نبض أرقام
00:21
توقيت مكة المكرمة

2024/07/12
2024/07/11

غريب في سوقنا .. هل وجد المستثمرون ضالتهم أخيراً في "سمارت بيتا"

2019/03/04 أرقام - خاص

في بداية الألفية الثالثة، وتحديداً في عام 2002 تمكن فريق "أوكلاند أثليتيكس" وهو أحد أفقر الأندية في دوري البيسبول الأمريكي في ذلك الوقت من التغلب على أكبر وأغنى أندية الدوري بما فيها العملاق "نيويورك يانكيز"، بعد أن حطم عددا من الأرقام القياسية الراسخة منذ عقود، وتمكن من الفوز بعدد مذهل من المباريات.

 

الثورة التي شهدها أداء هذا الفريق في ذلك الوقت كان وراءها سر ما لم يكن يعرفه سوى مدربي الفريق، ولكن السر لم يبق سراً لفترة طويلة، حيث اتضح لاحقاً أن "بيلي بين" المدير العام لـ"أوكلاند أثليتيكس" قام بتغيير تركيبة فريقه رأسًا على عقب من خلال استخدام سلاح لم يكن معروفًا لكثيرين في ذلك الوقت وهو التحليل الإحصائي وتحليل البيانات، متجاهلاً الطريقة التقليدية التي كانت تدار بها فرق البيسبول.

 

رويداً رويداً بدأت فرق البيسبول الأمريكية تمشي على خطى "أوكلاند أثليتيكس" لتعتمد بشكل أكبر على التحليل الإحصائي في تقييم اللاعبين، وهو ما أثر إيجابياً على مستوى الدوري وعلى قوة المنافسة فيه.

 

السؤال الآن، هل يمكن أن يحدث شيء مشابه في قطاع الاستثمار وتحديداً في سوق الأسهم؟ بعبارة أخرى، هل توجد طريقة بإمكانها أن تساعدنا كمستثمرين في استخدام ومعالجة هذا الكم الهائل من البيانات المالية والإحصائية من أجل التعرف على أفضل الفرص الاستثمارية؟

 

خياران يوجد ثالث لهما

 

في الثامن والعشرين من مارس 2017، أحدثت "بلاك روك" – أكبر شركة لإدارة الأصول في العالم هزة وبلبلة داخل قطاع إدارة الأصول العالمي، عقب قيامها بالاستغناء عن 53 من موظفيها المختصين بانتقاء الأسهم، واقتطاعها لـ6 مليارات دولار من أموالها المدارة بالطريقة النشطة التقليدية وتحويلها إلى صناديق تدار وفق إحدى استراتيجياتها الكمية.

 

القلق الذي انتاب قطاع إدارة الأصول في ذلك الوقت لم يكن سببه تلك الإجراءات في حد ذاتها وإنما الإشارات التي تحملها حول مستقبل الإدارة النشطة للأصول.

 

ففي السنوات الأخيرة، تراكمت الكثير من الأدلة التي تشير إلى أن الغالبية العظمى من مديري الاستثمار النشطين يفشلون في التفوق على السوق، بعد أن يتم احتساب الرسوم التي يحصلون عليها. وهذا ما دفع الكثير للاعتقاد بأن التفوق على السوق صعب للغاية، وأنه ليس من المنطقي تضييع الوقت والمال في محاولة القيام بذلك.



 

لكن رغم شهرة ذلك الاعتقاد وشيوع تلك الفكرة بين الكثير من المستثمرين إلا أنها غير دقيقة. بل في الحقيقة إن العكس هو الصحيح. فالمشكلة ليست أن مديري المحافظ وفق الطريقة النشطة يفشلون في التفوق على السوق، لأن الكثير منهم يتمكن من ذلك بالفعل ولكن قبل احتساب الرسوم.

 

ببساطة، إن المشكلة هي أن الفارق بين العائد الذي تحققه المحفظة وعائد المؤشر المرجعي تأكله الرسوم العالية التي يحصل عليها مدير المحفظة أو الصندوق. والبديل هي المحافظ أو الصناديق المدارة بالطريقة غير النشطة، والتي تمكن المستثمر من المشي في ركاب السوق والتحرك معه صعوداً وهبوطاً.

 

لكن المثير للاهتمام هو أن كبريات شركات الأصول العالمية رفضت أن تظل حبيسة هذه الثنائية، وأصرت على وجود بديل ثالث. بديل باستطاعته التفوق على السوق ولكن مقابل رسوم أقل كثيراً مما يحصل عليه مديرو الصناديق التقليديون. هذا البديل هو استراتيجية "سمارت بيتا" أو "بيتا الذكية".

 

ما الجديد؟

 

في السنوات العشر الأخيرة، لا يوجد تقريباً أي استراتيجية استثمارية في قطاع إدارة الأصول حظيت بمقدار الشهرة الذي حظيت به "سمارت بيتا"، وهو ما ساعدها على أن تصبح واحدة من أسرع فئات الاستثمار نمواً، حيث نمت قيمة الأموال المدارة وفقها بنسبة مذهلة بلغت 30% سنوياً خلال الفترة ما بين عامي 2012 و2017، قبل أن تتجاوز التريليون دولار في نهاية العام قبل الماضي.

 

لكن رغم شهرتها الواسعة لا تزال "سمارت بيتا" تمثل لغزاً للكثير من المستثمرين وبالتحديد الأفراد منهم، وذلك ربما لأنها إحدى أكثر الفئات الاستثمارية إرباكاً داخل صناعة الصناديق المتداولة بسبب وقوعها في المنتصف بين الإدارة النشطة والإدارة السلبية للاستثمار.



 

لكن في البداية يجب أن تعرف أن الهدف الأساسي من استراتيجية "سمارت بيتا" هو بناء صندوق بإمكانه التفوق على المؤشر الاسترشادي عن طريق انتقاء أسهم تنطبق عليها شروط معينة، وهو ما يمكن الصندوق من تحقيق عوائد أعلى من المؤشر الاسترشادي وفي نفس الوقت التعرض لمستوى أقل من المخاطرة.

 

أي أن الصناديق المبنية وفق استراتيجية "سمارت بيتا" تسعى بشكل أساسي إلى تحقيق عوائد أفضل من تلك التي تحققها صناديق المؤشرات (ETFs) التقليدية دون أن تكون أكثر خطورة. ولكن كيف يحدث ذلك؟

لكي نعرف كيف تختلف صناديق "سمارت بيتا" عن صناديق المؤشرات التقليدية يجب علينا أولاً معرفة كيفية عمل صناديق المؤشرات التقليدية.

 

على سبيل المثال، في المؤشر الرئيسي للسوق السعودي "تاسي" يتم استخدام طريقة الوزن المرجح للأسهم المتاحة للتداول (Free float market capitalization) في ترتيب أكبر الشركات في المملكة وفق حجم الشركة أو قيمتها السوقية. وكلما كبر حجم الشركة زاد وزنها في المؤشر، وذلك بغض النظر عن أي عامل آخر.

 

ثم تأتي صناديق المؤشرات المدارة بالطريقة غير النشطة وتقوم ببناء صناديق تطابق في تكوينها تكوين المؤشر. على سبيل المثال، إذا كان وزن الشركة "س" في المؤشر يبلغ 13%، فستمثل أسهم تلك الشركة نفس النسبة في محفظة الصندوق. ولكن مشكلة هذا النهج هو أن الشركات الكبيرة والتي تشكل بالتبعية الجزء الأكبر من الصندوق ليست بالضرورة هي الأكثر ربحية أو الأسرع نمواً.



 

هذه المشكلة يدركها بالفعل الكثير من المستثمرين، ولكنهم في نفس الوقت غير قادرين على فعل أي شيء حيالها. ولكن لماذا؟ ببساطة لأن الخيار الآخر هو الصناديق المدارة بالطريقة النشطة والتي إما تفشل في التفوق على السوق وإما تنجح فعلاً في التفوق عليه وتحقيق عوائد أعلى سرعان ما ينتهي بها الحال في جيوب مديري تلك الصناديق كرسوم إدارة.

 

في كتابه الصادر في عام 1973 تحت عنوان "المشي العشوائي في وول ستريت" انتقد الاقتصادي البارز بجامعة برينستون " بيرتون مالكييل" الاستثمار النشط قائلاً: "إن باستطاعة قرد معصوب العينين تكوين محفظة استثمارية تحقق أداء شبيهاً لتلك التي يكونها الخبراء".

 

كيف تعمل "سمارت بيتا"؟

 

وسط هذه الظروف ظهرت استراتيجية "سمارت بيتا" والتي تقوم بمساعدة الكمبيوتر والخوارزميات بتحديد أوزان الشركات في الصندوق وفق مجموعة معينة من المعايير. وكلما كان السهم أكثر مطابقة لتلك المعايير زاد وزنه في الصندوق.

 

ستة عوامل هي من تحدد الوزن الذي يحظى به أي سهم في الصندوق المدار وفق طريقة "سمارت بيتا" وهي كالتالي:

 

1- توزيعات الأرباح: الأسهم ذات توزيعات الأرباح الكبيرة أو التي تشهد أرباحها نمواً قوياً.

 

2- التقلبات المنخفضة: الأسهم التي لديها معدل تقلب أقل من المتوسط.

 

3- الزخم: الأسهم التي تشهد أسعارها اتجاها صعوديا قويا.

 

4- جودة الأساسيات: الشركات التي تتميز بخصائص تشغيلية قوية ولديها على سبيل المثال هوامش ربح عالية ومبيعات قوية.

 

5- التقييم: الأسهم التي توضح أساليب التقييم المختلفة أنه يتم تداولها دون قيمتها الجوهرية.

 

6- الحجم الصغير: الشركات ذات الحجم الصغير لها الأفضلية.

 

يتم تحديد وزن كل سهم في الصندوق وفقاً لدرجة مطابقته لتلك المعايير، وفي نفس الوقت يتم تعديل أوزان الأسهم في الصندوق تبعاً للتغيرات التي قد تطرأ على هذه العوامل. كل هذا يحدث بشكل أوتوماتيكي دون تدخل العنصر البشري، وهذا هو السبب وراء أن رسوم صناديق "سمارت بيتا" عادة ما تكون أقل من رسوم الصناديق المدارة بالطريقة النشطة ولكنها في نفس الوقت أعلى من رسوم الصناديق المدارة بالطريقة غير النشطة.

 

لكن العوامل السابقة تقودنا إلى نقطة مهمة جداً يجب أن نشير إليها وهي أن الصناديق المدارة وفق طريقة "سمارت بيتا" ليست متشابهة، وذلك لسببين: الأول هو أن عاملا كـ"التقييم" مثلاً لا يمكن حسابه بدقة ويخضع للكثير من التقديرات، والثاني هو أن هناك الكثير من الاستراتيجيات التي تندرج تحت "سمارت بيتا"، وهذا يعني أن الصندوق "س" المدار وفق "سمارت بيتا" قد لا يشبه بالضرورة الصندوق "ص" المدار وفق نفس الطريقة.

 

من ناحية تتشابه "سمارت بيتا" مع الطريقة النشطة لإدارة الأصول في السعي نحو التفوق على السوق، ومن ناحية أخرى تتشابه مع طريقة الإدارة غير النشطة في حقيقة أن كليهما لا يتم إدارته بناء على التقديرات الخاصة لمديري الأصول وإنما تتم إدارتهما بمنهجيات شفافة تلغي الحاجة للتحليل والبحث المستمر.

 

"سمارت بيتا" بين الماضي والمستقبل

 

في عام 2016 أصدرت شركة إدارة الاستثمار الأمريكية "إنفيسكو" دراسة تناولت خلالها أداء استراتيجية "سمارت بيتا" والعوامل التي تقوم عليها خلال الفترة ما بين عامي 1992 و2015 بالمقارنة مع أداء مؤشر "إس آند بي 500" الذي يضم أسهم أكبر 500 شركة مالية في الولايات المتحدة.

 

وخلصت الدراسة إلى أن الأسهم التي تنطبق عليها العوامل التي تقوم على أساسها طريقة "سمارت بيتا" تمكنت من تحقيق عوائد أعلى من تلك التي حققها مؤشر "إس آند بي 500" خلال 5 دورات اقتصادية شهدها السوق في الفترة المشار إليها ومقابل مخاطر أقل.



 

في عام 2017 ضخ المستثمرون حوالي 92 مليار دولار في الصناديق المدارة وفق "سمارت بيتا"، تبعها 56.8 مليار دولار في الأشهر التسعة الأولى من عام 2018، ليصل إجمالي الأصول المدارة من قبل ذلك النوع من الصناديق إلى حوالي 1.13 تريليون دولار حول العالم، وذلك وفقاً لبيانات شركة "مورنينجستار".

 

بخطوات ثابتة، نمت حصة "سمارت بيتا" في صناعة الصناديق المتداولة العالمية خلال السنوات الماضية، ومن المرجح أن تحافظ على ذلك الزخم في المستقبل المنظور على الأقل. وبينما تتركز أغلب الصناديق المدارة وفق هذه الطريقة في الولايات المتحدة وأوروبا لا تزال "سمارت بيتا" غريبة على السوق السعودي.

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة