علي البدر: التخصيص ومدينة "الحرير" مخرجا الكويت من عواصفها المالية والاقتصادية والسياسية
يحلو للبعض تسمية عضو المجلس الأعلى للتخطيط حالياً، والعضو المنتدب الأسبق للهيئة العامة للاستثمار، ورئيس مجلس الإدارة السابق لبنك الخليج، علي رشيد البدر، بالمصلح، بعد أن نجح تاريخياً في طي العديد من صفحات الأزمات الحكومية، وبالقطاع الخاص.
ويؤمن البدر بأن بيت القصيد في أزمة الكويت أنه ورغم كونها دولة ديموقراطية لكنها لا تزال تملك معظم الاقتصاد وإيراداته.
ويعتبر البدر أن مشروع التخصيص العام وإعادة هيكلة الميزانية العامة للدولة والذي أقره مجلس التخطيط منذ سنين، وهو مطروح على الحكومة ويتكرر منذ سنوات عدة، آخرها يونيو 2018، المشروع الإصلاحي الأهم، إن لم يكن الوحيد، لتحصين الكويت من العواصف المالية والاقتصادية والسياسية التي تواجهنا حالياً.
ويلفت إلى أن التخصيص وتملك وإدارة المواطنين أنفسهم الجزء الأكبر من النشاط الاقتصادي هو عماد الاقتصاد الحر، أما مدينة الحرير فيرى أنها من أهم المشاريع الواعدة والضرورية لتعزيز مستقبل البلد والاقتصاد الوطني إن لم تكن أهمها.
وعندما يُسأل عن البدائل الواقعية، لإيرادات النفط يشير البدر إلى أن ذلك بتحوّل الاقتصاد من ريعي إلى منتج، ويوضح أنه يمكن الخروج من الحفرة المالية الحالية بأن تقدم الحكومة مشروع إصلاح حقيقياً يحقق مصلحة الاقتصاد والبلد ويضمن قبول أغلب المواطنين ومن ثم أغلبية أعضاء مجلس الأمة، إذا وثق الناس بأنه يضمن مستقبلهم ومشاركتهم العادلة في الاقتصاد فيتقبلونه، ويقبلون إن لزم الأمر تحمل تكاليف الخروج من الحفرة.
وحول رأيه بسياسة التوظيف الحكومي للكويتيين، وما إذا كان يتعيّن أن يتوسع هذا الدور أكثر لدى القطاع الخاص بدعم حكومي، يقول «سياسة خاطئة، فأهم عنصر من عناصر ثروة الاقتصاد العامل البشري، مثل الثروات الطبيعية ورؤوس الأموال التي يتعين الاستفادة القصوى منها، ووضع موظف في مكان لا يحتاجه يحوّله لعامل غير منتج ويقتل الإبداع ويحرق الثروة البشرية».
وفي ما يلي نص المقابلة:
* برأيك ما الحلول المناسبة لخروج الكويت من مأزقها المالي الحالي؟
- إذا كان المقصود صعوبات السيولة التي تواجهها الخزينة العامة حالياً، فهذه يمكن علاجها مرحلياً من خلال الاقتراض من صندوق احتياطي الأجيال القادمة.
* في ظل التغيرات الاقتصادية والمالية الأخيرة التي تشهدها الدولة، هل يتعين تغيير مفهوم صندوق «الأجيال القادمة» ووضع أهداف مختلفة للاستفادة من احتياطه؟
- احتياطي الأجيال هو «حلال» الأجيال التي لا تزال في علم الغيب، وهم ليسوا بيننا الآن كي يدافعوا عن حقوقهم، فهذا الاحتياطي هو كالوقف الخيري ولا يجوز صرفه أو عوائده على الجيل الحالي أو الذي بعده. وأفهم أن الدولة قد تواجه أحياناً ظروفاً قسرية مثل تراجع سعر النفط بشكل حاد وتوقف 70 في المئة من دخلها المعتاد، فيجوز لها آنذاك أن تقترض من ذلك الاحتياطي ضمن حدود معينة، شريطة أن يكون القرض بسعر السوق وأفضل، مع التزام الحكومة بمشاريع إصلاحية جادة والتوقف عن هدر الأموال في مصروفات تفاخرية واستهلاكية، كي يضمن احتياطي الأجيال حقوقه وتتعهد الدولة بعدم توسع الاقتراض منه.
وحفاظاً على حقوق الأجيال القادمة أرى ضرورة الاستمرار باحتساب حصة الاحتياطي البالغة 10 في المئة من إيرادات النفط سنوياً والتي تم تعطيلها قبل شهور، واعتبار رصيدها المتراكم ديناً مستمراً على الدولة يتوجب عليها سداده فور توافر فائض عندها، وتُعامله كما تُعامل العجز الاكتواري في المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية.
* برأيك ما هي آليات معالجات الخلل الهيكلي في الميزانية العامة؟
- لا أرى حلاً لذلك إلا البدء بمشاريع التخصيص العام والمنطقة الشمالية، وبالتالي تتقلص نفقاتها الجارية ويتلاشي الهدر في أعمالها. فعندما تعرض الحكومة هذه الخطة الإصلاحية ستكسب الرأي العام إلى جانبها، وتستطيع بالتالي تمرير المشاريع التفصيلية الإصلاحية كافة، من تقنين المنافع والكوادر، وبالتالي تخفف من حدة اختلالات المالية العامة.
* إلى أن يوجد بديل عن النفط وهذا يحتاج وقتاً طويلاً، برأيك ما الأولويات الاقتصادية؟
- لا توجد بدائل واقعية، ولا بديل لإيرادات النفط الخام إلا بتحويل الاقتصاد الكويتي من اقتصاد ريعي إلى منتج، ويتطلب الأمر شغل التفكير العام وجذبه بإعلان البدء بالمشروعين الإصلاحيين اللذين ذكرتهما، وبأسلوب يجذب عقول وقلوب رجال الأعمال والعاملين والمواطنين بفوائدهما ومزاياهما.
* لماذا برأيك توجد أكثر من لغة بين الشعب والنواب والحكومة ومجتمع الأعمال حول تشخيص الحالة المالية للدولة وآليات مواجهة الأزمة؟
- في رأيي لم تكن الحكومة موفقة في توضيح الصعوبات التي تواجهها وخطورة الاستمرار في النهج الحالي في إدارة المالية العامة وتطوير النهج الاقتصادي، والأهم من ذلك لم تقدم الحلول المناسبة لها، فلم تطرح مشروع إصلاح شامل ومنطقياً مثل مشاريع التخصيص العام والمنطقة الشمالية.
وفي مجال السيولة مثلاً والتي سيطرت مخاوفها على الشارع وساهمت في إشعالها تصريحات رسمية غير موفقة، لم تقدم الحكومة حلولاً واقعية سوى تقديم قانون الدين العام كحل وحيد متاح، وهو أمر رفضه غالبية الرأي العام، وتركت جانب العلاج المنطقي والمجرب وهو الاقتراض من احتياطي الأجيال.
* البعض يرى أن المجلس الأعلى للتخطيط مجرد مستشار صامت يكتفي بتقديم الاستشارات التي لا يؤخذ بها؟
- القانون ينص على أن المجلس الأعلى للتخطيط مجلس استشاري، والأمانة العامة للتخطيط هي التي تصيغ الخطط حسب مقترحات الوزارات ذات الصلة.
مهمة المجلس هي مراجعة تلك الخطط و تقديم توصياته في شأنها إلى الحكومة. ونقدم على صعيد مواز مقترحات محددة إضافية في مجال التنمية والإصلاح، وقد تأخذ بها الحكومة أو تتركها جانباً، وهناك أفكار كثيرة قدمناها منذ سنوات لكنها لم ترَ النور، ربما بسبب التعديلات الوزارية المتلاحقة وأعباء الخلافات الحكومية النيابية وغيرها من الأمور الإدارية التي تثقل كاهل الحكومة ووزرائها بسبب التزامات الحكومة الهائلة التي تطورت على مر الزمن من خلال هيمنتها المفرطة وإدارتها المباشرة لمجمل أعمال الاقتصاد والخدمات.
* ما رأيك في خطة الحكومة حول معالجة التركيبة السكانية وهل ترى أن آليات الاستغناء عن الوافدين بهذا الشكل تناسب التوجهات العامة نحو تنفيذ خطة التنمية؟
- بصراحة لا أعرف تماماً تفاصيل سياسة الحكومة في معالجة التركيبة السكانية، لكن أذكر أن كل محاولاتها السابقة لم تحقق النجاح المطلوب. إلا أن البدء بمشروع التخصيص العام سينتج عنه تلقائياً تعديل التركيبة السكانية بأسلوب ناجع عندما يتضمن وقف استيراد العمالة الأجنبية، ومنح من لا تستطيع الحكومة تعيينه بدل بطالة مناسب يدفعه إلى العمل في القطاع الخاص والشركات الجديدة التي ستؤسس حسب الفرصة والحاجة، مع العمل على تشجيع الشباب وتحفيزهم على الدخول في مشاريع الخدمات الفنية التي يقوم بها الوافدون الآن.
* مقارنة مع السعودية والإمارات وقطر أين تضع الكويت ترتيباً لجهة التنمية والرؤية؟
- في الحقيقة الكويت باتت متأخرة خليجياً في مجال الإبداع والتوسع والتنمية الحقيقية، والتنمية لديها أصبحت محصورة في بناء مجمعات ضخمة مكلفة وبناء وصيانة مكاتب لإيواء عشرات الألوف من موظفيها الزائدين على الحاجة، وكذا شبكة شوارع ضخمة وجسور صارت صيانتها تمثل بنود صرف متزايدة سنوياً، ولا تحقق إيرادات، دون أن تقدم مشاريع ذات جدوى ترفع من إيرادات الدولة، كي تساند إيراد النفط، وعملياً لم تطرح فرصاً استثمارية جديدة وجذابة للمواطنين فتستقطب رؤوس الأموال الوطنية نحو مشاريع تمكّن الكويت من تنفيذ رؤية وحلم تحول الكويت إلى مركز مالي وتجاري رئيسي في المنطقة.
وبرأيي من الخطأ أن تُترك جهود التنمية وتخطيط وإدارة تأسيس المشاريع التنموية ذات الأهداف التجارية بيد الجهاز الإداري الحكومي، فهو غير مؤهل بما فيه الكفاية لتلك المهمة من ناحية التكوين والخلفية والتدريب، وهنا يأتي دور مشروع التخصيص العام.
* هل تعتقد أن المشاريع الصغيرة والمتوسطة ستحقق الإنقاذ ولماذا؟
نعم ! فيكفي الإشارة إلى أن بعض المشاريع الصغيرة قد تتحول لشركات كبيرة لاحقاً، كما أن هذه المشاريع تشجع عند شبابنا روح الإبداع والنشاط والاعتماد على النفس بعيداً عن التكدس الحالي في ممرات الوزارات في وظائف هامشية، ولذلك تستحق هذه المشاريع الدعم والمساعدة المدروسة، خصوصاً في الظروف الحالية عندما تعطلت أعمالها لأسباب خارجة عن إرادتها وتنفيذاً لتعليمات الجهات الصحية الحكومية الملزمة.
وعلى الصعيد نفسه يتوجب في تقديري إعطاؤها حصة من مشتريات ومقاولات الدولة والتي قد تستطيع تلك الشركات توفيرها.
* ما هي البدائل الاقتصادية لتوفير إيرادات للدولة غير النفط؟
- ليس هناك بديل لإيرادات النفط الهائلة ودورها في تمويل الميزانية العامة للبلد، لكن هناك مصادر مساندة يمكن إنشاؤها كي تضخ عوائد ملموسة في الاقتصاد الوطني، ويأتي على رأس تلك المصادر- كما ذكرت - مشروع التخصيص العام ومشروع المنطقة الشمالية، فهذان المشروعان سيخلقان مئات الشركات الوطنية الإنتاجية القوية الجديدة والقابلة للتمدد داخل وخارج الكويت، مثلما حدث عندما قامت الدولة من خلال هيئة الاستثمار بالخروج من العديد من الشركات، حيث تولد عن ذلك شركات كويتية عالمية في مجال البنوك والخدمات توافر سنوياً أرباحاً بعشرات الملايين تتدفق على الكويت من أعمالها في الخارج.
هل؟
وجّهت «الراي» مجموعة أسئلة جامعة إلى جميع ضيوف سلسة حواراتها، وذلك في مسعى لملء الفراغات المتعددة، التي أوجدتها الحالة الجدلية المشتعلة منذ فترة بين مختلف مكونات المجتمع، حول تشخيص القضايا الاقتصادية والتحديات المالية التي تمر بها الميزانية العامة في الوقت الحالي رغم وضوح خطورتها، وحدتها.
واختارت «الراي» الاستفهام بـ«هل» لتنطلق منه وفي كل مرة إلى أكثر الأسئلة تداولاً، وأكثرها تبايناً، وتستكشف الأجوبة، التي تأمل لها أن تتحول إلى منتج إعلامي، يُحفر في الذاكرة الجماعية لقرّائها. وهنا نستكمل الحوار مع علي البدر بـ«هل؟»:
* هل أنت مع قانون الدين العام ولماذا؟
- نعم.. الدين العام أداة ضرورية لتنظيم وضبط التدفقات النقدية للخزينة العامة، والأصل أن القانون الذي ينظم ذلك يضع البرلمان فيه الحد الأعلى لاقتراض الدولة ممثلة في وزارة المالية، ولا يضع شروطاً إضافية مثل تحديد فترة الاقتراض أو نوع القرض.
فذلك يعتمد على حجم إيرادات الدولة التي تتغير من وقت إلى آخر، وفترات احتياجاتها النقدية المستقبلية، ولا يتدخل القانون في تحديد مجالات استخدام مال القرض أو طريق سداده، باعتبار أن البرلمان هو الذي يحدد بنود الصرف بشكل تفصيلي، من خلال قانون الميزانية العامة السنوية.
* هل أنت مع مدينة الحرير ولماذا؟
- نعم برأيي أن مشروع المنطقة الشمالية «مدينة الحرير» يعد من أهم المشاريع الواعدة والضرورية لتعزيز مستقبل البلد والاقتصاد الوطني إن لم يكن أهمها. فيكفي الإشارة إلى أن «الحرير» يهدف إلى تحويل أراضي الدولة الجرداء الخالية إلى بيئة نموذجية تموج بمشاريع عالمية حيوية توافر عشرات الألوف من الوظائف المنتجة الجاذبة للأجيال القادمة، وتدر عوائد جيدة وضرورية للدولة والاقتصاد الوطني، فتحمي اقتصاد البلد من الهزات وتقلب أسعار النفط، وتدفع بتنمية الكويت بشكل واسع ومتقدم أسوة بدول الخليج الأخرى التي سبقتنا في هذا المجال.
* هل أنت مع الخصخصة ولماذا؟
- نعم يعتبر، في تقديري، مشروع التخصيص العام وإعادة هيكلة الميزانية العامة للدولة والذي أقره مجلس التخطيط منذ سنين، ومطروح على الحكومة ويتكرر منذ سنوات عدة آخرها يونيو 2018، هو المشروع الإصلاحي الأهم إن لم يكن الوحيد الممكن أمامنا لإخراج البلد من العواصف المالية والاقتصادية والسياسية التي تواجهنا حالياً.
فالتخصيص وتملك وإدارة المواطنين أنفسهم الجزء الأكبر من النشاط الاقتصادي هو عماد الاقتصاد الحر، وهو نهج اقتصادي سارت عليه مختلف الدول المتقدمة والنامية منذ عشرات السنين، فحققت تقدماً وتنمية واسعة النطاق أدت إلى تحسن قياسي في مستويات المعيشة لشعوبها، وتعزيز ملحوظ لاقتصادها وأمنها القومي، أما الدول التي تمسكت بهيمنة الدولة للاقتصاد تلاشت وانتهت مثل الاتحاد السوفياتي ودول أوروبا الشرقية.
والنموذج الكويتي المقترح من قبل مجلس التخطيط والمعروض على الحكومة منذ فترة طويلة يتضمن إدخال المواطنين كلهم وبمزايا جذابة في تملك وإدارة معظم الأنشطة الاقتصادية والخدمية الحكومية، فتدار تلك المؤسسات في شكل شركات مساهمة عامة وطنية قوية تدار على أساس اقتصادي محترف، ويمتلك المواطنون كافة من خلاله وبالتساوي الملايين من أسهمها الواعدة.
علاوة على شركات قادرة على النمو بأسلوب إداري متقدم حي حديث بعيد عن البيروقراطية الحكومية والتدخلات السياسية التي تقيد النمو والأداء وتعيق التوسع المطلوب ومنعت تنفيذ رؤية الكويت 2035 كمركز مالي وتجاري إقليمي رئيسي في المنطقة.
ومن خلال هذا المشروع توافر الدولة تأميناً صحياً وتعليمياً شاملاً يختار فيه المواطنون المدارس الأفضل لأولادهم والخدمات الصحية الأنجع لأسرهم. فيتطور التعليم وتتحسن الخدمات الصحية ويتراجع الهدر وتتقلص فرص الفساد والإفساد في أعمال الاقتصاد الوطني وأعمال الحكومة المالية.
ويتضمن هذا المشروع الإصلاحي الواسع النطاق أيضاً تحقيق مشاركة نقدية مباشرة لكافة المواطنين في الفوائض التي ستحققها تلك مشاريع التنمية والشركات الجديدة.
ولقد وضع هذا المشروع في المقام الأول من أهدافه وعملياته هدف توفير الوظائف الجديدة المنتجة لآلاف الكويتيين القادمين في السنوات القادمة إلى سوق العمل بما يحقق الاستفادة الأفضل من ثروة الكويت البشرية بدلاً من حرق جزء كبير منها في وظائف هامشية كما يحدث الآن.
وبتنفيذ هذا المشروع الرائد ستتقلص مسؤوليات الحكومة تجاه المجتمع وتنخفض بالتالي الأعباء الإدارية الهائلة الملقاة حالياً على عاتقها وصارت تنوء تحت ثقلها حالياً، وستتقلص معها كثيراً من نقاط التوتر بين السلطتين التي ظهرت خلال العقود الأخيرة، والتي أعاقت الكثير من جهود التنمية والتطوير.
وتركز الدولة بالتالي جهودها على القيام بمهامها السيادية الأساسية، وتدعم وتطور جهات الرقابة والتحفيز بما يضمن منع الاحتكار وتوافر معها الشفافية اللازمة وفرص المنافسة في أعمال تلك الشركات الجديدة.
وإذا نجحنا بإذن الله في البدء في تطبيق مشروع التخصيص العام ومشروع المنطقة الشمالية، فذلك سيكون الخطوة الأولى الصحيحة في مسيرة الإصلاح المالي والاقتصادي الشامل للبلد، وستبعث الأمل بين نفوس المواطنين كلهم بمستقبل مشرق لهم ولأولادهم، وستعود الكويت به إلى درب التنمية الحقيقي والفعّال، وتلحق بركب شقيقاتها من دول الخليج التي تتصدر حالياً برامج التنمية الناجحة في الشرق الأوسط.
* هل يمكن أن تفلس الكويت ولماذا؟
- لا.. هذا الأمر مستبعد نهائياً، ولا يمكن حدوثه إلا إذا أهملت الدولة معالجة التحديات المالية والاقتصادية التي تواجهنا، وتراجع سعر النفط إلى 20 دولاراً مثلاً، فتضطر إلى خفض حاد لمصروفاتها بما فيها الرواتب والدعم والمعونات الاجتماعية وتخفيض قيمة الدينار.
* هل أنت مع السحب من احتياطي الأجيال القادمة ولماذا؟
- لا.. لكن أنا مع الاقتراض من «الأجيال القادمة»، ففي الظروف الحالية للبلد وبعد أن تراجع التصنيف الائتماني للدولة فإن تكلفة الاقتراض ستتزايد إذا رغبت الكويت في الاقتراض، وقد تصل تلك التكلفة 4 في المئة، ولا جدوى من الاقتراض الأجنبي مع توافر أموال سائلة ملموسة لدى البلد في احتياطي الأجيال، وهي أموال مودعة لدى بنوك أجنبية أو مستثمرة في سندات دول أجنبية لا تدر حالياً أكثر من 1.5 في المئة، ويكون من الأفضل بالتالي استثمار تلك الأموال السائلة في إقراض الخزينة العامة، وذلك إلى أن يتحسن التصنيف الائتماني للدولة، وتتراجع تكلفة الاقتراض الأجنبي.
وكل ما يتطلبه الأمر هنا قرار استثماري تتخذه الهيئة العامة للاستثمار ضمن صلاحياتها الإدارية والاستثمارية كما فعلت خلال فترة إعادة الإعمار بعد التحرير. ويجب ألا ننسى هنا أن الاقتراض من الخارج ليس قرضاً حسناً نسدده متى نشاء أو نستطيع، بل التزام واجب الدفع على الدولة عند استحقاق سداده يتفوق على أي التزام آخر!
* هل تؤيد فرض ضرائب على الشركات والأفراد ورفع الرسوم ولماذا؟
- نعم الضريبة أداة أساسية في الإدارة المالية للبلد كما تخلق رقابة مطلوبة من المواطنين على أعمال الدولة ومصروفاتها، وتستطيع الدولة من خلالها تحفيز الاستثمارات الخاصة إلى المجالات الأكثر نفعاً لاقتصاد البلد، لكن الوقت الحالي غير مناسب. ففرض الضرائب في اقتصاد تملك الدولة فيه وتدير أكثر من 75 في المئة من الأنشطة الاقتصادية لن يكون مجدياً، باعتبار أن حصيلة هذه الضريبة ستكون هامشية، بل أن تكلفة تطبيقها قد تتجاوز حصيلتها! وفرضها يؤدي دائماً إلى ارتفاع أسعار الكثير من السلع والخدمات ويضر بالتالي بمستوى المعيشة العام.
لذلك من الأفضل تأجيل تطبيق نظام ضرائب واسع النطاق إلى أن يقوم لدينا اقتصاد وطني حر يملكه المواطنون فيوفر البيئة المناسبة للضرائب وذلك من خلال تطبيق مشروعي التخصيص العام و المنطقة الشمالية.
* هل تعتقد أن إجراءات الحكومة للتحفيز الاقتصادي كانت كافية؟
- لا.. لم يكن هناك تحفيز حقيقي، وأعتقد أن ما قدم لم يقدم ولم يؤخر على أرض الواقع، ولم يعالج الجروح الاقتصادية بسبب كورونا، فالتحفيز الرئيس المقدم كان استمرار دفع رواتب الموظفين، وفي موضوع المصاعب التي حلت بالشركات الصغيرة والمتوسطة، كان من المفروض أن توجه الدولة البنوك بضرورة دراسة حسابات أوضاع الشركات التي توقفت أعمالها، والنظر في حالاتها، وتقدير مدى الحاجة لدعمها تمويلياً، على أن تضمن الحكومة هذه القروض، لكن الدولة تأخرت لسنة كاملة، حتى خرجت بمشروع قانون الضمان الذي كان يتعين إقراره منذ سنة.
ولا ننسى أن لدى البنوك مصلحة في الإقراض، لكن للأسف الحكومة تأخرت كثيراً و ترتب على ذلك أن العديد من تلك المحلات ومشاريع المبادرين أصبحت مهددة بالإفلاس ومعروضة للبيع تحت ضغط التعثر.
وعلى صعيد آخر أعتقد أن التحفيز الأهم للاقتصاد وقد يكون الوحيد هو البدء بمشروع التخصيص العام والمنطقة الشمالية كما بيّنت والتي سيترتب على العمل بهما نهر هادر من التحفيز يجذب المواطنين ويشجع رؤوس الأموال الوطنية إلى الاستثمار التنموي الوطني ويسهم في عودة الكثير من الأموال التي هاجرت سابقاً بسبب قلة فرص الاستثمار في البلد.
* هل تؤيد سياسة التوظيف الحكومي للكويتيين أم يتعيّن أن يتوسع هذا الدور أكثر لدى القطاع الخاص بدعم حكومي؟
- لا.. وأعتبرها خاطئة، فأهم عنصر من عناصر ثروة الاقتصاد العامل البشري، مثل الثروات الطبيعية ورؤوس الأموال التي يتعين الاستفادة القصوى منها، لكن الحكومة ولسعة صدرها في تلبية المطالبات فتحت باب التعيين لدى مؤسساتها سواء التي تحتاج أم لا، دون أن تنتبه أن سياسة وضع موظف في مكان لا يحتاجه تقتل إبداعه وتحوله لعامل غير منتج، وفي ذلك حرق للثروه البشرية، على أن المشاريع الإصلاحيه المقترحة ستقضي على تلك الاختلالات.
* هل تعتقد أن فشل الحكومة في معالجة الأزمة الاقتصادية أنها تتعامل في الاقتصاد بنفس التردد الذي تتعامل به في السياسة وألا تعتقد أنه من الأفضل أن يكون لديها نهج اقتصادي ثابت بعيدة عن النهج السياسي ومصالحه المتغيرة؟
- للأسف.. لم يحالفنا النجاح في مجال الإصلاح المطلوب على مر العقود الماضية، والأمثلة كثيرة على ذلك، فالحكومة تحاول إصلاحاً ثم تفعل ضده ! مثل الإسراف في تأسيس الهيئات والهياكل الإدارية المكلفة التي لا حاجة لها.
أتفهم حقيقة أن الجانب السياسي في العمل الحكومي هو جانب رئيسي مهم، فنحن في دولة ديموقراطية لكنها تملك معظم الاقتصاد وإيراداته، ولدينا مجلس يمثل الناخبين الراغبين في استمرار كرم الدولة وتزايده دوما في الرواتب والعطايا والمنح.
إلا أننا كشعب وحكومة ومجلس يجب أن نفهم الواقع الذي نعيش فيه، وأننا بسبب تملك الدولة لمعظم الاقتصاد وتكفلها بكل مواطن من المهد إلى اللحد بينما أعداد الموطنين في تزايد مستمر يضاف عليه أمواج تجنيس لا حاجة لها، فتتضاعف المتطلبات المالية المطلوبة من الدولة، بينما نعتمد في ذلك كله على مصدر دخل واحد يتقلب بشكل خطر حسب ظروف لا نستطيع التحكم بها و النفط ثروة معدنية مثلها مثل غيرها ستنضب يوماً ما أو يتراجع الإقبال عليها، فصرنا كمن أوقع نفسه في حفرة و بدلاً من أن يحاول الخروج منها يستمر في الحفر أكثر!
ولا حل في مواجهة الوضع المالي الحرج إلا أن تقدم الحكومة مشروعاً إصلاحياً حقيقياً يجذب الناس و يثقون بأنه يضمن مستقبلهم ومشاركتهم العادلة في الاقتصاد، ويتقبلونه ويقبلون تحمل تكاليف الخروج من الحفرة إن لزم الأمر، وذلك من خلال مشروع يحقق مصلحة الاقتصاد والبلد.
وليس أمام الحكومة هنا إلا الإسراع بمشروع التخصيص العام ومشروع المنطقة الشمالية وخلاف ذلك من أفكار مثل محاربة الفساد ووقف الهدر ورفع أداء الإدارة الحكومية..،ألخ تظل شعارات مثالية غير واقعية أكل الدهر عليها وشرب منذ عقود عديدة، كما أنها تمثل تضييع لوقت ثمين نخسره صبيحة كل يوم، ونخسره بسرعه متزايدة.
* هل تؤيد الانفتاح على الأسواق العالمية ودعم جهود التكامل الاقتصادي بين دول الخليج؟
- طبعاً.
* هل التركيبة الحالية للحكومة ومجلس الأمة تسمح بتحقيق الإصلاح؟
- معظم أعضاء مجلس الأمة سيوافقون على مشاريع إصلاح يقبلها المجتمع، على أن يشارك المواطنون في النقاش بخصوصها، والظروف الحالية قد تكون معيقة، لكنها قد تدفع في الوقت نفسه الحكومة ومجلس النواب لبدء الإصلاح الحقيقي الذي نسعى إليه، فإعلان الدولة لمشروعي التخصيص العام والمنطقة الشمالية وشرح تفاصيلها وبيان المزايا والعوائد المالية التي سيحصل عليها المواطنون سيؤدي في تقديري إلى اقتناع وطني شامل بأهمية مشاريع الإصلاح، بما يضمن فرص اعتمادها من قبل الحكومة والمجلس.
لا لتقزيم قدرات «البترول» المالية
حول ما إذا كان يتعين على مؤسسة البترول تحويل أرباحها المحتجزة للدولة ولماذا؟ يقول البدر «لا يوجد في أصول المحاسبة بنداً اسمه الأرباح (المحتجزة)! والاسم الصحيح هنا هو الأرباح المرحّلة، فنمو الشركات يعتمد بشكل رئيسي على إعادة استثمار الجزء الأكبر من أرباحها السنوية في مشاريع النمو والتوسع، خصوصاً في الشركات الصناعية التي تحتاج عادة إلى أموال ضخمة ترفع قدرتها الصناعية، والإنتاجية، وتعتبر الأرباح المرحّلة جزءاً أساسياً من رأسمال الشركة ويعتمد عليه تقييمها الائتماني».
ويضيف «مؤسسة البترول هي أكبر مؤسسة صناعية في الكويت ويعتمد الاقتصاد الكويتي بل الدولة والأمة كلها على قدرتها الإنتاجية وتنميتها وإيراداتها، ولذلك يجب أن نتفادى تقزيم قدراتها المالية الأساسية، بل يجب العمل على إعادة استثمار كل أرباحها في ترسيخ قدراتها وقوتها، ويكفي الخزينة العامة هنا إيرادات بيع النفط الخام ومشتقاته».
ويتابع «هناك بالطبع ملاحظات على أداء المؤسسة خلال العقود الماضية، فلم تنجح مثلاً من زيادة قدرتها الإنتاجية، فلا يزال إنتاجها أقل من 3 ملايين برميل يومياً، وهو السائد منذ أكثر منذ سنوات عديدة، وأتى أداء مشاريعها التوسعية متواضعاً، ولا تزال تكلفة الإنتاج عندها عالية».
ويشير إلى أنه يجب أن تكون معالجة هذه الملاحظات برفع قدراتها الإدارية والفنية وتطوير نهج الإدارة فيها وليس من خلال اضعاف قدراتها المالية الرأسمالية، وهناك بدائل ناجعة ومجربة لتحقيق ذلك من خلال مشروع التخصيص العام.
تعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}