صدمات مفاجئة وخسائر غير محسوبة .. دليلك لإدارة الأموال وقت الأزمات
مع نهاية جلسة يوم الجمعة الماضي جلس "آدم كونور"، موظف في منتصف الأربعينيات، يحدّق في شاشة حاسوبه بقلق ودهشة، وهو يشاهد أرقام محفظته الاستثمارية تتهاوى أمام عينيه.
في غضون ساعات قليلة، فقد الكثير من مدخراته التي كان يراهن عليها لتأمين تقاعد مريح، إذ جاءت تداعيات أزمة الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" لتقلب الطاولة على الأسواق المالية.
ولم يكن يتوقع أن تؤدي تلك الإجراءات إلى هذا الانهيار الحاد في بورصة وول ستريت، حيث تراجعت أسعار الأسهم بشكل دراماتيكي، وأصاب الذعر صغار المستثمرين قبل كبارهم.
ووفقًا لبيانات داو جونز عن السوق، خسر سوق الأسهم الأمريكي ما يقرب من 11.1 تريليون دولار منذ 17 يناير الماضي، أي يوم الجمعة الذي سبق أداء الرئيس دونالد ترامب اليمين الدستورية وبدء ولايته الثانية.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
وشهدت سوق الأسهم الأمريكية خسارة قدرها 6.6 تريليون دولار من هذا الرقم يومي الخميس والجمعة فقط، وهو أكبر خسارة مسجلة لقيمة الأسهم في يومين، وفقًا لبيانات داو جونز.
وفاجأ "ترامب" العديد من المستثمرين يوم الأربعاء الماضي عندما كشف عن رسوم جمركية أكبر بكثير من المتوقع.
وكان "كونور" ممن اقتنعوا بفكرة أن الاستثمار في الأسهم هو الطريق الأسرع لبناء الثروة وتضخيمها حيث كان يقرأ بعض المقالات، ويتابع التوصيات على وسائل التواصل الاجتماعي، ويستثمر بتفاؤل وثقة بأن السوق، رغم تقلباته، لا بد أن يعود للصعود.
الآن، يقف في مفترق طرق: هل يسحب ما تبقى من أمواله وسط مخاوف من مواصلة الأسهم هبوطها ليكتفي بالحد الأدنى من الخسائر؟ أم يغامر بالصبر على المدى الطويل، على أمل أن تستعيد الأسواق عافيتها؟
سلوك الأفراد خلال الأزمات المالية
تعكس قصة "آدم كونور" واقعًا يعيشه كثير من الناس في خضم الأزمات الاقتصادية، إذ تفرض هذه الفترات المضطربة على الأفراد مراجعة قراراتهم المالية، وتبرز ضعف بعض الاستراتيجيات عندما تواجه اختبارات السوق القاسية.
فالادخار والاستثمار، اللذان يمثلان ركيزتين أساسيتين للأمان المالي الشخصي، يتحولان في أوقات الأزمات إلى صراع بين الغريزة والخبرة، بين التسرع والتمهل، وبين الخوف من الخسارة والأمل في التعافي.
وتؤثر الأزمات الاقتصادية – سواء ناجمة عن أوبئة أو انهيارات مالية أو صراعات جيوسياسية – بشكل كبير في سلوك الأفراد المالي، وتؤدي إلى تحولات ملحوظة في أنماط الادخار والاستثمار.
في ظل هذه الظروف، تميل الأسر إلى رفع معدلات الادخار بدافع الخوف من فقدان مصدر الدخل أو لمواجهة الظروف الطارئة، وهذا ما توضحه نظرية الادخار الاحترازي، والتي تفيد بأن الأفراد يزيدون من مدخراتهم مع تزايد شكوكهم بشأن المستقبل المالي.
تحركات سعر أسهم السبع الكبار في وول ستريت منذ بداية 2025 (بالدولار الأمريكي):
اسم الشركة |
2 يناير |
سعر إغلاق الجمعة (4 ابريل) |
أعلى سعر خلال تلك الفترة |
انفيديا |
138.3 |
94.3 |
147.1 |
ميتا |
599.2 |
504.7 |
736.7 |
ألفابت |
190.6 |
147.7 |
207.7 |
تسلا |
379.3 |
239.4 |
428.2 |
أمازون |
220.2 |
171.0 |
242.1 |
أبل |
243.8 |
188.3 |
247.1 |
مايكروسوفت |
418.6 |
359.8 |
447.2 |
فعلى سبيل المثال، ارتفع معدل الادخار الشخصي في الولايات المتحدة خلال ذروة جائحة كوفيد-19 إلى أكثر من 30% في أبريل 2020، مقارنةً بنحو 7% قبل الأزمة.
ورغم أن التوجه نحو الادخار يعزز الاستقرار المالي للأسر، فإنه قد يؤدي إلى انخفاض في الطلب الكلي، مما يساهم في تعميق الركود.
كما تسعى الأسر للحد من إنفاقها غير الضروري خلال فترات الركود، ما يؤدي إلى انكماش اقتصادي على نطاق أوسع.
إلى جانب ذلك، تميل سلوكيات المستثمرين خلال الأزمات نحو الحذر، فيفضل كثيرون التحول إلى الأصول الآمنة مثل الذهب والسندات الحكومية والعقارات ذات الجودة العالية، رغبة في الحفاظ على رأس المال بدلًا من تحقيق الأرباح.
وقد تجلى ذلك بوضوح خلال الأزمة المالية العالمية عام 2008، حين فقدت الأسواق أكثر من 40% من قيمتها، مما دفع العديد من المستثمرين الأفراد إلى سحب أموالهم من الأسهم بحثًا عن الأمان.
ورغم هذه النزعة الدفاعية، تخلق الأزمات فرصًا غير متوقعة، حيث يلجأ المستثمرون المحترفون إلى استراتيجيات معاكسة، يشترون أصولًا منخفضة القيمة تخلّى عنها المستثمرون المذعورون، مما يمكنهم من تحقيق مكاسب مستقبلية.
بين الحذر والمجازفة
يتبنى البعض في فترات الأزمات نهجًا أكثر تحفظًا، بينما يرى آخرون فرصة ثمينة لشراء أصول بأسعار منخفضة، خاصة في قطاعات الأسهم والعقارات.
ويتأثر سلوك المستثمرين بعوامل عدة، من أبرزها الوعي المالي؛ إذ يميل الأشخاص الذين يتمتعون بمعرفة مالية إلى إعادة تنويع محافظهم بحكمة، بينما يتسرع غيرهم في التخلص من استثماراتهم.
استراتيجيات البقاء المالي خلال الأزمات |
||
الاستراتيجية |
الوصف |
الفائدة الرئيسية |
صندوق الطوارئ |
تأمين احتياطي يغطي نفقات 3-6 أشهر |
تجنب بيع الاستثمارات بخسارة |
تنويع المحفظة الاستثمارية |
توزيع الاستثمارات بين الأسهم، والسندات، والعقارات، والذهب |
تقليل المخاطر وزيادة الاستقرار |
إعادة توازن المحفظة |
مراجعة وتوزيع الأصول بناءً على التغيرات السوقية |
الحفاظ على مستوى المخاطرة المناسب |
الاستثمار التدريجي |
استثمار جزء من الأموال بانتظام خلال فترات الانخفاض |
الاستفادة من الأسعار المنخفضة على المدى البعيد |
وتدفع الأزمات كثيرًا من الأفراد إلى إعادة النظر في تركيبة محافظهم الاستثمارية، من خلال التحول من الأسهم الفردية إلى صناديق المؤشرات المتداولة، وتنويع الأصول لتشمل العملات الأجنبية أو السلع، وتوزيع الاستثمارات جغرافيًا لتقليل المخاطر المحلية.
كما تلعب السياسات الاقتصادية دورًا محوريًا في تشكيل سلوك الأفراد المالي خلال الأزمات، إذ يمكن للحوافز المالية أن تحفزهم على الادخار أو تحافظ على مستويات الاستهلاك.
في نهاية المطاف، تمثل الأزمات الاقتصادية لحظات فارقة تعيد تشكيل السلوك المالي للأفراد. وبينما تولّد هذه الفترات شعورًا بالخوف وعدم اليقين، فإنها تدفع أيضًا إلى مراجعة الأولويات، وتفتح الباب أمام تبني استراتيجيات مالية أكثر نضجًا ومرونة.
ويعد فهم هذه التغيرات ضروريا لكل من صانعي السياسات، والمؤسسات المالية، والأفراد أنفسهم، لبناء مستقبل مالي أكثر صلابة واستدامة.
تقلبات السوق وذعر المستثمرين
يشير مصطلح تقلب السوق إلى التغيرات السريعة والكبيرة في أسعار الأصول المالية.
ورغم أن هذه التقلبات تُعد جزءًا طبيعيًا من دورة الاستثمار، فإنها تشتد خلال الأزمات مثل الأوبئة، أو الأزمات المالية، أو الحروب، مما يؤدي إلى حالة من القلق حتى لدى المستثمرين المحترفين.
في هذه الظروف، قد تشهد أسعار الأسهم والسلع والعملات تذبذبات حادة في فترات زمنية قصيرة، نتيجة لعدم اليقين، والخوف، وغياب وضوح السياسات الاقتصادية.
ولا تكمن خطورة الأزمات فقط في هبوط الأسواق، بل في ردود الفعل النفسية تجاهها، فقد أظهرت دراسات الاقتصاد السلوكي أن الأفراد يميلون إلى البيع في أوقات الذعر والشراء خلال موجات التفاؤل، مما يؤدي إلى تثبيت الخسائر والحرمان من فرص التعافي.
وقد يدفع الخوف المستثمرين إلى اتخاذ قرارات ارتجالية، كما يفكر "آدم كونور" في سحب استثماراته بالكامل من البورصة، الأمر الذي قد يحوّل الخسائر الورقية إلى خسائر واقعية، ويحرمه من فرصة التعافي المحتمل للسوق.
فعلى سبيل المثال، تحمس "كونور" وغيره من الأفراد على تكوين محفظة استثمارية تضم أسهم شركات ذات ثقل في وول ستريت مع التفاؤل الذي شهدته أسواق المال بعد أنباء فوز دونالد ترامب الذي كان مؤيدًا لخفض أسعار الفائدة.
وبالفعل تم استثمار نحو 120 ألف دولار أمريكي موزعة على أسهم شركات تضم تسلا وأبل وانفيديا في وقت بلغت فيها أسعارها 428 و247 و147 دولارا على التوالي.
ومع إغلاق يوم الجمعة الماضي بلغت أسعار تلك الأسهم نحو 239 و188و94 أي أنه خسر قرابة ثلث قيمة محفظته أو ما يوازي 40 ألف دولار خلال أقل من 4 أشهر.
وفي مثل هذه الأوقات، يصبح التوازن النفسي والمالي ضروريًا لتجنّب الوقوع في فخ الذعر المالي.
استراتيجيات النجاة المالية
ومن أولى الخطوات المهمة في مثل هذه الظروف، التأكد من وجود صندوق طوارئ يغطي نفقات المعيشة الأساسية لعدة أشهر، هذا الاحتياطي يوفر شعورًا بالأمان ويمنحك القدرة على الاستمرار دون الحاجة إلى بيع استثماراتك بخسارة.
كذلك، يُعد تنويع الاستثمارات بين الأسهم، والعقارات، والذهب وغيرها من الأصول من أنجع الوسائل لتقليل المخاطر، إذ إن تراجع أحد القطاعات يمكن أن يُقابله أداء إيجابي في قطاع آخر، مما يساعد على موازنة العوائد.
وفي الأوقات المضطربة، يصبح الالتزام بخطة استثمارية طويلة الأجل أمرًا بالغ الأهمية، فطالما أن استثماراتك مبنية على أهداف واضحة ومدروسة، فإن التمسك بها يساعدك على تجاوز تقلبات السوق بثقة، لا سيما وأن الأسواق عادة ما تتعافى على المدى البعيد.
من المفيد أيضًا إعادة توازن المحفظة الاستثمارية بعد كل موجة من التقلبات، وذلك عبر مراجعة توزيع الأصول وبيع جزء من الاستثمارات التي ارتفعت قيمتها لصالح تلك التي تراجعت، مما يعيد ضبط مستوى المخاطرة بما يتناسب مع أهدافك.
ورغم حالة الخوف التي ترافق الأزمات، فإنها تفتح في كثير من الأحيان أبوابًا لفرص استثمارية جيدة، حيث يمكن شراء أصول عالية القيمة بأسعار متدنية.
وإذا كنت تملك فائضًا ماليًا ووضعًا وظيفيًا مستقرًا، فإن الاستثمار التدريجي خلال هذه الفترات قد يكون خطوة ذكية نحو بناء الثروة على المدى البعيد.
في المقابل، هناك سلوكيات يجب تجنبها، مثل مراقبة المحفظة باستمرار، واتخاذ قرارات مدفوعة بالعاطفة، أو محاولة توقيت السوق، وهي ممارسات أثبتت التجربة أنها نادرًا ما تؤتي ثمارها، حتى بالنسبة للمحترفين.
فالأزمات الاقتصادية أمر حتمي، لكن الاستعداد لها يصنع الفارق، فالمناعة المالية لا تعني تفادي الخسائر بالكامل، بل القدرة على التكيّف، واتخاذ قرارات رشيدة، والتعافي بثقة.
لذا سارع بتثقيف نفسك ماليًا، وبادر بانتهاج عادات مالية صحية، ولا تتردد في استشارة الخبراء عند الحاجة.
وتذكر أنه لكل أزمة نهاية، ومن يملك خطة هو الأقدر على الصمود والنجاة.
المصادر: أرقام- مورنج ستار- فانجارد- الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي- بروكينجز- سي إن إن
تعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}

تحليل التعليقات: