"فن الحرب" .. الجندي الماهر يحارب وفق شروطه أو لا يحارب على الإطلاق

"الحرب خدعة، لذا فعندما نستطيع الهجوم، يجب أن نبدو كما لو كنا عاجزين عنه، وعندما نناور ونتحرك بالقوات يجب أن نبدو خاملين، وعندما نقترب يجب أن نجعل العدو يظن أننا بعيدون، وعندما نكون بعيدين يجب أن نجعله يظن أننا قريبون".
 

"في البداية أظهر خجل العذراء اليافعة، إلى أن يكشف العدو عن ثغرة في صفوفه، لحظتها نافس الأرنب البري في سرعته الكبيرة وأنت تهجم عليه مباغتًا، فيكون الوقت متأخرًا عليه كي يقاومك أو يصد هجومك".
 

هذا ما قاله الجنرال العسكري الصيني "سون تزو" قبل أكثر من ألفي عام في تحفته الكلاسيكية "فن الحرب"، وتدرس مبادئ هذا الكتاب في أرفع الكليات العسكرية ومدارس إدارة الأعمال في جميع أنحاء العالم.
 

"فن الحرب" الذي يتكون من 13 فصلًا، يعتبر من أهم ما كتب في العلوم الاستراتيجية، كما أن فلسفته والتكتيكات التي تناولها، إمكانية تطبيقها تتجاوز المجال العسكري، وتنسحب أيضًا على مجالات عديدة مثل إدارة الأعمال التجارية والقانون وفنون الدفاع عن النفس والرياضة.
 

العديد من الشركات اليابانية، تلزم مديريها التنفيذيين الرئيسيين بقراءة هذا الكتاب الذي يحظى كذلك بشعبية بين دوائر الأعمال الأوروبية، بسبب الدروس التي يقدمها فيما يتعلق بالممارسات الإدارية.
 

وإذا ألقيت نظرة على الشركات والكيانات التجارية الأكثر نجاحًا وابتكارًا في العالم، فستلاحظ وجود نمط لتحركاتها في السوق عبر الزمن. نجاح شركات مثل "فيسبوك" و"آبل" و"جوجل" و"علي بابا" و"أمازون" ليس حظًا أو وليد الصدفة. الكثير يدور في الكواليس.
 

وفي هذا التقرير سنحاول استعراض عدد من المبادئ والاستراتيجيات التي طرحها "تزو" في أقدم كتاب في تاريخ العلوم العسكرية وفنون الخطط الحربية، وتطبيقاتها في عالم الأعمال اليوم.
 

ينتصر من يعرف متى يحارب ومتى لا يحارب

- يقول "سون تزو": "الجنرال البارع في تحقيق النصر، يدرك تمامًا أن القتال والانتصار في جميع المعارك ليس هو قمة المهارة، وإنما التفوق الأعظم هو كسر مقاومة الخصم دون قتال. ويحقق النصر فقط من يستطيع اختيار المعارك الصحيحة ليخوضها."

- "إذا طال أمد حملتك العسكرية فموارد الدولة لن تواكب نزيف النفقات العسكرية. ولا توجد سابقة تاريخية تذكر أن بلدًا ما استفاد من دخوله في حروب طويلة. بل إن المخضرم – العالِم بويلات إطالة الحرب – هو فقط القادر على فهم أهمية وجوب إنهاء الحروب بسرعة."

- "تجنب اعتراض عدو أعلامه منظمة بشكل مثالي، وامتنع عن مهاجمة جيش يمشي في هدوء ينم عن ثقة كبيرة بالنفس. ومن البديهيات العسكرية ألا تصعد مرتفعًا لتقابل عدوًا وألا تعترض طريقه بينما يهبط منه، ولا تطارد عدوًا سريعًا يكاد يطير، ولا تعترض طريق جيش عائد إلى وطنه. هذا هو فن دراسة الحالات والظروف".
 

- المستفاد مما سبق: في عالم الأعمال، المسألة لا تكون دائمًا لعبة فوز وخسارة بينك وبين منافسيك. فأنت لست مضطرًا دائمًا للإجهاز على منافسيك لكي تتوسع أو تحافظ على مكانتك في السوق، يمكنك مثلًا العمل على زيادة حجم السوق أو حتى التعاون مع لاعبين آخرين من أجل تنمية أعمالك دون تدمير السوق.

- أحيانًا تلجأ بعض الشركات إلى شن هجمات على أقوى نقطة لدى منافسيها، وهذا النهج يؤدي عادة إلى حرب أسعار وتورط الجانبين في معركة تستنزف مواردهما، وتكلفهما الكثير في نهاية المطاف.

- يمكنك مهاجمة منافسيك، ولكن ليس بهذه المباشرة الفجة، بل يجب عليك القيام بذلك دون أن تدمر نفسك، ويمكنك فعل ذلك من خلال عدة طرق، من بينها التركيز على الأجزاء والمناطق التي يهملها المنافس أو يتمتع فيها بحضور ضعيف، أو من خلال استخدام نهج خفي وغير مباشر لا يلفت انتباه المنافس إليك. يجب أن تتجنب الدخول في حرب أسعار بأي ثمن.
 

من ينتصر هو من تُحرك جيشه روح معنوية واحدة على جميع مستويات القادة والجند
 

- يقول "سون تزو": "الجيش المنتصر، هو ذلك الذي يتمتع ضباطه وجميع صفوفه، من أعلاها إلى أدناها بنفس الروح. إن القائد الذي يؤدي مهمته دون خوف ولا تحركه سوى رغبته في حماية وخدمة بلده، ويتقدم إلى الأمام غير طالب للشهرة وغير ساع إليها، وينسحب دون أن يخشى لحاق الخزي والعار باسمه، هو درة تاج الدولة".

- "قد يصاب القائد بخمس عيوب خطيرة يجب عليه تجنبها: 1- الجبن المؤدي للوقوع في الأسر، بسبب الحرص على العودة حيًا من المعركة. 2: الطيش والتهور المؤدي للهلاك، وعدو مثل هذا لا تقابله بالقوة الغاشمة بل غرر به إلى كمين ثم انقض عليه. 3: حدة الطبع المتسرعة، التي يمكن استثارتها بسهولة عبر الإهانات".

- "4: الحساسية المفرطة تجاه الشرف والسمعة، التي تسبب الخوف من الخزي والعار. (وهنا لا يقصد "تزو" التقليل من مبادئ الشرف، ولكنه ينتقد هنا الحساسية المفرطة، لأن من يذود عن شرفه سيفقد تركيزه على أشياء كثيرة، ويمكن للخصم بسهولة جره إلى كمائن محكمة). 5: القلق المفرط على الجنود وعدم الرغبة في المخاطرة بحياتهم. فالخوف من تقديم التضحيات العسكرية سياسة قصيرة النظر، لأن هؤلاء الجنود سيعانون أكثر في حالة الهزيمة".
 

- المستفاد مما سبق:  أن القيادة امتياز وشرف عظيم. كقائد أو مدير، مهمتك الأولى تتمثل في السيطرة على عواطفك وطاقتك الخاصة ومن ثم مساعدة من يعملون معك على تحقيق أقصى استفادة من طاقاتهم. وتذكر دائمًا، أن سلوكيات وتصرفات فريقك هي انعكاس لشخصيتك، لذلك يجب عليك تطبيق القيم التي ترغب في رؤيتها لدى موظفيك.

- طور شخصيتك كقائد، لأن هذا سيساعدك على تحقيق أقصى استفادة من إمكانات موظفيك. دخولك في نوبات غضب أو تسلطك على الموظفين والتصرف دون مراعاة القيم الأساسية هو أقصر طريق للفشل التجاري والمؤسسي. سواء كنت تدير شركة كبيرة أو ناشئة، من يعملون معك هم الأصل  الحقيقي الوحيد الذي تملكه. واعلم أن العملاء لن يحبوا الشركة أو منتجاتها إذا كان موظفوها يضيقون بها ذرعًا.
 

من ينتصر هو من جهز نفسه جيدًا ثم انتظر عدوه ليأخذه على غفلة

- يقول "سون تزو": "يمكن للجميع أن يروا التكتيك الذي أقهر به العدو، لكن لا يستطيع أحد رؤية الإستراتيجية التي يأتي النصر من خلالها." (الجميع يرى كيف يتم الفوز بالمعركة، لكنهم لا يرون القائمة الطويلة من الخطط التي سبقت المعركة وأدت لهذا النصر).

- "القائد الماهر في الهجوم لا يُمكّن خصمه من معرفة ما الذي يجب عليه الدفاع عنه، أما القائد الماهر في الدفاع فهو من يجعل خصمه في حيرة من أمره لا يعرف أين وكيف يهاجمه. يمكنك التقدم بطريقة تجعل مقاومتك مستحيلة، إذا قصدت نقاط ضعف العدو، ويمكنك التراجع والنجاة من مخاطر مطاردة العدو لك إذا كانت تحركاتك أسرع منه".

- "لا تكرر التكتيك الذي اتبعته من قبل في انتصاراتك، ولكن اترك شكل الأساليب والطرق التي تتبعها ليتم وفقًا للظروف المتغيرة. (النصر واحد، لكن الطرق المؤدية إليه لا حصر لها). وتذكر أن التكتيكات العسكرية تشبه الماء إلى حد كبير، فالماء الجاري ينساب من الأماكن المرتفعة إلى المنخفضة".

- "إن كنت تعرف قدراتك وقدرات خصمك، فما عليك أن تخشى من نتائج مائة معركة. وإن كنت تعرف قدرات نفسك، وتجهل قدرات خصمك، فلسوف تعاني من هزيمة ما بعد كل نصر مُكتسب. أما إن كنت تجهل قدرات نفسك، وتجهل قدرات خصمك.. فالهزيمة المؤكدة هي حليفك في كل معركة".

- "الطرف الذي يصل إلى الميدان أولًا وينتظر قدوم عدوه إليه، يكون أكثر استعدادًا للقتال، بينما من يصل لاحقًا، سيجد نفسه مضطرًا للاستعداد على عجل من أجل القتال، كما أنه سيصل منهكًا ومرهقًا".
 

- المستفاد مما سبق: أفضل طريقة للتنبؤ بالمستقبل هي صنعه، ولصنع مستقبلك فأنت في حاجة إلى إعداد نفسك واغتنام الفرص متى تلوح في الأفق. رجل الأعمال الماهر يمكنه حتى أن يخلق الفرصة التي لا وجود لها، ببساطة، هو يستطيع أن يجد النظام في الاضطراب والوضوح وسط الفوضى.

- إذا كنت تأخذ نشاطك التجاري على محمل الجد، فيجب عليك معرفة كل صغيرة وكبيرة تتعلق بالصناعة أو المجال الذي تعمل به، وإدراك موقعك داخل السوق. حلل الماضي، وشكّل الحاضر وخطط للمستقبل، واستعد دائمًا لمواجهة التهديدات التي تشكلها "الابتكارات المزعزعة" التي قد تأتي من داخل أو خارج صناعتك.

- إذا كنت بحاجة إلى أمثلة، فلن يرهقك البحث كثيرًا:

- " إير بي إن بي": أكبر مزود لأماكن الإقامة في العالم، لا تمتلك عقارا واحد، وتشكل صداعًا مزمنًا لصناعة الفنادق.

- "أوبر": أكبر شركة في العالم لخدمات مشاركة الركوب، لا تملك أي سيارة، وتوقف حال صناعة سيارات الأجرة.

- "فيسبوك": الشبكة الاجتماعية الأكثر شعبية في العالم، رغم أنها لا تصنع أي محتوى، وقضت على العديد من منافسيها من بينهم "ماي سبيس" و"أوركوت" إلا أنها توسعت وانتشرت ودخلت كل بيت "تقريبا" في العالم.

- "علي بابا": أكبر تاجر تجزئة في العالم، تعطل صناعة التجزئة الصينية، رغم أنها لا تحتفظ لديها بأي مخزون.

- "آبل": غيرت قواعد اللعبة في  صناعات مختلفة إلى الأبد عبر عدد محدد من المنتجات فقط، هي: "آي باد" و"آي بود" و"آي فون" و"آي تيونز"، وامتد تأثيرها إلى صناعات مثل الحوسبة الشخصية والرسوم المتحركة.

- أخيرًا يقول "سون تزو": "لا تضغط بشدة على عدو يائس، وعندما تحاصر جيشًا، اترك له منفذًا يستطيع الهروب منه (وهذا لا يعني ترك العدو ليهرب، ولكنك بذلك توحي له بوجود مخرج آمن، فتحرمه من شجاعة قتال اليائس) وبمجرد أن يتحرك إليه، دمره بكل قواك".

هذا هو فن الحرب.