نار الصراعات والحروب .. مكاسب ضخمة لأسهم شركات الدفاع العالمية

في عالم تتزايد فيه القوى المتصارعة والتوترات الجيوسياسية، تبرز أسهم شركات الدفاع والأسلحة كوجهة مغرية للمستثمرين الباحثين عن تحقيق الأرباح وزيادة قيمة محافظهم المالية.

ومنذ عام 2022 شهد السلم والأمن الدوليان تهديداً في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي أشعل أكبر صراع في القارة الأوروبية منذ الحرب العالمية الثانية، وأجبر الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها على التحرك بشكل سريع من أجل الضغط على روسيا للانسحاب.

تبع ذلك اندلاع الحرب في قطاع غزة خلال أكتوبر عام 2023، وحدوث مواجهات عسكرية محدودة -حتى الآن- بين كل من إيران والكيان الصهيوني، وسط مخاوف من اتساع نطاق الحرب.

وبينما يهتز اقتصاد العالم تحت وطأة الصراعات والتهديدات الأمنية المتصاعدة، تواصل أسهم شركات الدفاع صعودها القوي مدفوعة بزيادة الإنفاق العسكري العالمي للعام التاسع على التوالي مسجلاً أعلى مستوى له في التاريخ، بحسب معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام.

للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام

تصاعد الإنفاق العسكري يعكس حجم التوترات

رغم انخفاض عدد الدول التي شهدت نزاعات مسلحة من 55 دولة في عام 2022 إلى 52 دولة في عام 2023، فإن عدد الوفيات الناجمة عن النزاعات المسلحة في جميع أنحاء العالم ارتفع ليبلغ 170.7 ألف في عام 2023 مقابل 153 ألفاً خلال العام الماضي، وهو أعلى مستوى له منذ عام 2019.

وفي عام 2023، كانت هناك أربعة نزاعات مسلحة كبرى مصنفة كحروب (تخطت فيها حصيلة الوفيات 10 آلاف خلال سنة)، وهي الصراعان الداخليان في ميانمار والسودان، والحرب الدائرة في غزة بجانب استمرار المواجهات بين روسيا وأوكرانيا.

كما ارتفع عدد النزاعات المسلحة العنيفة -التي تتراوح حصيلة الوفيات فيها بين ألف وأقل من 10 آلاف- من 17 في عام 2022 إلى 20 خلال السنة الماضية.

استمرار تلك الصراعات أدى لارتفاع الإنفاق العسكري العالمي ليتجاوز 2.4 تريليون دولار في عام 2023، أي بزيادة قدرها 6.8% على العام السابق، وهي أكبر نسبة ارتفاع له منذ عام 2009.

ونتيجة لذلك، ارتفع الإنفاق العسكري الدول، حيث خصصت الحكومات في جميع أنحاء العالم متوسط 6.9% من ميزانياتها على القطاع العسكري أو ما يقدر بـ306 دولارات أمريكية للشخص الواحد.

وزاد الإنفاق العسكري في جميع القارات الخمس للمرة الأولى منذ عام 2009، حيث تصدرت القارة الإفريقية هذه الزيادة، بارتفاع بلغ 22%، بينما كانت أقل زيادة في الأمريكتين بنسبة 2.2%.

وظلت الولايات المتحدة أكبر دولة منفقة في العالم بفارق كبير، إذ وصل إنفاقها العسكري إلى 916 مليار دولار، أي أكثر من ثلاثة أضعاف الصين ثاني أكبر دولة أنفقت على هذا القطاع، الذي بلغ 296 مليار دولار في 2023.

كما ارتفع الإنفاق العسكري في 39 من أصل 43 دولة في أوروبا، إضافة إلى 10 دول من أصل 28 أعضاء في حلف شمال الأطلسي )الناتو)، وصل أو تجاوز إنفاقها العسكري الهدف المحدد والبالغ 2% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2023، وهو أكبر عدد منذ تحديد تلك النسبة في عام 2014.

مكاسب قوية لأسهم الشركات الدفاعية

منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022، ارتفعت أسهم شركات الدفاع والأسلحة بنحو 48% حتى نهاية سبتمبر الماضي، بحسب مؤشر سبيد ديفنس (SPADE Defense Index).

ويحتوي هذا المؤشر على أكثر من 50 شركة عالمية رائدة في الصناعات العسكرية ومدرجة في البورصات العالمية، وتقدم منتجات وخدمات مثل السفن البحرية والطائرات العسكرية والمركبات المدرعة والمروحيات والصواريخ وغيرها من الأسلحة والخدمات الدفاعية.

وخلال العام الماضي تمكن المؤشر من تحقيق مكاسب تصل إلى 17.7%، ليستكمل سلسلة الارتفاعات خلال العام الحالي ويقفز بنحو 24.7% حتى نهاية سبتمبر الماضي وهي أعلى نسبة ارتفاع له منذ عام 2019.
 

وتفوقت أسهم الدفاع والفضاء الأوروبية على نظيراتها في الولايات المتحدة، حيث ارتفعت أسهم أكبر شركة لتصنيع الأسلحة في ألمانيا، راينميتال، بنحو 540% منذ فبراير 2022.

كما ارتفعت أسهم أخرى مثل أكبر شركة بريطانية لتصنيع الطيران والفضاء، بي إيه إي سيستمز، وشركة الدفاع الفرنسية سافران، بنسبة 114% و176% على التوالي خلال الفترة نفسها.

كما زاد مؤشر يورو ستوكس للفضاء والدفاع بنحو 194% منذ فبراير 2022، في المقابل ارتفع مؤشر ستوكس أوروبا 600 العام  بنسبة أكثر تواضعاً بلغت 24% خلال الفترة نفسها.

وجاء ارتفاع مؤشر يورو ستوكس للفضاء والدفاع مدفوعاً بالمكاسب التي حققتها شركات مثل إيرباص وسافران وبي إيه إي سيستمز ورولز رويس على مدى العامين الماضيين، مع زيادة اهتمام المستثمرين بأسهم الدفاع والفضاء وسط ارتفاع الإنفاق العسكري للدول.

واستفادت أسهم راينميتال أكثر من غيرها من الإنفاق العسكري المتزايد في أوروبا، حيث ارتفعت قيمتها السوقية إلى 22.69 مليار يورو من 4 مليارات يورو قبل عامين.

كما انتعشت مبيعاتها السنوية الإجمالية بنسبة 12% إلى 7.2 مليار يورو، مع ارتفاع مبيعات ثاني أكبر قسم لديها، مبيعات الأسلحة والذخيرة، بنسبة 29% إلى 1.8 مليار يورو في عام 2023، وهو ما يمثل نحو 24% من إجمالي إيرادات مبيعاتها.

وتتوقع الشركة أن تصل المبيعات إلى مستوى قياسي يتجاوز 10 مليارات يورو هذا العام أي بنمو قدره 39%.

كما شهدت شركة الطيران والدفاع الفرنسية سافران نمواً بنسبة 18% في المبيعات في عام 2024.

وفي عام 2023، ارتفعت الإيرادات الإجمالية للشركة بنسبة 22% على العام الماضي إلى 23.2 مليار يورو، كما زادت أرباحها التشغيلية بنسبة 31% إلى 3.1 مليار يورو.

الشركات الأمريكية تلحق بالركب

ارتفعت أسهم شركة لوكهيد مارتن -أكبر شركة دفاعية أمريكية- بنحو 33% منذ بدء الغزو الروسي، ليصل سعر السهم لنحو 546 دولاراً في نهاية شهر أكتوبر الماضي مقابل 409 دولارات في شهر فبراير 2022.

وتجاوزت أرباح الشركة خلال الربع الثالث من العام الحالي توقعات المحللين، حيث بلغ صافي أرباحها خلال تلك الفترة 1.62 مليار دولار أو ما يعادل 6.8 دولار للسهم، وقالت الشركة إن مبيعاتها ربع السنوية ارتفعت 1.3% لتبلغ  17.10 مليار دولار.

وتوقعت أكبر شركة دفاعية أمريكية ارتفاع أرباحها ومبيعاتها لعام 2024 ككل، مرجعة ذلك إلى زيادة الطلب على المعدات العسكرية، وحالياً تتوقع ربحاً للسهم قدره 26.65 دولار ومبيعات سنوية تبلغ 71.25 مليار دولار.
 

أما مكاسب سهم شركة رايثيون تكنولوجيز (آر تي إكس) فكانت أقل من منافستها لوكهيد، إذ بلغت 23% منذ فبراير 2022 ليبلغ سعر السهم نحو 121 دولاراً.

وسجلت الشركة نتائج مالية إيجابية خلال الربع الثالث بعد أن بلغت مبيعاتها 20.1 مليار دولار، بارتفاع بنسبة 6% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، كما ارتفعت أرباحها بنحو 16% خلال الربع المنتهي في سبتمبر الماضي لتصل إلى 1.45 دولار للسهم.

كما رفعت آر تي إكس توقعاتها للأرباح والمبيعات لعام 2024، مرجعة ذلك إلى الطلب القوي على إصلاحات الطائرات وأنظمة الدفاع، وحالياً تتوقع الشركة ربحاً للسهم بين 5.50 دولار و5.58 دولار وإيرادات بين 79.25 مليار دولار و79.75 مليار دولار.

المصادر: أرقام- معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام- سبيد إندكس- يورو نيوز- ناسداك- ديفينس نيوز- لوكهيد مارتن