في مقاله المنشور قبل 87 عاماً ربما لا يوجد من يحتاج إليها أكثر من مستثمري سوق الأسهم هذه الأيام، والذين يدفعهم تسرعهم وقصر نظرهم وقبل ذلك تجاهلهم للأساسيات إما جهلاً أو إهمالاً إلى اتخاذ قرارات استثمارية سيئة تكبدهم الكثير من الأموال.
حوار مع "مزاج السوق"
تعليقا على تقرير "من اليمين إلى اليسار .. كيف تقرأ قائمة الدخل؟" اقترح الأخ "مزاج السوق" كتابة تقرير آخر يتم فيه تناول كيفية تأكد المستثمر من صحة البيانات الواردة في القوائم المالية.
وللقارئ العزيز يمكن القول إن مهمة التأكد من صحة البيانات الواردة بالتقارير المالية هي بالأساس مهمة شركات المراجعة ومن ورائها الجهات التنظيمية التي تمتلك الموارد والخبرة الكافية لكشف أي أخطاء أو تلاعبات قد تكون موجودة بتلك البيانات من شأنها تضليل المستثمرين.
وفي الحقيقة إن المستثمر لا يحتاج إلى طرق وأساليب لكشف تلاعب الشركات بقدر ما يحتاج إلى فهم البيانات الموجودة بين يديه في المقام الأول. فكيف سيكتشف المخفى إذا كان لا يفهم ما هو أمام عينيه. وبالمناسبة، إن أغلب خسائر المستثمرين في سوق الأسهم ترجع إلى تورطهم في شركات سيئة وليس شركات متلاعبة أو محتالة، وهناك فارق كبير جداً بين الاثنتين.
وانطلاقاً من هذه النقطة ستتم متابعة الحديث حول ركن ركين في البيانات المالية لأي شركة ألا وهو قائمة الدخل. ولكن هذه المرة سيؤخذ الحديث إلى مستوى متقدم بعض الشيء يوضح للمستثمر كيفية استخدام عدد من النسب المالية التي بإمكانها مساعدته في فهم أفضل للوضع المالي للشركة ومقارنته مع ذلك الخاص بشركات أخرى بنفس القطاع.
دواخل قائمة الدخل
رغم أن الحديث سيكون تقنيا لكن سيشرح بقدر الإمكان الموضوع بشكل عملي وبلغة السوق بعيداً عن أي تعقيدات أو تنظيرات أكاديمية. وعلى هذا الأساس ستتم الاستعانة بقائمة دخل مفترضة (غير حقيقية) لإحدى شركات الأسمنت التي سنسميها "الفؤاد".
قائمة الدخل الخاصة بشركة "الفؤاد" في عام 2018 (الأرقام بالمليون ريال) |
|
الإيرادات |
13279 |
تكلفة الإيرادات |
5348 |
الربح الإجمالي |
7931 |
نفقات التسويق والمبيعات |
1105 |
نفقات الأبحاث والتطوير |
863 |
مصروفات عامة وإدارية |
538 |
نفقات تشغيلية أخرى |
1350 |
إجمالي النفقات التشغيلية |
3856 |
الدخل التشغيلي |
4075 |
مصاريف الفائدة |
(135) |
إيرادات بنود غير عادية |
275 |
ضريبة الدخل |
1352 |
صافي الدخل |
2863 |
نسبة هامش الربح الإجمالي: بالنظر إلى قائمة الدخل يلاحظ أن الشركة حققت في عام 2018 إيرادات قدرها 13.279 مليار ريال، بينما بلغت تكلفة تلك الإيرادات 5.348 مليار ريال، وهو ما قاد الشركة لتحقيق ربح إجمالي قدره 7.931 مليار ريال.
يتم حساب نسبة هامش الربح الإجمالي كالتالي:
ما معنى النتيجة أو الـ59.7%؟ ببساطة هذه النسبة تخبر المستثمر أن "الفؤاد" تحقق ربحاً إجمالياً قدره 59.7 ريال عن كل 100 ريال من مبيعاتها، وذلك عندما يتم طرح قيمة جميع التكاليف المرتبطة مباشرة بمنتجات الشركة. وهذه النسبة لا تخبر فقط بمدى قدرة الشركة على التحكم في تكاليفها المباشرة بل تعتبر أيضاً مقياساً قابلاً للمقارنة مع الشركات الأخرى العاملة بنفس القطاع حتى لو كان هناك تفاوت في أحجامها.
وبفرض أنك مهتم مثلا بقطاع الأسمنت وتفكر في الاستثمار به، فمن المنطقي أن تقارن بين الشركات العاملة بالقطاع وتحاول اختيار أفضلها. ولذلك بعد النظر إلى بيانات "الفؤاد" ستبدأ في إلقاء نظرة فاحصة على بيانات عدد من الشركات الأخرى والتي من بينها على سبيل المثال ما سنسميها شركة "النصر".
بافتراض أن شركة "النصر" حققت خلال العام الماضي إيرادات بقيمة 1.283 مليار ريال، بينما بلغ ربحها الإجمالي 805 ملايين ريال. ففي هذه الحالة ووفقاً للمعادلة السابقة ستبلغ نسبة هامش الربح الإجمالي لدى الشركة 62.7% (حاصل قسمة الربح الإجمالي على الإيرادات).
توضح النتيجة السابقة أنه على الرغم من أن "النصر" أقل من حيث القيمة المطلقة للإيرادات والأرباح مقارنة مع "الفؤاد" إلا أنها أكثر ربحية (بشكل نسبي) منها.
نسبة هامش الربح التشغيلي: بنفس الطريقة ولكن بدلاً من الربح الإجمالي ستتم الاستعانة بالدخل التشغيلي كما هو موضح بالأسفل:
ما الذي تعنيه نسبة الـ30.7%؟ معناها أنه في كل مرة تبيع "الفؤاد" الأسمنت بقيمة 100 ريال فإنها تحقق ربحاً تشغيليًا قدره 30.7 ريال. والفارق بين هذه النسبة وسابقتها هي أنه هذه المرة لم تطرح التكلفة المباشرة للمبيعات فقط بل تم أيضاً طرح النفقات الثانوية التي تشمل على سبيل المثال لا الحصر تكاليف التسويق والإدارة والتوزيع وجميع التكاليف الأخرى المتعلقة بالأعمال اليومية للشركة.
وبالعودة مرة أخرى لمقارنة قيمة هذه النسبة لدى "الفؤاد" مع نظيرتها لدى "النصر" والتي سنفترض أن دخلها التشغيلي يبلغ 376 مليون ريال. وبالتالي ستبلغ قيمة نسبة هامش التشغيل لدى "النصر" 29.3% (حاصل قسمة 376 مليون ريال على إيرادات الشركة البالغة 1.283 مليار ريال).
النتيجة السابقة مثيرة جداً للاهتمام! فعلى الرغم من أن "النصر" لديها هامش ربح إجمالي أعلى من نظيره لدى "الفؤاد" إلا أن هامش ربحها التشغيلي أقل. بعبارة أخرى توضح هذه المقارنة أنه على الرغم من أن "النصر" أكثر فاعلية من "الفؤاد" في التحكم في التكاليف المرتبطة مباشرة بالمنتج إلا أنه عندما يتم تضمين التكاليف غير المباشرة نجدها أقل كفاءة.
في وضع مثل هذا من المفترض أن يسعى المستثمر الذكي لمعرفة سبب ارتفاع النفقات الثانوية لدى "النصر" مقارنة مع "الفؤاد".
نسبة هامش الربح الصافي: الآن جاء دور البند الأكثر شهرة في قائمة الدخل وهو صافي الدخل والذي سيتم استخدامه كالآتي:
21.6% .. ما مغزى هذا الرقم؟ مغزاه أن "الفؤاد" تحقق ربحًا صافيًا قدره 21.6 ريال عن كل 100 ريال من مبيعاتها. وتوجد هنا أيضاً حاجة لمقارنة هذا الرقم مع نظيره لدى "النصر" التي سنفترض أن صافي دخلها خلال العام الماضي بلغ 158 مليون ريال.
وبناء على ذلك ستبلغ قيمة نسبة هامش الربح الصافي لدى الشركة 12.3% (حاصل قسمة 158 مليون ريال على إيرادات الشركة البالغة 1.823 مليار ريال).
لا بد هنا من وقفة! قبل قليل أظهرت الحسابات أن نسبة هامش التشغيل لدى "الفؤاد" أفضل قليلاً من نظيرتها لدى "النصر"، لكن الآن حين تم حساب نسبة هامش الربح الصافي اكتُشف أن هناك فارقا كبيرا لصالح "الفؤاد". هذا معناه ببساطة أن "النصر" لديها مصاريف غير تشغيلية كبيرة لا يوجد مثلها لدى "الفؤاد".
طبعاً لم تُستعرض قائمة الدخل الخاصة بـ"النصر"، لكن وأنت معصوب العينين ومن دون النظر إليها يجب أن تعرف أن السبب على الأرجح هو أن "النصر" إما لديها مصاريف فوائدة مرتفعة، وهو ما يعني المزيد من الديون أو أنها ربما تكبدت خسائر كبيرة من بنود غير عادية أو أنها تدفع ضرائب أكبر من تلك التي تدفعها "الفؤاد".
انتبه كي لا تزل قدمك
ما سبق يقود المستثمر للاستنتاج أن "الفؤاد" أكثر ربحية من "النصر" حين يتم أخذ جميع المصروفات والخسائر في الاعتبار، أليس صحيحا؟
لا تتسرع أبداً وانتبه جيداً للعبارة التالية: كل التحليلات السابقة كانت لأداء الشركتين في لقطة زمنية معينة وهي العام الماضي، وبالتالي لا يمكن تحديد أيهما أكثر جاذبية كخيار استثماري من دون إجراء تحليل مهم جداً وهو تحليل الاتجاه أو (Trend analysis).
بالفعل أظهرت النسب السابقة أن "الفؤاد" أكثر ربحية من "النصر" في السنة محل التقييم وهي 2018، ولكن قبل أن يُتخذ أي قرار استثماري يجب أن يجري المستثمر تحليل اتجاه يتعرف خلاله على قيمة هذه النسب في السنوات السابقة وبالتالي يكتشف كيفية تطورها وما إذا كانت تتغير للأحسن أو الأسوأ.
على سبيل المثال، من الممكن جداً أن يكتشف المستثمر أن "الفؤاد" التي أظهر تحليل النسب المالية أنها أفضل من "النصر" في عام 2018 تتدهور قيمة تلك النسب لديها على مدار السنوات الخمس الماضية. في حين أن "النصر" وإن كانت ربحيتها أقل إلا أنها تنمو باستمرار على مدار نفس السنوات الخمس.
هذا التدهور والتحسن النوعي للأداء لدى الشركتين العاملتين بقطاع الأسمنت يجب أخذه في الاعتبار عند تقييم المخاطر على المدى الطويل.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: لماذا تم ضرب المثل بشركتين تعملان في قطاع الأسمنت تحديداً؟ هل هي إشارة مبطنة ترسلها بشكل واعٍ ومقصود جهات محددة ترغب في تضليل مستثمري سوق الأسهم أو الحيلولة بينهم وبين تحقيق أهداف قد تحرم هذه الجهات من ميزة يتمتعون بها؟ من هؤلاء؟ من المستفيد؟
هذه الأسئلة تأخذنا للمحطة التالية في هذا التقرير والتي سيتم خلالها إلقاء الضوء على نظرية المؤامرة التي تسيطر على عدد لا بأس به من مستثمري سوق الأسهم الذين يعتقدون أن هناك يداً خفية تتحكم في السوق.
هذه الجهات وفقًا لرأيهم هي من تحدد من يربح ومن يخسر تجعله في الجانب الخاسر دائمًا. وهم كذلك يشكون في أن التقارير التعليمية والتوعوية التي ننشرها بشكل أسبوعي هي رسائل مشفرة هدفها توجيه السوق ناحية شيء ما، بل ويذهب بعضهم أحياناً إلى القول بأن الاستثمار بسوق الأسهم ما هو إلا عملية نصب أصلاً.
تفاصيل المؤامرة
في سوق الأسهم يعتبر سلوك المستثمر واستقراره النفسي أهم بكثير من الأسهم التي يختارها، ولذلك دائمًا ما ينصح الخبراء المستثمرين بتجاهل الضوضاء والسيطرة على عواطفهم والتركيز على دراسة أساسيات الأسهم وفهم طبيعة أعمال الشركات قبل اتخاذ أي قرار استثماري.
لكن في مقابل هذا السلوك يوجد هناك سلوك آخر مضاد لدى عدد من مستثمري سوق الأسهم مصدره الاعتقاد بأنه يُتلاعب بهم وبمحافظهم من قبل مجموعة من الأيدي النافذة بالسوق والتي تستأثر لنفسها بالمكاسب، وبالتالي لا جدوى من التحليل الأساسي والفني أو من دراسة نموذج أعمال الشركة لأن هذه جميعًا ليست هي العوامل الحاسمة برأيهم في تحديد المكسب أو الخسارة. فمهما كان السهم الذي اختاره المستثمر سيخسر حتماً بفعل جهة خارجية.
يقول محلل الأسهم بتلفزيون بلومبرج "باري ريثولتز" إن نظرية المؤامرة لا تزال تتمتع بجاذبية في سوق الأسهم لأنها تسمح لبعض الناس بتفسير الأشياء التي تتجاوز حدود فهمهم، مشيراً إلى أن ذلك ينبع من رغبتهم في عدم الاعتراف بأنهم أخطؤوا حين اشتروا أو باعوا ما اتضح لاحقاً أنها أسهم سيئة.
شخص يدخل السوق ويشتري سهماً مبالغاً في تقييمه وحين يرتد إلى قيمته العادلة يقول: مؤامرة!. آخر يمتلك سهما جيدا يسارع إلى بيعه بعد كشف الشركة عن أرباح فصلية دون التوقعات قبل أن يتعافى السهم بمجرد خروجه: مؤامرة!. ثالث يشتري سهما سيئا يستمر سعره في الانخفاض من شهر لآخر إلى أن يفقد أغلب قيمته، وفي النهاية يبيعه بخسارة كبيرة بينما يلعن السوق قائلاً: مؤامرة!
هذه كلها نماذج لخسائر سببها الأساسي قرارات استثمارية خاطئة ولكن البعض يفضل تحميل ذلك على ما يدعي أنها جهات وشخصيات نافذة (مجهولة دائماً) تتلاعب به وبالسوق لصالحها.
هل هذا نفي وإنكار تام لوقوع أي حوادث تلاعب أو احتيال تسببت في خسائر لمستثمرين؟ بالتأكيد لا وتشهد على ذلك تحقيقات الجهات المختصة. ولكن الفكرة هي أنه من غير المنطقي ومن الضار أيضاً عزو الخسائر الطبيعية التي يتكبدها المستثمرون كل يوم في السوق إلى وجود مؤامرة ضد المستثمرين وبالتحديد ضد الأفراد منهم، لأن هذا يحول دون تطورهم واستفادتهم من أخطائهم.
5 ملايين مستثمر و9 ملايين محفظة
خطورة نظرية المؤامرة تكمن في أنها تلغي الحاجة لأي تفكير منطقي من قبل المستثمر في قراراته الاستثمارية، فما حاجة مستثمر يؤمن بأن هناك من يتلاعب بأسهمه وبمحفظته إلى ما تم شرحه بالأعلى حول كيفية تفسير البيانات الواردة بقائمة الدخل أو بغير ذلك من أساليب التحليل الأساسي؟ لماذا قد يرهق نفسه في حساب تلك النسب أصلاً؟
وفي الحقيقة إن نظرية المؤامرة تصبح أكثر إثارة للاهتمام إذا تم استعراضها بينما نلقي نظرة سريعة على خريطة سوق الأسهم السعودي الذي يسيطر المستثمرون الأفراد على 95% من التداولات به.
أشارت البيانات الصادرة عن هيئة سوق المال في أغسطس الماضي إلى أن عدد المستثمرين الأفراد بلغ بنهاية الربع الثاني من العام الجاري 4.72 مليون مستثمر يديرون 9.11 مليون محفظة، بقيمة إجمالية تقدر بنحو 524 مليار ريال، وهو ما يمثل 25.2% من القيمة القيمة السوقية لـ"تداول" البالغة حوالي 2.081 تريليون ريال.
كل يوم تتأرجح أسعار الأسهم وتتأرجح معها قيمة محافظ هؤلاء المستثمرين الأفراد الذين يقترب عددهم من 5 ملايين ليغلق السوق في نهاية اليوم وبعضهم رابح وبعضهم خاسر. هل من المنطقي الادعاء بأن كل خسارة يتكبدها أي من هؤلاء هي نتيجة تلاعب أو مؤامرة؟
ألا يوجد من بين المستثمرين الأفراد وبالأخص صغارهم من يحقق مكاسب؟ كيف حققها؟ ألا توجد هناك قصص نجاح لأناس شقوا طريقهم في السوق وصعدوا من أسفل السلم إلى أعلاه بفضل مثابرتهم واجتهادهم؟ كيف نجا هؤلاء من المؤامرة التي تعصف بأموال غيرهم؟
ذُكرت في مستهل التقرير وسيتم ذكرها هنا مرة أخرى: إن القرارات الاستثمارية السيئة هي المسؤول الأول عن أغلب الخسائر التي يتكبدها المستثمرون بسوق الأسهم كل يوم وليس التلاعب أو الاحتيال. وهذه القرارات السيئة دائماً ما يكون سببها الجهل وقلة الخبرة وهما سمتان أساسيتان لدى حديثي العهد بسوق الأسهم. ولذلك لا عجب أن نظرية المؤامرة دائماً ما تحظى بقبول أكبر بين صغار المستثمرين.
الاستثمار بالأسهم ليس للجميع
تكمن المشكلة في النظرة المغلوطة لدى البعض حول سوق الأسهم والذي يتعاملون معه وكأنه صالة قمار. ولكن سوق الأسهم ليس كذلك. إن الاستثمار بالأسهم هو عمل شاق وحرفة لها أهلها وكذلك فنونها وأساليبها التي لا يبرع فيها إلا من يبذل لها الوقت والمجهود.
لكن رغم كل ما سبق لا يزال هناك بعض الأشخاص الذين تسيطر عليهم العقلية التآمرية بشكل يحول دون إقتناعهم بأن الاستثمار بالأسهم ليس نصبًا أو بأن قراراتهم الاستثمارية السيئة وليس شيئًا آخر هي السبب الرئيسي وراء ما يحققونه من خسائر. المدهش هو أن هؤلاء رغم كل شيء لا يزالون مستمرين في السوق!
من المهم جداً أن يدرك الجميع أن الاستثمار بالأسهم كحرفة لا تناسب كل الناس. هناك أشخاص لا يمتلكون ببساطة لا المعرفة الكافية ولا الثبات الانفعالي والاستقرار النفسي الذي يؤهلهم للنجاح في سوق متقلب ويحتاج إلى قلب قوي وعقل رزين وذهن متقد مثل سوق الأسهم. ليست كل الحرف تناسب كل الناس. الحدادة مثلاً حرفة صعبة لا يقوى عليها كثيرون ولا يعيبهم هذا، هي فقط لا تناسبهم.
هذا ما فهمه جيداً الأخ "Abu zaidd" ووضحه في تعليقه على تقرير "انتبه ولا تكن أحد ضحاياه". كن صادقًا مع نفسك وحاول أن تقرر ما إذا كان سوق الأسهم وأجواؤه مناسبين لك أم لا. ففي النهاية الأسهم ليست سوى خيار استثماري من بين عشرات الخيارات الاستثمارية الأخرى المتاحة.
خلاصة الكلام: خسائرك كمستثمر سببها في الأغلب قراراتك الاستثمارية غير الموفقة. مراجعة تلك القرارات ومحاولة اكتشاف الخلل بها هي خطوتك الأولى نحو التعلم وتحقيق النجاح. لذا حاول أن تطور قدرتك على فهم وتتحليل البيانات المالية للشركات ولا تنسَ أن الاستثمار بالأسهم يحتاج إلى بذل مجهود ذهني لا يقل مشقة عن المجهود العضلي الذي يبذله آخرون في وظائفهم.
وربما لا توجد خاتمة أفضل لهذا التقرير من كلمات المدون الشاب "حسام الدين السنوسي":
"إذا أردتَ الإمدادَ خُضِ المعارِك واقتَحِم وعارِك، فالمتمدّدُ لا يُمَدُّ والكسولُ مخذول. المددُ كالإجابةِ والسببُ كالدُّعاء، فلا تستبطئ الفتوحَ وأنتَ عاطل. البحرُ لا ينشقّ إلا ليدِ موسى، العصا وسيلة، والوسائلُ كالحديد، والحديدُ لا يلينُ إلا في يدِ داوود، وداوودُ عامِل".
المصادر: أرقام – بلومبرج - Inflated Treasuries and Deflated Stocks: Are Corporations Milking Their Owners? – كتاب: Warren Buffett Accounting Book: Reading Financial Statements for Value Investing
تعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}