د.أنس الحجي لـ"أرقام": قرار أوبك يعني عودة السعودية لدورها التاريخي في السوق.. وإيران حُيّدت وباتت غير مهمة
استطاعت "أوبك" أن تتوصل لاتفاق يراه البعض تاريخيا بعد توقعات متشائمة نتيجة خلافات متواصلة أثارتها الاجتماعات الفنية التي سبقت الثلاثين من نوفمبر/تشرين الثاني.
وتمكنت المنظمة من تمرير خفض بنسبة 4.5% لكل الأعضاء عدا نيجيريا وليبيا وكذلك إندونيسيا التي علقت عضويتها مع إبقاء إنتاج إيران قرب أربعة ملايين برميل يوميا كي يهبط إنتاجها الإجمالي إلى 32.5 مليون برميل يوميا كما هو منتظر تفعيله بداية العام القادم.
ولاستجلاء الوضع وأثر القرار وتداعياته ومدى إمكانية تفعيله، حاورت "أرقام" الخبير النفطي الدكتور "أنس الحجي" لمعرفة رأيه وتحليله لنتائج الاجتماع.
* أليست نتائج اجتماع أوبك كانت خارج حسابات أكثر المحللين تفاؤلا... ما رأيك؟
- الذي خالف التوقعات هو قدرة بعض أطراف أوبك على الوصول إلى اتفاق. وقد كان الاجتماع تاريخيا لأن الوصول إلى اتفاق، ولو شكليا يأتي في ظل تحديات متعددة وضخمة.
المهم في النهاية هو مدى الالتزام، بحيث لا يصبح قرارا على الورق بتخفيض الإنتاج. والأسعار ما زالت بحدود 50 دولارا في الأسواق الأمريكية وهو مستوى وصلنا إليه منذ فترة دون إقرار التخفيض.
*هل أوبك ترسل رسالة أنها ما زالت على قيد الحياة ولم تمت كما أشرت أنت قبل عدة أشهر؟
- من الناحية العملية أوبك انتهت منذ زمن، الاتفاق لا يعني أنها عادت. والقرار يعني أن السعودية عادت إلى دورها التاريخي كمنتج متأرجح مهمته تحقيق التوازن في السوق، فالاتفاق ما كان ليتم لولا السعودية، وفي النهاية سنجد، كما حصل في الماضي، السعودية، وإلى حد ما دول الخليج، ستتحمل أعباء التخفيض.
واقتناع بعض وزراء ومسؤولي أوبك بأن أي اتفاق لتخفيض الإنتاج لن ينجح من دون مشاركة دول من خارج أوبك يعني قناعتهم بضعف دور المنظمة.
إضافة إلى ذلك فإن كل التحديات التي كانت موجودة قبل الاتفاق ما زالت موجودة، وعلى المدى الطويل هناك تحديات إضافية مثل أثر تخصيص أرامكو على أوبك، وأثر زيادة المنافسة في المنتجات النفطية على حساب المنافسة في النفط الخام، وكما تعلم فإن حصص أوبك تتركز على الخام فقط.
* تبدو نسب الخفض متساوية لجميع دول أوبك عند 4.5% ..لكن البعض يتجاهل ذلك وينظر فقط لضخامة حصة السعودية منه عند 486 ألف برميل.. رجاء توضيح الفكرة للقراء؟
- من المنطقي أن يكون التخفيض بالتساوي كنسبة، وبما أن السعودية أكبر منتج في أوبك فإنه من الطبيعي أن يكون التخفيض كرقم عاليا ولكن كنسبة هي نفسها بالنسبة لكل دول أوبك.
وأقول للذين يظنون أن التخفيض كبيرا: أين كنتم عندما زادت السعودية إنتاجها بمقدار مليون برميل يوميا تقريبا؟ التخفيض جاء من الزيادة ولم يأت من الإنتاج الأصلي الذي كان بحدود 9.5 مليون برميل يوميا قبل هبوط الأسعار.
ونظريا لن تخسر السعودية حصتها إذا كان التخفيض يتعلق بالاستهلاك المحلي، ولن تخسر السعودية حصتها لأن الدول الأخرى تنتج بكامل طاقتها الإنتاجية.
* تبرز إيران وكأنها حققت مبتغاها فمستوى الإنتاج المحدد لها قرب أربعة ملايين برميل يوميا بعد الخفض..هل تتوقع التزامها فعلا؟
- إيران وصلت إلى أقصى إنتاج لها أو تكاد، لذلك فإنها غير مهمة الآن. إن تطبيق رؤية 2030 يتطلب التركيز على كل جزئياتها وإيران كانت حجر عثرة استنزفت وقتا ثمينا من السعودية في مباحثات أوبك، لهذا فإن تحييد إيران في أوبك كان مهما حتى لو كان ذلك يعني تحقيقها ما تريد.
وأقول لمن انزعج من تحقيق إيران مرادها إن ارتفاع أسعار النفط بمقدار دولار واحد يعني أن السعودية تحقق 10 ملايين دولار يوميا بينما تحقق إيران 4 ملايين دولار فقط.
ولولا الاتفاق، لانخفضت الأسعار وحصل العكس، ولخسرت السعودية 10 ملايين دولار يوميا بينما كانت إيران ستخسر 4 ملايين دولار فقط.
* أشرت إلى أن خروج إندونيسيا جاء منطقيا أو هكذا فهمت بعد اختيار "محمد باركيندو" أمينا عاما لأوبك ..كيف ذلك وإلى أي مدى عقد خروجها حسبة الإنتاج الكلي للمنظمة وربطه بالخفض المعلن؟
- المنظمة اسمها: منظمة الدول المصدرة للنفط، وإندونيسيا تحولت من صافي مصدر للنفط إلى صافي مستورد، لذلك فإنه لا داعي لوجودها منطقيا، ولا داعي لأن تدفع مليوني دولار رسوم عضوية، ويبدو حسب ما يقال أن عودة إندونيسيا للمنظمة كانت بدعوة من بعض دول الخليج لحل مشكلة الخلاف على السكرتير العام للمنظمة حيث تنافست كل من السعودية وإيران والعراق على المنصب، وبسبب الخلاف تم تمديد فترة الأمين العام السابق أكثر من مرة، فكان الحل الأمثل ترشيح شخص محايد من دول محايدة مثل إندونيسيا. ولكن مع انتخاب النيجيري محمد باركيندو، لم تعد هناك حاجة للمرشح الإندونيسي.
* بحسب ما أعلن فإن خفض 1.2 مليون برميل لأوبك و600 ألف برميل لكبار المنتجين خارجها يعني إلغاء مزاحمة 1.8 مليون برميل يوميا لمعروض النفط في السوق العالمي..هل يسهم ذلك فعليا في خفض تخمة المعروض وتحويلها إلى نقص منتصف 2017؟
- التخمة كبيرة، وأي تخفيض سيسهم في تخفيضها. البيانات التاريخية تشير إلى أن الالتزام الطوعي بتخفيض الإنتاج ضمن دول أوبك وصل في أحسن حالاته إلى حوالي 70 في المائة.
ولا يتوقع أن يكون هناك أي التزام طوعي من دول خارج أوبك. وأي تخفيض في إنتاج بعض الدول المشاركة في الاتفاق من الدول التي لم يعرف عنها أنها تشارك طوعيا سيكون غير طوعي بسبب أعمال الصيانة أو أعمال العنف أو الطقس أو غيره.
توقعي الآن أن التخفيض الفعلي يكون بين 300 ألف و 700 ألف برميل يوميا، وهذا كاف لمنع الأسعار من الانخفاض وتشكيل أرضية صلبة للأسعار، وتخفيض فعلي بقيمة 700 ألف برميل يوميا كافية لتخفيض المخزون تدريجيا وتحقيق التوازن في السوق منتصف عام 2017.
وعلى الرغم من توقع زيادة إنتاج كل من نيجيريا وليبيا، وكلاهما أعفي من الحصص في هذا الاتفاق، إلا أن احتمال عدم عودة الإنتاج، أو احتمال انخفاض الإنتاج الحالي ما زال قائما أيضا.
* البعض يشكك في جدية التزام دول أوبك بالخفض وأنا منهم فموضوع تحديد سقف للإنتاج تاريخيا يتم تجاوزه وبجدارة من الدول الأعضاء.. هل تفاجئ أوبك العالم بشيء جديد كما فعلت في اجتماعها وتلتزم فعلا؟
- التشكيك ليس جديدا بل يعود تاريخه إلى 1982. المهم في الموضوع هو كمية التخفيض التي تقوم بها السعودية. إذا نظرنا إلى الأمر كذلك فإن الجدل حول موضوع التزام دول أوبك ينتهي.
* تظهر روسيا وكأنها محور هذا الاتفاق بشكل غير مباشر لحصتها الكبيرة في الخفض بالنسبة لإجمالي ما هو مطلوب من دول خارج أوبك عند 600 ألف برميل.. ويبدو الوضع معقدا فهل تستطيع إلزام الشركات المنتجة لديها به؟
- لا أتوقع أن تقوم روسيا بأي تخفيض اختياري لأنها اشترطت التزاما كاملا من دول أوبك، وهذا لن يحصل، ولأنها تاريخيا لم تلتزم بالاتفاق مع أوبك. وأي تخفيض فعلي من قبل روسيا سيكون لأسباب فنية وأعمال صيانة وليس اختياريا.
ولكن لا شك أن روسيا أصبحت لاعبا رئيسيا في أسواق النفط العالمية ليس بسبب كونها أكبر منتج للنفط الخام في العالم فقط، وإنما أيضا بسبب توسعها في الأعوام الثلاثة الأخيرة في الأسواق الآسيوية، خاصة في الصين.
* إلى أي مدى يدعم الاتفاق حركة الأسعار في المدى الزمني القريب والمتوسط وهل تتوقع تمديد فترة الخفض ستة أشهر أخرى للتواصل بذلك طوال العام القادم؟
- أي تخفيض للإنتاج، كما أسلفت، سيمنع الأسعار من الانخفاض وسيشكل أرضية صلبة لها. فإذا كان التخفيض أكبر من توقعي فإن هذا يدعم الأسعار في الشهور المقبلة.
وعلينا أن نتذكر أن هبوط الاستثمارات في التنقيب والإنتاج في العامين الأخيرين سيلقي بظلاله على أسواق النفط العالمية في السنوات الثلاث القادمة، لذلك فإن الأسعار سترتفع.
أي تخفيض فعلي بمقدار 300 ألف برميل يوميا يرفع أسعار خام برنت إلى متسويات 53-56 دولارا للبرميل، وإذا كانت كمية التخفيض أعلى فإن الأسعار سترتفع أكثر.
* ألا يبدو النفط الصخري رابحا في كل الأحوال وراكبا مجانيا في وسط هذا الصخب ولماذا لا تحاول أوبك وكبار المنتجين خارجها إيجاد آلية لإرغامه على الدخول في حسبة السوق أم لكونه أمريكيا صرفا فلا سبيل لتفعيل ذلك؟
- الولايات المتحدة خسرت حوالي مليونا ونصف المليون من إنتاجها النفطي بسبب انخفاض الأسعار، وأكثر من مليوني برميل يوميا إذا قارنا الإنتاج الحالي بما كان يجب أن يكون عليه حسب توقعات 2014.
لذلك من الصعب القول إنه "رابح" إلا أن ارتفاع الأسعار مؤخرا ما هو إلا حبل إنقاذ من الغرق لبعض شركات النفط الصخري وتعزيز للموقع المالي لشركات أخرى، وأرباح إضافية لبعض الشركات العاملة في المناطق غزيرة الإنتاج في حقل برميان في غرب تكساس.
باختصار، أكبر خاسر من انخفاض أسعار النفط كان الإنتاج الأمريكي، لهذا يمكن القول بأن سياسة السعودية نجحت في تحجيم الصخري، ويمكنها الآن التحكم بنموه بما يتناسب من نمو الطلب العالمي على النفط.
وهنا لا بد أن نذكر أنه ليس هدف السعودية إنهاء النفط الصخري أو وقف نموه، وإنما عدم نموه بشكل كبير يؤثر على الحصص الإنتاجية لدول أوبك.
ولعل النتيجة الحتمية لارتفاع الأسعار في الأيام الأخيرة هو قيام شركات الصخري ببيع الإنتاج المستقبلي حسب الأسعار المستقبلية حاليا، وهذا يعني أن أي انخفاض مفاجئ في الأسعار لن يؤثر في إنتاج الصخري ولكن سيؤثر في الاستثمارات المستقبلية.
*هل ترى أثرا لسياسات ترامب في مجال الطاقة على دول الخليج؟
- إن أكبر أثر سيكون سماح ترامب بإكمال مد خط أنابيب كي ستون من ألبرتا في كندا إلى خليج المكسيك بالقرب من مدينة هيوستن. فهذا الخط سيجلب 800 آلاف البراميل من النفط الكندي القريب في نوعيته من الكميات التي تستوردها المصافي الأمريكية في خليج المكسيك من السعودية والكويت والعراق. ويتوقع أن يوقع ترامب قانون السماح ببناء هذا الأنبوب خلال أسبوعين من توليه كرسي الرئاسة.
وما زالت الأسواق تترقب ما سيفعله ترامب بالاتفاق النووي مع إيران، وعودة العقوبات عليها قد تخفض صادرات النفط الإيرانية قليلا، ولكنها ستدمر كل خطط التوسع في الإنتاج، أما فيما يخص السياسات المتعلقة بفتح المناطق الفيدرالية للتنقيب فإن أثر ذلك سيكون على المدى الطويل، إن تحقق.
*هناك مقالات عدة نشرت مؤخرا بجانب توقعات من شركة "شل" بأن الطلب العالمي على النفط سيبلغ ذروته قريبا..ما رأيك في هذه التوقعات؟
- من آثار ثورة النفط الصخري في الولايات المتحدة أننا نتحدث الآن عن "ذروة الطلب" على النفط بدلا من الحديث عن "ذروة الإنتاج". وقبل الخوض في التفاصيل لا بد من ذكر حقيقة وهي أن الوصول إلى ذروة الطلب على النفط أقرب من الوصول إلى ذروة الإنتاج لأسباب تكنولوجية.
وعلى الرغم من توافر العديد من المسوغات لنظرية ذروة الطلب على النفط إلا أن هناك مبالغة فيها لأسباب عدة أهمها أن مئات الملايين من البشر ما زالوا في طريقهم للخروج من تحت خط الفقر، وبالتالي سيزيد الطلب على الطاقة والمواصلات بشكل عام، وبالتالي سيزيد الطلب على النفط.
وقد يكون نمو الطلب على النفط أقل من غيره من مصادر الطاقة، ولكنه سينمو. كما أن هذه التوقعات القائلة بذروة الطلب على النفط تتجاهل ردة فعل المستهلكين على انخفاض أسعار الطاقة من جهة وزيادة الكفاءة في الاستخدام من جهة أخرى.
كما أنها تبالغ في نمو استخدام السيارات الكهربائية والهجينة. وإذا قام ترامب بوقف الإعانات للسيارات الكهربائية وأوقف تفعيل قوانين استخدام الإيثانول فإن الطلب على وقود السيارات سيزيد فوق المتوقع في الولايات المتحدة، أكبر سوق للنفط في العالم.
*خلال الأشهر السبعة الأخيرة تمكنت الشركات الأمريكية من إضافة أكثر من 160 منصة حفر جديدة ..بعد اتفاق أوبك، هل تتوقع تسارع وتيرة دخول المنصات على أساس دعم حركة الأسعار نشاط الحفر ومن ثم عودة النمو للإنتاج الامريكي؟
- سيعتمد ذلك على مستوى الأسعار. إذا بقيت الأسعار تحت 55 دولارا للبرميل فإن الزيادة في عدد الحفارات ستكون في حقل برميان في غرب تكساس فقط. أما إذا تجاوز متوسط الأسعار المستقبلية 60 دولارا للبرميل فعندئذ سنجد زيادة في عدد الحفارات في مناطق أخرى مثل "إيغل فورد" و "باكن".
وبشكل عام فإن وصول عدد حفارات النفط إلى 600 سيدق ناقوس الخطر بالنسبة لأوبك.
تعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}