نبض أرقام
06:26
توقيت مكة المكرمة

2024/07/12
2024/07/11

كل رجال "بتروناس" .. كيف يدير الماليزيون ثرواتهم النفطية؟

2018/02/03 أرقام - خاص

امتلاك أي بلد لكميات ضخمة من الموارد الطبيعية  لا يعني بالضرورة أن هذا البلد متطور وأن مواطنيه يعيشون في ثراء ورفاهية. فقد ضلت دول كثيرة طريقها وسقطت في فخ لعنة الموارد، وفشلت في الاستفادة من وفرة الموارد الطبيعية في خلق ازدهار اقتصادي طويل الأجل.
 

 

ومع ذلك، فإن تعامل بلد مثل ماليزيا مع حظها من هذه الموارد الثمينة والمحدودة يعد مثالًا على كيفية قيام إدارتها بالشكل الأفضل في هذا المجال على نحو سليم. حيث نجح قطاع النفط والغاز في تثبيت أقدامه على الساحة العالمية، كما تمكن في نفس الوقت من خلق شبكة أعمال مزدهرة تشمل مئات الشركات المحلية التي يعمل بها عشرات الآلاف من المواطنين.
 

ولكن نجاح ماليزيا في هذا الاتجاه لم يحدث بين عشية وضحاها. فقد أدى التخطيط الدقيق من البداية بجانب الإجراءات التشريعية الفعالة إلى نجاح هذا البلد في إدارة موارده على نحو سليم. ولكن هذا حدث فقط حين اهتمت ماليزيا بما هو أغلى من النفط: مواردها البشرية.
 

تاريخهم مع النفط
 

- كان إنتاج النفط والغاز هو الدعامة الأساسية لنمو الاقتصاد الماليزي منذ أن تم اكتشاف النفط لأول مرة في البلاد من قبل شركة "شل" في عام 1909 في ولاية ساراواك. وبدأ الإنتاج في أول بئر تم حفرها في عام 1910، بمعدل بلغ 83 برميلا يوميًا، وصلت إلى 15 ألف برميل يوميًا في عام 1929.

 

- في الستينيات، توسعت رقعة الأنشطة البترولية في البلاد على خلفية اكتشاف كميات كبيرة من النفط والغاز بالحقول البحرية في بورنيو. وفي أواخر هذا العقد بدأت أنشطة التنقيب عن النفط في الساحل الشرقي لشبه الجزيرة الماليزية. وخلال السبعينيات كانت بعض حقول النفط في ماليزيا تنتج ما يتراوح بين 90 و99 ألف برميل يوميًا.

 

- في البداية، هيمنت شركات النفط الأجنبية على صناعة النفط والغاز في ماليزيا، وكانت كل من "شل" و"إيسو" من بين اللاعبين الرئيسيين. وبعد ذلك تبادلت الشركات الأجنبية السيطرة على هذا القطاع الحيوي لتنتقل الدفة إلى شركات أجنبية أخرى مثل "كونكو" و"موبيل" و" آكيتين" و"أوسينيك" و"تيسيكي" واستمر الحال كذلك إلى أن ظهرت "بتروناس" الماليزية في عام 1974.
 

 

- أدركت الحكومة أنه من أجل ضمان استفادة ماليزيا وشعبها من هذه الموارد فإنها في حاجة إلى أن تكون صاحبة الكلمة العليا في كيفية التحكم والاستفادة من مواردها، وفي سعيها لتحقيق ذلك أسست "بتروناس" من أجل إدارة كامل مواردها من النفط والغاز.

 

- قبل عام 1974 كانت الحكومات المحلية للولايات الماليزية تقوم بمنح الشركات الأجنبية ما يشبه التنازلات البترولية، مما منحها حقوقًا حصرية في استكشاف الثروات النفطية وإنتاجها. ولكن على إثر اعتماد البرلمان الماليزي لقانون تنمية البترول في عام 1974، تم سحب كافة التراخيص من هذه الشركات ومنح "بتروناس" كامل السيطرة على موارد البلاد.

 

- منذ ذلك الحين، ويتم استكشاف النفط والغاز في ماليزيا بموجب ما يسمى بـ"عقود تقاسم الإنتاج"، حيث تقوم "بتروناس" بإعطاء حقوق الاستكشاف للشركات الأجنبية بعد أن توافق الأخيرة على توفير التمويل وتحمل كافة مخاطر أنشطة التنقيب مقابل حصة من الإنتاج.
 

"بتروناس" وآمال الماليزيين
 

- في السابع عشر من أغسطس/آب عام 1974، تم تأسيس الشركة الوطنية الماليزية للنفط والغاز "بتروناس". ولكن فكرة تأسيسها تم تسليط الضوء عليها لأول مرة قبل ذلك بثلاثة أعوام وتحديدًا في الخطة الخمسية للحكومة في عام 1971. وهناك عدة عوامل لعبت دورًا رئيسيًا في تشكيل هذه الشركة، أربعة منها جديرة بالذكر:

 

- الأول: ما دفع ماليزيا إلى محاولة الابتعاد عن شركات النفط الأجنبية الكبرى هو رغبة البلاد في الحد من اعتمادها على الأجانب، الذين لديهم أجنداتهم ومصالحهم الخاصة التي قد تتقاطع أو لا تتقاطع مع أجندة ومصالح الماليزيين.

 

- الثاني: اعتقدت الحكومة الماليزية أن امتلاك البلاد لشركة نفط وطنية تدير مواردها النفطية سوف يضمن للحكومة الاستفادة من رأس المال الدولي دون أن تضطر للخضوع أو الاستجابة لإملاءات خارجية.

 

- الثالث: أدت أزمة النفط في الفترة بين عامي 1973 و1974 إلى زيادة اعتماد ماليزيا على النفط الأجنبي. ولهذا اعتقد الماليزيون أنه إذا أصبح لديهم شركة نفط وطنية تدير مواردهم فبإمكانهم تلبية احتياجاتهم الخاصة من النفط والغاز، بدلًا من استيراده بينما يملكونه بالفعل.

 

- الرابع: أدى الاستقرار السياسي للبلاد في ذلك الوقت إلى تعزيز الإيمان بقرار إنشاء شركة وطنية تدير موارد ماليزيا من النفط والغاز.
 

 

- يمكننا تقسيم تاريخ "بتروناس" إلى 4 مراحل. الأولى هي مرحلة التكوين في السبعينيات، حيث كان الدور الرئيسي لها في ذلك الوقت هو إدارة موارد البلاد من النفط والغاز من خلال "عقود تقاسم الإنتاج".

 

- في الثمانينيات، انتقلت "بتروناس" إلى المرحلة التنموية، حيث بدأت تلعب دور مدير المشروع وتحولت إلى صرح نفطي متكامل. ثم في التسعينيات بدأت الشركة في الانخراط في مشاريع خارج ماليزيا، وهو ما يمثل مرحلة العولمة بالنسبة للشركة.

 

- مع بداية الألفية الثالثة، أصبحت "بتروناس" أحد أبرز كبار اللاعبين العالميين في مجال النفط والغاز، وبعد ما يقرب من 35 عامًا منذ تدشينها، أصبحت عائدات أنشطتها الخارجية تمثل أكثر من 30% من قيمة عوائدها الإجمالية.

 

- جنبًا إلى جنب مع نمو أعمالها وتوسع أنشطتها، نما عدد العاملين بالشركة من 15 موظفا فقط عند تأسيسها عام 1974 إلى ما يزيد على 51 ألفًا في عام 2017.
 

إعداد القادة .. من الداخل
 

- هذا ربما هو الجزء الأكثر إلهامًا في التجربة النفطية الماليزية. فمنذ البداية، حرصت "بتروناس" على الاستثمار بكثافة في تنمية رأس مالها البشري من خلال التدريب والتعليم وتنمية المهارات القيادية لموظفيها.

 

- أدى هذا النهج إلى تفريخ مواهب ماليزية قادرة على تطوير وتنمية أعمال الشركة عبر أجيال مختلفة. وتركز "بتروناس" على تعليم وتطوير موظفيها الماليزيين بشدة لأنها تؤمن بأهمية أن يكون لديها رجالها في أي مكان تعمل به الشركة بكافة أنحاء العالم.

 

- بعبارة أخرى، يفضل الماليزيون تطوير خبرائهم بدلًا من الاعتماد على الغرباء، ولذلك يحرصون على إعطاء صغار الموظفين الذين ينضمون إلى الشركة في وقت مبكر التعليم المنظم والمستمر في مختلف المجالات، وبالأخص في مجال القيادة.

 

- في عام 2011، أطلقت "بتروناس" ما سمته "مركز بتروناس للقيادة"، وهو عبارة عن معهد تعليمي تم بناؤه كامتداد لمعهد أسسته الشركة لذات الغرض في عام 1992، في سعيها لزيادة جهودها في مجال التدريب والتعليم.
 

 

- يضم المرفق الجديد أكثر من 40 قاعة تدريب وأكثر من 110 غرف للإقامة. وقدم برامج تعليمية تغطي مجالات كثيرة من بينها القيادة والمهارات الإدارية. وفي المتوسط يحضر حوالي 20 ألفًا من موظفي الشركة برامج التعليم المختلفة سنويًا.

 

- التعليم لا يقتصر على مرحلة معينة، بل يحدث على طول الطريق المهني للموظف داخل "بتروناس". حتى قبل الانضمام إلى الشركة، يتم منح الطلاب بالجامعات التي ترعاها الشركة تدريبات في مجالي الإدارة والقيادة من أجل إعدادهم لبيئة العمل.

 

- في كتابهم الصادر في عام 2013 حول أهمية التعليم الداخلي بالشركات، أشار "حامد كازيروني" و"دينيس تسانج" و"جاي إليس"  إلى أن تنمية المهارات القيادية حظيت دائمًا بأهمية قصوى لدى "بتروناس" التي تقوم بإعداد قادتها من خلال اعتماد مبدأ تطوير الكفاءات الشهير "10:20:70".

 

- هذه الصيغة هي نتاج أبحاث أجراها ثلاثة باحثين من "مركز التعلم الإبداعي" (CCL) وتشير إلى أنه من أجل إعداد قادة، يجب أن يتعلم الشخص 70% من المهام المطلوبة منه كقائد من خلال القيام بها بنفسه (التعلم عن طريق الخبرة)، و20% من عبر التغذية المباشرة من أصحاب الخبرة. وأخيرًا يحصل الموظف على حوالي 10% من المهارات القيادية من خلال حضور المساقات والحلقات الدراسية وبرامج التدريب.
 

دعم المواهب وخلق الكفاءات
 

- على خلاف كثير من الشركات الحكومية في أماكن مختلفة حول العالم، تستغل "بتروناس" خطط توسعها محليًا أو دوليًا سواء من خلال إطلاق منتجات والدخول في أسواق جديدة في تنمية مهارات القيادة لدى موظفيها، والذين تعطيهم الثقة والدعم اللازمين.

 

- بهذه الطريقة، تم إعداد مهندس شاب مبتدئ ليصبح أحد أهم قادة الشركة في غضون سنوات. في بداياته مع الشركة في التسعينيات تم تعيينه كمدير لمشاريع مختلفة صغيرة في السوق المحلي كبداية.

 

- مع تطور مهاراته القيادية، عينته إدارة الشركة كمدير لعدد من مشاريعها الخارجية في بلدان ذات طبيعة خاصة مثل السودان ومصر. وكان يقوم برفع تقاريره إلى رؤسائه، الذين يقومون بدورهم بتدريبه من خلال تقديم ملاحظات بناءة حول أدائه. وبحلول عام 2008 أصبح هذا المهندس هو مدير إدارة الصحة والسلامة في بتروناس.


- في عام 2006، أطلقت "بتروناس" برنامج التنمية المعجلة للقدرات (ACD)، وذلك على خلفية ندرة الكفاءات التقنية داخل الشركة، وخاصة في مجال الاستكشاف والإنتاج بسبب المنافسة العالمية الشديدة عليهم، وهو ما تسبب في عدم وجود عدد كاف من المهندسين أصحاب الخبرات لتدريب وتطوير قدرات المهندسين المبتدئين.

 

- تسبب ذلك في طول الفترة التي يحتاجها المهندس المبتدئ قبل أن يصبح بإمكانه حل المشاكل الفنية بشكل مستقل، مقارنة مع ما يحتاجه نظراؤهم في شركات النفط والغاز العالمية الأخرى.

 

- بحلول عام 2008، بدأت الشركة تجني ثمار هذا البرنامج، حيث تمكنت من تقليل الوقت اللازم لتطوير المهندس المبتدئ من وقت انضمامه إلى القوى العاملة إلى أن يصبح كبير مهندسين قادرا على اتخاذ القرارات الفنية غير الروتينية إلى 7 سنوات و10 أشهر، مقارنة مع 13 عامًا قبل اعتماد البرنامج.
 

 

- الاهتمام بتطوير رجالها، هكذا يدير الماليزيون مواردهم من النفط والغاز التي تمثل عوائدها حوالي 30% من ناتجهم المحلي الإجمالي عبر شركتهم وفخر اقتصادهم "بتروناس" التي تحافظ على مكانها في قائمة "فورتشين 500" منذ حوالي 21 عامًا.

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة