نبض أرقام
12:19
توقيت مكة المكرمة

2024/07/11

العملات المشفرة .. تطور مهم للتكنولوجيا أم باب خلفي لازدهار الجريمة عبر الإنترنت؟

2022/10/20 أرقام - خاص

كانت موظفة خدمة العملاء الأمريكية "تشو فو" البالغة من العمر 33 عاما والتي تقيم في ولاية "ماريلاند" الأمريكية تتواصل مع شخص يدعي "تشي تشاو" من خلال تطبيق، ثم سرعان ما أعجبت به ليتبادلا الرسائل عبر "واتس آب"، بدا الرجل وكأنه شخص يمكن الاعتماد عليه، دعاها بالأميرة الصغيرة وكان يرسل إليها تذكيرا بشرب كمية كافية من الماء، بعد أشهر وعلى الرغم من عدم لقائهما شخصيا، كانا يتحدثان عن مكان شراء منزل للزواج وعدد الأطفال الذين سينجبونهما.

 

ولتمويل تكاليف حياتهما معا، شجع "تشاو" السيدة "فو" على الاستثمار في بتكوين، وسرعان ما راقتها المكاسب الهائلة للاستثمار. وطمأنها "تشاو" إلى أنها تشتري بتكوين عبر منصة "Coinbase" وهي بورصة للعملات المشفرة في الولايات المتحدة، قبل أن يشجعها "تشاو" على الانتقال لموقعه المفضل.

 

لكن حينما قررت "فو" سحب مكاسبها، أدركت أن "تشاو" كان محض خيال وكذلك موقع التداول الذي شجعها على الانتقال إليه. فتلك الأصول المشفرة أُرسلت إلى فريق من المحتالين المحترفين إذ إن "فو" وقعت ضحية لما يسمى بالرومانسية المشفرة حيث يقضي المجرمون أسابيع أو شهورا في كسب ثقة الضحايا. تقول "فو" إنها خسرت نحو 306 آلاف دولار بما في ذلك استثماراتها والمدفوعات الإضافية التي قيل لها إنها رسوم وضرائب من خلال البورصة المزيفة.

 

هناك العديد من ضحايا الرومانسية المشفرة لدرجة أنهم شكلوا مجموعة للدفاع عنهم، وهي المنظمة العالمية لمكافحة الاحتيال (GASO) والتي قالت في العام الماضي إن عمليات الاحتيال في هذا المجال وحده بلغت 73 مليون دولار.



لكن الرقم يرتفع عن ذلك وفقا لتقرير لجنة التجارة الفيدرالية الأمريكية التي حددت قيمة خسائر ضحايا الاحتيال الرومانسي بنحو 139 مليون دولار. لكن هذا نوع واحد فقط من الاحتيال المرتبط بالعملات المشفرة، وتقول لجنة التجارة الفيدرالية إن أكثر من 46 ألف عميل أبلغوا عن خسارة أكثر من مليار دولار في الفترة بين أول يناير 2022 و31 مارس 2022 في عمليات احتيال مختلفة ترتبط بتلك العملات.

 

صور مختلفة للاحتيال

 

عمليات الاحتيال بالعملات الرقمية تؤدي إلى ازدهار الجريمة عبر الإنترنت، وتتنوع أشكالها من الاحتيال الرومانسي إلى الخداع الاستثماري واختراق المحافظ الرقمية والمخططات الهرمية، وهجمات برامج الفدية وحتى سرقات الفن الرقمي، قد تكون الأساليب مختلفة، لكن أينما وجدت ضحية لجرائم الإنترنت فمن المحتمل أن تكون العملات المشفرة متورطة.

 

فوفقا لتقرير صادر عن شركة الأبحاث "Chainalysis" التي تتعقب حركة العملات المشفرة عبر الإنترنت، جرى إرسال 14 مليار دولار من العملات المشفرة إلى محافظ "غير مشروعة" في 2021، وهو ثلاثة أضعاف الرقم المسجل في 2017، لكن المدافعين عن العملات المشفرة يقولون إن كل هذه الأنشطة لا تمثل سوى 0.15% فقط من جميع تعاملات العملات المشفرة.

 

تتنوع أشكال الاحتيال الأخرى، فمنها جذب المستثمرين لشراء أحد الأصول الرقمية بادعاءات مزيفة حول قيمته أو محاولات صريحة لسرقة الأصل الرقمي من خلال قرصنة المحفظة الرقمية لشخص ما أو دفع المستثمر لإرسال أصل رقمي كطريقة دفع مقابل معاملة احتيالية. الهدف دائما ما يكون التلاعب بالضحايا من أجل الكشف عن البيانات الشخصية أو نقل الأصول الرقمية القيمة مثل الرموز غير القابلة للاستبدال (NFTs) إلى حساب الجاني.



 

تنطوي خدع الاستثمار مثلا على جهة فاعلة تحث الناس على إرسال عملاتهم المشفرة إلى المحتال مع وعود بتحقيق مكاسب ضخمة.

 

يمكن للمحتالين أن يلعبوا أدوارا مختلفة مثل مدير الاستثمار أو أحد المشاهير، أيا كان الدور فإنهم يعدونك بزيادة قيمة استثماراتك إذا قمت بتحويل عملاتك المشفرة إليهم.

 

تشمل خدع الاستثمار أيضا مخططات أخرى من بينها أن يحثك المحتال على شراء عملة مشفرة غامضة "بسعر منخفض" مع وعد بأن قيمة الأصل سترتفع بقوة، وعندما تشتري يرتفع السعر بالفعل، وعند هذه اللحظة يتخلص المحتال من حيازته من العملة عند الرقم الجديد المرتفع مما يؤدي لانهيار السعر ويتركك أنت وضحايا آخرين تكابدون الخسارة.

 

عندما يتعلق الأمر بهجمات مثل برامج الفدية، فإن الأضرار تتزايد بسرعة. ففي فبراير، ضخت شركة "جامب تريدنج" ومقرها "شيكاغو" 320 مليون دولار لإنقاذ منصة التشفير المملوكة لها "Wormhole" بعد عملية اختراق ضخمة. وفي الوقت نفسه، يؤدي اندفاع المستثمرين كل يوم إلى العملات المشفرة لخلق ثروة جديدة من الأهداف. ويفضل القراصنة العملات المشفرة لأنه من المفترض أنه من الصعب تتبعها.

 

المشكلة أيضا لم تعد في الاحتيال لسرقة العملات المشفرة وهو المجال الرقمي الخالص الذي يبرع فيه القراصنة، لكن باتت العملات المشفرة وسيلة مفضلة للقراصنة للتعامل. ففي مايو 2021، شن قراصنة هجوما إلكترونيا على شركة "كولونيال بايبلاين" التي تدير أكبر شركة لأنابيب البنزين في الولايات المتحدة وهو الشبح الذي كان يخشاه المسؤولون الأمريكيون منذ زمن. واضطرت الشركة وقتها لتعطيل عملياتها لمدة ستة أيام مما أدى إلى مشتريات مذعورة ونقص في الإمدادات وزيادة في أسعار البنزين. ودفعت الشركة فدية قدرها 75 بتكوين، أو ما يعادل نحو 4.4 مليون دولار بأسعار ذلك الوقت.

 

تشكل عمليات القرصنة أيضا خطرا متزايدا على القطاع نفسه وتطوره، ففي عام 2014 أعلنت "Mt. Gox" -وهي إحدى أكبر بورصات تداول العملات المشفرة حينذاك- إفلاسها بسبب تعرضها لعمليات قرصنة.

 

استهداف العملات المشفرة النشاط المفضل

 

استهداف العملات المشفرة نفسها يبدو النشاط الأبرز للجرائم المرتبطة بها، فمنذ بداية العام الجاري حتى أكتوبر، بلغت قيمة عمليات السرقة ما يقرب من ثلاثة مليارات دولار عبر نحو 125 عملية قرصنة، ما يضع العام الجاري على مسار تسجيل رقم قياسي لقيمة عمليات قرصنة العملات الرقمية بحسب تحليل أجرته "Chainalysis" الشركة المتخصصة في تكنولوجيا سلاسل الكتل.

 

تتمثل معظم الأهداف في بروتوكولات التمويل اللامركزي (DeFi)، والتي تضع خوارزميات قائمة على تطبيقات لتمكين المستثمرين في العملات المشفرة من التداول والاقتراض والإقراض بناء على سجل رقمي بدون استخدام وسيط مركزي.

 

تشير التحليلات إلى أن القراصنة باتوا بارعين في استغلال نقاط الضعف في مجال التأمين وكتابة الرموز البرامجية وهياكل الأسواق المعتمدة على بروتوكلات التمويل اللامركزي. يشكل هذا عبئا على الشركات العاملة في مجال العملات المشفرة لإيجاد حلول بالنظر إلى أن تلك البروتوكلات مهمة لتبني العملات المشفرة.

 

 

وقالت "Chainalysis" إن أكتوبر هو أكبر شهر شهد نشاطا لقراصنة العملات الرقمية منذ بداية العام، وأضافت الشركة أن النواقل الرابطة بين سلاسل الكتل تمثل نقطة ضعف أيضا.

 

أثارت أحدث عملية سرقة قلقا في القطاع، وشهدت قيام أحد القراصنة بالاستيلاء على 100 مليون دولار من "Mango Markets" وهي منصة تداول وذلك عبر التلاعب بسعر أداة الرمز. واستولى السارق على أموال جميع الموعدين على المنصة في هذه العملية.

 

وجمع القراصنة ما يزيد على 1.7 مليار دولار من أكبر 10 عمليات احتيال هذا العام فقط.

 

يفترض الكثيرون أن العملات المشفرة شائعة بين المجرمين لأنه يتم تحويلها بشكل مجهول، لكن من الناحية العملية يمكن تتبع العملات الرقمية الرئيسية مثل بتكوين وإيثر بشكل كبير. يتم تسجيل كل معاملة بشكل دائم على قاعدة سلاسل كتل "بلوكتشين" عامة، وهي قاعدة بيانات لامركزية. وعلى الرغم من عدم وجود أسماء حقيقية، يصبح المجرمون عرضة للخطر عندما يحاولون صرف العملات المشفرة بالدولار أو اليورو أو بأي عملة رقمية تقليدية أخرى.

 

ذلك لأن استبدال العملات المشفرة بأموال ورقية يتطلب عملية مبادلة تجري عبر بورصات مثل "كوين بيس" أو "بينناس". تخضع تلك البورصات لقواعد تنظيمية في العديد من البلدان بما في ذلك الولايات المتحدة، وهي مطالبة بجمع معلومات حول مستخدميها. وباستصدار أمر قضائي يمكن إجبار تلك البورصات للإفصاح عن أسماء عملائها.

 

يقول "بن هاملتون" محقق الطب الشرعي الذي يتعقب المحتالين الماليين لدى شركة إدارة المخاطر "Kroll" إن ثمة شعورا زائفا بالأمان بين مجرمي العملات المشفرة حول صعوبة تعقبهم.

 

لكن في عالم الواقع يختلف الأمر، إذ استطاعت وزارة العمل الأمريكية في الآونة الأخيرة توجيه الاتهام لشخصين قاما بغسل ما قيمته 4.5 مليار دولار من بتكوين من خلال اختراق بورصة "Bitfinex" في عام 2016 بعد تتبع العملات من خلال شبكة معقدة من سجلات المعاملات. وتراقب شركات مثل "Chainalysis" عناوين المحافظ التي تحوي أموالا مسروقة من عملية القرصنة التي تعرضت لها "Wormhole" مما يعني أن الجناة قد يجدون صعوبة في صرف تلك الأموال.

 

استرداد الأموال أكبر المعوقات

 

 

تتمثل المشكلة الأكبر في استرداد الأموال. فعند استخدام العملات التقليدية، غالبا لا تتضمن التحويلات الدولية نقل أية أموال، لذا يمكن ببساطة للبنوك أن تعدل سجلاتها الخاصة بمن يملك ماذا، وبالتالي يمكن وقف التحويل أو التراجع عنه.

 

من ناحية أخرى، فإن تحويل بتكوين عملية آلية ومن المستحيل تقريبا التلاعب بها. فأدوات الرمز (Tokens) يمكن نقلها عبر الحدود دون الحاجة إلى إذن خارجي، كما أن جميع التحويلات غير قابلة للإلغاء تماما. فإذا خدع أحد المحتالين ضحية ودفعه لإرسال عملات رقمية إليه، أو تمكن من السيطرة على محفظة شخص ما وأرسل أمواله إلى مكان آخر، فلا توجد مؤسسة مركزية توقف عملية التحويل أو تعكس مسارها.

 

تكافح السلطات، المقيدة بشكل عام بالحدود الإقليمية والوطنية، من أجل أن تظل قادرة على التعامل مع تلك الجرائم. ويقول مراقبون إن الشرطة غالبا ما ترفض متابعة الجرائم التي تقع خارج منطقتهم الجغرافية، وبالكاد يفهم البعض ماهية العملات المشفرة.

 

وتشير بيانات "Chainalysis" إلى أن عمليات غسل الأموال المشفرة يتركز بشكل كبير في عدد قليل من البلدان التي لا تحوي قواعد تنظيمية في هذا الشأن وخاصة روسيا أو في البورصات التي تحجب مواقعها.

 

يشير ذلك إلى الحاجة لتعاون دولي، إذ يجب أن تتفق الدول على معايير دولية لإدارة تدفق العملات المشفرة غير المشروعة، وبذلك يمكن للحكومات أن تضع قواعد منظمة لمحافظ العملات المشفرة كما هو الأمر بالنسبة للحسابات المصرفية، مما يسمح للبورصات بوضع محافظ محددة في قائمة سوداء بناء على مدى امتثالها لتلك القواعد، بينما يمكن للبنوك حظر التحويلات من وإلى البورصات المشكوك في تعاملاتها.

 

المصادر: أرقام- بلومبرج- تايم- فوربس

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة