قراءة في قرار "حوكمة الشركات المساهمة العامة" (1)

نظرا لأهمية شركات المساهمة عموما، وشركات المساهمة العامة خصوصا وبالتحديد تلك التي أدرجت أسهمها للتداول في البورصة، اهتمت القوانين بتقنين دقيق لتلك الشركات من حيث رأس المال، والرقابة، والإدارة، والإفصاح وغيرها من الضوابط المالية والإدارية.

 

وصدر أخيرا في دولة الإمارات عن رئيس مجلس إدارة هيئة الأوراق المالية والسلع القرار رقم (32/ر) لسنة 2007 في شأن ضوابط حوكمة الشركات المساهمة العامة ومعايير الانضباط المؤسسي.

 

وصدر هذا القرار لينظم ضوابط الحوكمة “على جميع الشركات المساهمة العامة المؤسسة في الدولة والشركات التي أدرجت أوراقها المالية في السوق وعلى أعضاء مجالس إدارة تلك الشركات” (المادة الثانية من القرار المذكور). وبخصوص نطاق تطبيق القرار يتضح أن هذا القرار لا ينطبق على كل شركات المساهمة بل على نوع منها وهي شركات المساهمة العامة، كما ينطبق على الشركات المدرجة في بورصة الأوراق المالية مهما كان شكلها.

 

وعرّف القرار حوكمة الشركات على أنها “مجموعة الضوابط والمعايير والإجراءات التي تحقق الانضباط المؤسسي في إدارة الشركة وفقا للمعايير الدولية في هذا المجال، من خلال تحديد مسؤوليات وواجبات أعضاء مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية للشركة مع الأخذ في الاعتبار حماية حقوق المساهمين وأصحاب المصالح” (المادة الأولى من القرار).

 

تميز هذا القرار بالنظرة الشمولية في حصر المسائل المعروضة، وبتعدد التعاريف ودقتها. واتسم القرار أيضا بالجرأة في طرق باب تعريف مصطلحات كانت إلى وقت قريب متروكة للاجتهادات مع ما يترتب على ذلك من اختلافات في حصر المضمون الدقيق للمصطلح. ومن أمثلة ذلك تعريف الحوكمة في حد ذاتها، وهو أمر على غاية من الأهمية، وكذلك تعريف قواعد الافصاح، وأصحاب المصالح، والتصويت التراكمي، والمعلومات الجوهرية وغيرها من المصطلحات. كما وضع القرار الضوابط المناسبة لدعوة اجتماع مجلس الإدارة، وجدول أعماله، وإخطار الأعضاء بتاريخ الاجتماع، وتزويدهم بالوثائق المناسبة.

 

واتسم القرار بإحداث ثلاثة أصناف من العضوية في مجلس الإدارة: العضو المستقل، والعضو التنفيذي، والعضو غير التنفيذي. ورتب على هذه الفروق آثارا مهمة جدا. ولم يخفِ على القرار البعد التطبيقي، حيث لم يكتف بالنص على تقرير حوكمة الشركات الذي يوقعه رئيس مجلس الإدارة ويقدمه سنويا إلى هيئة الأوراق المالية والسلع، بل نص على نموذج لهذا التقرير يتضمن أهم البيانات والمعلومات التي من شأنها إنارة هيئة الأوراق المالية والسلع حول مدى التزام الشركة بضوابط الحوكمة.

 

ولحصر مواطن التجديد في القرار سنحاول التعليق على أهم ملامح القرار مع إجراء المقارنة المناسبة مع القانون العام للشركات، أو مع النصوص التي تحكم شركات المساهمة العامة كلما أمكن ذلك.

 

واهتم “القرار” بعوامل ومقومات اتخاذ القرارات السليمة والمناسبة. فالقرار السليم يستوجب محيطا وترتيبا مناسبين لاتخاذ تلك القرارات. وقد نص القرار على عاملين اثنين: أولهما الحض على التداول والنقاش من ناحية، وثانيهما الحفاظ على التوازن في تركيبة مجلس الإدارة.

 

ولا يتحقق التداول الحقيقي في مجلس الإدارة إلا بوجود فعلي للأعضاء في اجتماع يتبادلون فيه الأفكار ويردون على تساؤلات بعضهم بعضاً، ويعقبون على ما يطرح من أفكار تأييدا أو تصويبا أو مخالفة. ولهذا السبب تم الحد من اتخاذ القرارات بالتمرير على الرغم من أهميتها العملية في بعض المعاملات. ونظرا لأهمية الجانب العملي للتمرير خصوصا في اتخاذ القرارات، فلم يتم تجاهل هذا العنصر، وأجيز على سبيل الاستثناء، ولكن تم وضع ضوابط من حيث عدد المرات التي يجوز فيها لمجلس الإدارة اتخاذ مثل هذه القرارات، ونوعية العمليات القابلة بأن يتخذ بشأنها قرار بالتمرير، وخضوع قرارات التمرير للإجماع وتضمينها بمحضر الاجتماع التالي لمجلس الإدارة.

 

 

* السقف العددي للقرارات موضوع تمرير: تم تحديد حالات إصدار القرارات بالتمرير بأربع مرات في السنة.

 

* طبيعة القرارات التي تتخذ بالتمرير: يجب أن تتسم القرارات التي تتخذ بالتمرير بأنها “طارئة” أنها لا تقبل التأخير أو أن التأخير من شأنه أن يؤثر في فاعليتها.

 

* خضوع القرارات المتخذة تحت نظام التمرير للموافقة: عادة ما تتميز القرارات المعروضة على المصادقة بالتمرير بطبيعتها الطارئة كما هو مبين بالفقرة أعلاه، وحرصا على أن يتم اتخاذ القرارات بناء على معطيات ووثائق ومستندات تنير متخذي القرار، وعدم إساءة استخدام الطبيعة الطارئة للمعاملة، وإدراك تام بما يحيط بالمعاملة من تبعات، كان لابد من الموافقة على تلك القرارات.

 

* توفر الاجماع في القرارات الصادرة بالتمرير: اتخاذ القرارت بالاجماع ليس هو الأصل في الشركات التجارية، بل الأصل الأغلبية بأصنافها: البسيطة، والمطلقة، والمعززة. ولكن القرارات المتخذة بالتمرير تخضع للإجماع.

 

* تضمين القرار ليدون في محضر اجتماعات المجلس.

 

نصت الفقرة الثانية من المادة الثالثة على أن “يتم انتخاب أعضاء مجلس إدارة للشركة من قبل المؤسسين، ويتم انتخاب أعضاء مجلس الإدارة اللاحقين لمدة محددة من قبل مساهمي الشركة، على أن يراعى في تشكيل مجلس الإدارة التوازن المناسب بين الأعضاء التنفيذيين وغير التنفيذيين والأعضاء المستقلين، بحيث يكون ثلث الأعضاء على الأقل من الأعضاء المستقلين، وتكون الأغلبية للأعضاء غير التنفيذيين الذين يجب أن يتمتعوا بخبرات ومهارات فنية لما يعود بالمصلحة على الشركة، وفي جميع الأحوال يتعين عند اختيار الأعضاء غير التنفيذيين للشركة مراعاة أن يكون العضو قادرا على تخصيص الوقت والاهتمام الكافيين لعضويته وألا تمثل هذه العضوية تعارضا مع مصالح أخرى له”.

 

وتكمن أهمية هذه الفقرة في أن القوانين إلى وقت قريب لم تعر اهتماما إلى تفاصيل التركيبة الداخلية للمجلس على الرغم من تأثير ذلك في اتخاذ القرارات. ويلاحظ أن صنف العضو غير التنفيذي هو الذي يجب ان يتمتع بالأغلبية داخل المجلس. وعضو مجلس الإدارة غير التنفيذي هو: “العضو الذي لا يكون متفرغا لإدارة الشركة أو لا يتقاضى راتبا شهريا او سنويا من الشركة” (المادة الأولى المتعلقة بالتعاريف).

 

من البديهي في مجال اتخاذ القرارت في الشركات، أنه لا يتم اتخاذ القرارات عن بينة ما لم تكن المعلومات متوافرة ومتبادلة بين الذين يتخذون القرار وهم أعضاء مجلس الإدارة بمكوناته الثلاثة: الأعضاء المستقلين، والأعضاء التنفيذيين، والأعضاء غير التنفيذيين. ويعطي هذا التصنيف تصورا عن مدى قرب الأعضاء من الشركة، ومدى حيادهم في اتخاذ القرار. والقرارات الصائبة هي التي تتخذ بتكامل هذه المكونات الثلاثة. وإذا نظرنا إلى واقع التركيبة للمجلس كما نص عليها القرار، نجد أن العضو التنفيذي هو العضو الأقرب إلى معرفة وضعية الشركة المالية وغيرها من المسائل المتعلقة بالشركة. وبناء عليه يكون العضو التنفيذي هو الأجدر بتزويد العضو غير التنفيذي بالمعلومات. أما فاعلية العضو غير التنفيذي فتكمن في الرأي المستقل الذي يبديه، وتحتاجه المؤسسة. وهكذا نرى ان لكل صنف إضافته الخاصة: فهذا يملك المعلومة، ويحتاج إلى رأي محايد، وهذا له الحياد وتنقصه المعلومة. واجتماع هذه الأصناف وتكاملها هو عامل نجاعة وسلامة القرارات.