قائد واحد رؤية واحدة .. الشركة التي يقودها أكثر من ربان تغرق

في الرابع من نوفمبر من عام 1979 اقتحمت مجموعة من الطلاب الإيرانيين مبنى السفارة الأمريكية بطهران واحتجزت أمريكيين داخلها كرهائن، ليتخذ الرئيس الأمريكي آنذاك "جيمي كارتر" قراراً بشن عملية عسكرية من أجل إطلاق سراح الرهائن في أبريل 1980.

ولكن بدلاً من تعيين جنرال مخضرم لقيادة العملية العسكرية برمتها، تم تقسيم مهام قيادة تلك العملية بين قادة أفرع الجيش الأمريكي كالقوات البحرية وسلاح الجو وقوات المشاة البحرية بل وحتى خفر السواحل. فلأسباب سياسية أرادت كافة أفرع الجيش الأمريكي المشاركة والحصول على ذلك الشرف وكذلك الفضل في النجاح المتوقع لتلك العملية.

وما زاد الطين بلة، هو أن الرئيس "كارتر" لم يكتف بتقسيم مهام قيادة العملية بهذا الشكل بين أفرع الجيش دون رأس واضح فحسب، بل قام هو وبعض المسؤولين بالبنتاجون بإصدار أوامر للقوات المشاركة في العملية عبر الأقمار الصناعية مضادة لتلك التي اتخذتها القيادات الموجودة على الأرض.

افتقار القوات المشاركة في العملية العسكرية إلى القيادة الموحدة جعل المهمة أقرب للفشل من النجاح، لأن كل فرقة من الفرق المشاركة بالعملية كانت تتصرف وفق تقديراتها الخاصة للأمور، وفي نفس الوقت لم يكن لدى كبار الضباط أي فكرة عمن سيقدمون له التقارير الخاصة بالوضع على الأرض ومن يأخذون منه الأوامر.

هذه الحالة من التخبط وغياب القيادة الموحدة أدت إلى فشل العملية العسكرية فشلاً ذريعاً بعد أن دُمرت طائرتان وقتل 8 جنود أمريكيين. كانت العملية كارثة عسكرية بكل المقاييس، وساهمت بشكل كبير في خسارة "جيمي كارتر" لانتخابات الرئاسة أمام الجمهوري "رونالد ريجان" في عام 1980.

في جميع مجالات الحياة وليس في المجال العسكري فحسب، يجب أن يصطف الجميع خلف قائد واحد لديه رؤية موحدة قادر على اتخاذ القرارات الاستراتيجية التي تحدد نجاح المؤسسة. أي شيء غير وحدة القيادة سيؤدي إلى الارتباك وعدم اليقين وتبديد الجهد وفي نهاية المطاف الهزيمة.

طرد 35 نائباً للرئيس!

عندما تولى رجل الأعمال الأمريكي "لي إياكوكا" رئاسة شركة صناعة السيارات الأمريكية "كرايسلر" في عام 1979 كانت الشركة على وشك الإفلاس. أول ما لاحظه "إياكوكا" عند تولى زمام الأمور وجود 36 نائباً لرئيس الشركة في جميع أنحاء العالم ولكل منهم قسمه وموارده الخاصة. وكانوا جميعاً في منافسة مع بعضهم البعض.

ببساطة لم يكن هناك قيادة واضحة، كما كانت هناك حالة من التخبط وغياب الرؤية والتنازع على موارد الشركة. لم يعجب هذا الوضع "إياكوكا" الذي قام على الفور بإعادة تنظيم الشركة وطرد 35 من نواب الرئيس الـ36 وتولى بنفسه زمام الأمور في الشركة لينجز المهام التي ظلت عالقة لفترة طويلة بسبب صراع نواب الرئيس مع بعضهم البعض.

ذهب "إياكوكا" إلى الكونجرس للحصول على ضمان يسمح للشركة بالاقتراض وأعاد التفاوض على شروط قروض "كرايسلر" مع أكثر من 400 بنك، وقاد مفاوضات ناجحة مع عمال الشركة انتهت بتعديل عقود 350 ألف منهم، كما أعاد التفاوض مع نحو 4000 من الموردين بشأن الأسعار.

في غضون أربع سنوات فقط تمكن "إياكوكا" من قلب الشركة رأساً على عقب، حيث سدد ديونها بالكامل وقادها لتحقيق أرباح قدرها 350 مليون دولار. كل ما فعله "إياكوكا" هو أنه تصرف كقائد يتحمل مسؤوليته وأمسك زمام الأمور ليخلد اسمه في التاريخ باعتباره واحداً من أنجح المديرين التنفيذيين في القرن العشرين.

عندما واجهت شركة البرمجيات والحواسيب الأمريكية "آي بي إم" أزمة خطيرة تهدد وجودها في عامي 1991 و1992 قام مجلس الإدارة باستقدام "لويس جرستنر" من شركة "أر جيه أر نابيسكو" وعينه مديراً تنفيذياً للشركة على أمل أن يتمكن من إخراج "آي بي إم" من أزمتها.

من أول لحظة تولى "جرستنر" زمام الأمور في الشركة، كان أول ما قام به هو إعادة تنظيم الشركة من خلال دمج وتوحيد بعض الأقسام التي وجد تنازعا بينها على الموارد. وفي نفس الوقت قرر التوقف عن الاستمرار في تصنيع وتقديم المنتجات والخدمات التي لم تعد مربحة.

في غضون عامين تمكن الرجل من إخراج "آي بي إم" من أزمتها وتحويل خسائرها إلى أرباح ووضع الشركة مرة أخرى على الخريطة. وتحت قيادته ارتفع سعر سهم "آي بي إم" بأكثر من 700%.

التسلسل الهرمي .. من بالأعلى ومن بالأسفل؟

فعل "جرستنر" ما يفعله كل القادة الناجحين حيث قيّم أولاً الموقف بدقة ومن ثم تقدير ما يتطلبه تغييره للأفضل ثم اتخاذ قرارات قوية وواضحة. فالقائد الناجح هو من يستطيع تكوين رؤية واضحة بشأن ما يجب القيام به، وعندما يكوّن هذه الرؤية يعمد إلى توصيلها إلى كل فرد تحت قيادته وتحفيزهم على تحقيق الأهداف المشتركة.

في كل المنظمات والمؤسسات كبيرة كانت أو صغيرة يجب أن يكون هناك تسلسل هرمي واضح للقيادة. هذا التسلسل القيادي ضروري جداً لضمان التماسك والتنسيق والتعاون على تحقيق أهداف المنظمة أو الشركة.

يقول "إدوارد أوسبورن ويلسون" عالم الأحياء الأمريكي والأستاذ بجامعة هارفارد: "إن القانون الأول للطبيعة البشرية هو التسلسل الهرمي". وهذا يعني أن جميع البشر بحاجة إلى معرفة مكانهم بوضوح داخل أي تسلسل هرمي يتواجدون خلاله.

لذلك نجد أنه في المؤسسات الناجحة يوجد دائماً لكل شخص رئيس واحد فقط مسؤول أمامه، وذلك ببساطة لأن كل منا يحتاج إلى معرفة مكانه بالضبط فيما يتعلق بزملائه بالمؤسسة لأن هذا الأمر يوضح مسؤولياته.

يجب أن يكون كل شخص مسؤولاً أمام شخص واحد فقط، بحيث يعرف كل فرد من فوقه ومن أسفله. لا يمكن للموظف أو الفرد أن يؤدي بأفضل حالاته إلا عندما يفهم بوضوح شكل وطبيعة وتكوين التسلسل الهرمي بمكان عمله.

وبشكل أساسي تقع على عاتق القائد أو الرئيس التنفيذي مسؤولية توضيح التسلسل الهرمي داخل المنظمة أو الشركة وإزالة أي لبس أو غموض حول سلسلة القيادة. وفشل المدير في توضيح التسلسل الهرمي بالشركة سيؤدي إلى مشاحنات ومنازعات داخلية ستضر الشركة وربما تتسبب في خسارتها لموظفين مهمين.

المصادر: أرقام -- سي إن إن -- نيويورك تايمز
كتاب: Victory! Applying the Proven Principles of Military Strategy to Achieve Success in Your Business and Personal Life