جلاسكو 2021.. هل تكون نقطة تحول تاريخية لقضية المناخ أم مجرد قمة أخرى؟
تنعقد قمة "جلاسكو" للمناخ هذا العام في بريطانيا وهي القمة السادسة والعشرون، وهي أيضا القمة الواقعة في المنطقة الملتهبة بين مطرقة مخاطر التغير المناخي وسندان الشكوك المتزايدة المحيطة بالاعتمادية على الطاقة المتجددة، حيث شهد العالم في الشهور الأخيرة نوعين من التغيرات العنيفة والأزمات القاسية، أولهما يدعم مخاوف العالم من آثار التلوث على صحة الإنسان وعلى الإنتاج الزراعي، وثانيهما يُناقضه ويدعم شكوك البعض تجاه مدى إمكانية الرهان على الطاقة النظيفة أو القدرة على التخلي عن الصناعات الملوثة.
عودة إلى الفعالية الحادية والعشرين في باريس 2015، كان هناك زخم كبير ساعد على بروز اتفاقية ملزمة للبلدان المشاركة بالحفاظ على الاحتباس الحراري عند درجتين ثم درجة ونصف، فيما سمُي لاحقاً بـ"اتفاق باريس"، وفي فرنسا اتفقت الأطراف المشاركة من الدول كافة على أن تأتي بعد خمسة أعوام بخطط محدثة توضح فيها ما قدمت وأنجزت في سبيل تخفيض الانبعاثات لديها، ومن هنا تكمن أهمية قمة "جلاسكو 2021".
ماذا يعني الرمز 26-COP؟
يرمُز الاسم المختصر للقمة COP إلى "مؤتمر الأطراف" وهم الأطراف المعنيون في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، والتي تم إبرامها سنة 1994 وفيها 197 طرفا وهم مُقسمون إلى 196 دولة والاتحاد الأوروبي، ومؤتمر سنة 2021 الذي تستضيفه المملكة المتحدة، إلى جانب إيطاليا، في "جلاسكو – أسكتلندا" هو الاجتماع السادس والعشرون لهذه الأطراف، ومن هنا جاءت التسمية COP26.
الطريق إلى قمة جلاسكو 2021
هناك عدة فعاليات ومناسبات مهمة سبقت قمة العمل المناخي 26، والتي شاركت فيها طواقم عمل من المملكة المتحدة لاستغلالها لصالح تحقيق أهداف قمة العمل المناخي، وبالتالي كانت قمة "جلاسكو" تتويجاً لعمل مُضنٍ وكبير من جانب الرئاسة البريطانية للقمة على مدى سنتي 2020 و2021، حتى تسليم الرئاسة في قمة العمل المناخي 27 في نهاية 2022 التي ستؤول إلى دولة إفريقية حسبما ينص عليه نظام الأمم المتحدة حول الترتيب الإقليمي.
الطريق إلى قمة جلاسكو 2021 / قمة العمل المناخي 26 |
||
م |
الحدث/الفعالية |
الفترة الزمنية خلال عام 2021 |
1 |
الاجتماع الوزاري حول المناخ والتنمية |
30 مارس |
2 |
قمة الزعماء حول المناخ |
22 – 23 أبريل |
3 |
حوار بيترسبرغ حول المناخ |
6 – 7 مايو |
4 |
اجتماع قمة الشراكة لأجل النمو الأخضر والأهداف العالمية |
30 – 31 مايو |
5 |
الاجتماع الوزاري الثاني عشر حول الطاقة النظيفة |
31 مايو |
6 |
مؤتمر الأمم المتحدة حول تغير المناخ |
31 مايو - 27 يونيو |
7 |
قمة زعماء مجموعة السبع |
11 – 13 يونيو |
8 |
الجلسة الرابعة والخمسون للجنة الحكومية المعنية بتغير المناخ |
26 يوليو – 6 أغسطس |
9 |
أسبوع المناخ في مدينة نيويورك |
20 – 26 سبتمبر |
10 |
اجتماع شباب من أجل المناخ 2021 |
28 – 30 سبتمبر |
11 |
اجتماع ما قبل قمة العمل المناخي 26 |
30 سبتمبر – 3 أكتوبر |
12 |
مؤتمر الأمم المتحدة حول التنوع البيولوجي |
11 – 24 أكتوبر |
13 |
قمة الاستثمار العالمية: العمل معا لبناء مستقبل أخضر |
19 أكتوبر |
14 |
مؤتمر الأمم المتحدة للشباب حول تغير المناخ |
28 – 31 أكتوبر |
15 |
قمة العمل المناخي 26 |
31 اكتوبر – 12 نوفمبر |
أسباب تدعو للتشاؤم
دائما ما تتسم قمم المناخ التي تنظمها الأمم المتحدة بقلة النجاحات وضعف النتائج بحسب الكاتب في بلومبرج "ديفيد فيكلينج"، لكن بغض النظر عن تشاؤمية "فيكلينج" المفرطة، إلا أن المشكلة الحقيقية لمؤتمر العام الجاري هي أنه يتزامن مع جائحة كورونا التى أضرت بمليارات البشر وتسببت في توقف أرزاق الملايين وأضعفت الحكومات التى ركزت جهودها على التعافي الصحي والاقتصادي حتى ولو كان على حساب المناخ والبيئة، مما ضاعف من بطء مواجهة التغير المناخي، وهو ما يجعل البيئة المحيطة بمكافحة التغير المناخي غير مواتية على الإطلاق.
كما أن قمة "جلاسكو 2021" تنعقد أثناء انشغال العالم وخاصة أوروبا بأزمة طاقة غير مسبوقة منذ عقود، حتى إن البلد المستضيف للقمة وهي المملكة المتحدة نفسها عانت ولا تزال تعاني طوابير الوقود ونقص البنزين وتباطؤ توربينات الرياح في بحر الشمال وارتفاع تكلفة مزيج الطاقة الكهربائية، ليس في لندن فحسب بل في كل أوروبا.
ما المقصود بخفض الانبعاثات بمقدار 1.5 درجة مئوية؟
أي السيطرة على ارتفاعات الاحترار العالمي بما لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية على خط أساس يعبر عنه بالحرارة التى كان عليها الكوكب قبل الثورة الصناعية منتصف القرن التاسع عشر، أي إن الهدف ليس خفض الاحترار وإنما السيطرة على ارتفاعاته كي لا تخرج عن السيطرة وتتجاوز القدرة على احتواء آثارها.
أسباب تدعو للتفاؤل
وعلى الرغم من الجائحة وأزمة الطاقة وشكوك الاعتمادية على الطاقة النظيفة، لكن حوالي 70 % من الاقتصاد العالمي أصبح مشمولاً اليوم بأهداف خفض الانبعاثات الكربونية إلى الصفر، وذلك مقارنة بأقل من 30% عندما استلمت المملكة المتحدة رئاسة قمة العمل المناخي 26.
دول أعلنت مستهدفاتها للوصول إلى صفر انبعاثات |
|
الدولة |
السنة المستهدفة |
أوروجواي |
2050 |
فنلندا |
|
النمسا |
|
أيسلندا |
|
ألمانيا |
|
السويد |
|
الأرجنتين |
|
بلجيكا |
|
البرازيل |
|
بلغاريا |
|
كندا |
|
تشيلي |
|
كولومبيا |
|
كوستاريكا |
|
كرواتيا |
|
الدنمارك |
|
فرنسا |
|
اليونان |
|
أيرلندا |
|
إيطاليا |
|
اليابان |
|
لوكسمبورج |
|
المكسيك |
|
هولندا |
|
نيوزيلندا |
|
النرويج |
|
باراجواي |
|
بيرو |
|
البرتغال |
|
رومانيا |
|
كوريا الجنوبية |
|
جنوب إفريقيا |
|
إسبانيا |
|
الإمارات |
|
سويسرا |
|
الولايات المتحدة |
|
المملكة المتحدة |
|
الصين |
|
السعودية |
2060 |
الهند |
2070 |
أستراليا |
2050-2100 |
سنغافورة |
أمر غير منطقي
الدول الصناعية الكبرى في مؤتمر "جلاسكو" اليوم وفي كلمات رؤساء وزعماء العالم المتقدم، أخذوا يرددون عبارات أخلاقية وإنسانية تخاطب الضمير العالمي في الوقت الذي تقف دولهم الصناعية مسؤولة وحدها عن 80% من انبعاثات العالم الكربونية، أي إن حوالي 20 دولة حول العالم مسؤولة عن معظم الكارثة وتقف لتعطي دورساً وعظات لأكثر من 180 دولة أخرى لم ترتكب أي خطأ!
مشكلة التمويل
مسؤولية الدول الغنية الصناعية عن أكثر من 80% من تدهور صحة الكوكب، وضعت على كاهلها مسؤولية أخلاقية أدت في النهاية بعام 2009 إلى اتفاق عالمي يقود إلى سداد وتوفير تمويلات بقيمة 100 مليار دولار سنوياً حتى 2020 تذهب لصالح الدول الفقيرة منخفضة الدخل التي تتحمل تبعات التغير المناخي رغم أنها لم تقترف أي ذنب ولم تساهم في هذه الانبعاثات.
لكن الدول الغنية لم تلتزم كليةً بسداد هذه المبالغ، ولم ترتقِ لرقم الـ 100 مليار دولار في أي عام من الأعوام الماضية، بل والأسوأ من ذلك أنها كانت أغلبها في شكل قروض وليست منحًا لا ترد أو هبات، مما رفع الأعباء على الدول الفقيرة التي تسعى لرفع دخل مواطنيها وتحسين مستوى معيشتهم كأولوية قبل أن تلتفت إلى المناخ وصحة الكوكب.
من ناحية أخرى أعلنت رئاسة قمة "جلاسكو 2021" سعيها نحو الالتفات إلى هذه المشكلة والتفاوض وخوض المناقشات الصعبة والمرهقة لضمان تحقيق المبلغ المستهدف في الأعوام القليلة القادمة، وأطلقت على هذه الخطة: Delivery Plan , meeting the US$100 Billion Goal أو خطة الالتزام، تحقيق هدف الـ 100 مليار دولار.
تحالف جلاسكو المالي
ترى رئاسة قمة جلاسكو هذا العام حتمية أن يتغير الاقتصاد العالمي بكامله، حيث سيتعين على كل الشركات والبنوك وشركات التأمين وصناديق الاستثمار تعديل أساليب عملها، وتطوير وتنفيذ خطط واقعية للانتقال إلى اقتصاد أقل في الانبعاثات عبر تمويل مشروعات أقل تلويثاً ودفع الحلول الاستشارية والمالية للشركات الناشئة والابتكارية التي تنشط في مجالات الطاقة النظيفة والمماثلة لها.
وبحسب بيانات القمة، ولتشجيع القطاع المالي على فعل المزيد، أطلقت رئاسة قمة العمل المناخي تحالفاً اقتصادياً سمَّته: "تحالف جلاسكو المالي"، وهو التحالف الذي يضم ما يزيد على 160 شركة ومؤسسة مالية وبنك وصندوق، وهي مسؤولة بمجموعها عن إدارة أصول تزيد على 70 تريليون دولار.
وجهة نظر الدولة المستضيفة
عينت المملكة المتحدة "الوك شارما" رئيساً معيناً لقمة العمل المناخي الـ 26 هذا العام، ويمكن تلخيص رؤية بلاده كدولة مستضيفة في كلماته التالية:
- الدول الصناعية مُلزمة بحل مشكلة هي التي خلقتها أساساً.
- سبب إصرارنا على أن تكون القمة حضورية هذا العام هو ضمان سماع أصوات الدول النامية.
- يتعين على الدول الغنية الالتزام بمبلغ الـ 100 مليار دولار سنوياً.
- لا يمكننا في سنة 2029 أن نقرر فجأة خفض انبعاثات الكربون، الأمور تحتاج إلى تحضير مبكر.
- الأجيال القادمة إما ستنظر لنا بسخط أو بإعجاب، لذا علينا اغتنام الفرصة التاريخية.
ماذا عن تاريخ الدول المستضيفة في مكافحة التغير المناخي؟
أرقام وإحصاءات عن التزام المملكة المتحدة بتقليل الانبعاثات ومكافحة التلوث |
|
النمو الاقتصادي آخر 30 عاما |
78 % |
نمو الانبعاثات الكربونية آخر 30 عاما |
(44 %) |
نسبة مساهمة الفحم في 2012 في مزيج الكهرباء |
40 % |
نسبة مساهمة الفحم في 2021 في مزيج الكهرباء |
2 % |
عام الالتزام بالتوقف عن استخدام الفحم في إنتاج الكهرباء |
2024 |
عام الالتزام بالتوقف عن بيع سيارات الديزل |
2030 |
كيف تؤثر تغيرات المناخ على حياتنا؟
- العواصف والفيضانات والانهيارات الطينية تدمر المنازل والأراضي الزراعية.
- تلوث الهواء يؤذي صحة الملايين ويؤدي إلى وفاة الآلاف سنوياً.
- التقلبات الجوية غير المتوقعة تتسبب في ضرر في مصادر أرزاق الناس.
- الجفاف والاحترار غير المتوقع يتسبب في تراجع الإنتاجية الزراعية مما يرفع الأسعار.
- الظواهر المناخية غير المتوقعة والخارجة عن المألوف تؤذي الحيوانات وتتسبب في انقراض بعض الأنواع أيضا.
أولويات قمة جلاسكو
وقف استخدام الفحم في الكهرباء، إنهاء تشغيل مركبات الديزل، جعل الزراعة أكثر استدامة، وقف اجتثاث الغابات ودعم الدول النامية بالتمويل، هذه هي أهداف المملكة المتحدة خلال القمة وحتى الأشهر الستة القادمة.
الفحم هو أكثر عنصر هيدروكربوني ملوث للمناخ لذا فالتركيز على إنهاء العمل به أولوية ورئاسة القمة تخاطب بهذا الحديث أكثر الدول المستهلكة له: الصين والهند والولايات المتحدة.
إذن خلاصة مستهدفات قمة "جلاسكو 2021" هي التركيز على الأولويات الحاسمة والفرصة التاريخية السانحة التي لا تأتي إلا مرة كل عدة أجيال، من خلال الحفاظ على الغابات التي تلعب دوراً حيوياً في تنقية الهواء من الكربون، أيضا تهدف القمة إلى تنظيف الهواء عن طريق التحول إلى قيادة السيارات التي لا تتسبب في أي انبعاثات كربونية.
إضافة إلى استهداف القمة لدعم الدول منخفضة الدخل الأكثر عرضة لتأثيرات تغير المناخ من أجل وضع المزيد من الخطط وتوفير التمويل لتحسين أنظمة الإنذار المبكر، والدفاعات ضد الفيضانات، وتأسيس بنى تحتية وزراعة محاصيل أكثر قدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ، من أجل تلافي المزيد من الخسائر في أرواح وأرزاق الناس، وفي حال تحقيق هذه الأهداف خلال العقد الحالي تكون هذه القمة باكورة تحول تاريخي في الحرب العالمية لمكافحة التغير المناخي.
المصادر: أرقام - ukcop26 – Bloomberg – climatechangenews – carbonbrief – ourworldindata – epa – theconversation – worldometers.
تعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}