نبض أرقام
04:26 ص
توقيت مكة المكرمة

2024/11/24
2024/11/23

قبل أن تشتري الدجاجة من أجل بيضها .. انتبه لما وراء توزيعات الأرباح في سوق الأسهم

2020/01/10 أرقام - خاص

قال المزارع القديم لابنه: "يا بني، البقرة من أجل حليبها والدجاجة من أجل بيضها والبستان من أجل فاكهته والنحل من أجل عسله والأسهم من أجل توزيعات أرباحها".

 

 

العبارات السابقة هي جزء من قصيدة نظمها الاقتصادي الأمريكي "جون بور ويليامز" في إطار أطروحة الدكتوراه التي قدمها إلى جامعة هارفارد عام 1937 تحت عنوان "نظرية قيمة الاستثمار" في واحدة من أكثر الفقرات غرابة وإثارة في تاريخ أطروحات الدكتوراه.

 

لا شيء بالمجان

 

منذ أيام "ويليامز" وحتى من قبله، وتتمتع الأسهم الموزعة للأرباح بجاذبية خاصة بالنسبة لجمهور المستثمرين في سوق الأسهم وخصوصًا المحبطين والمتطلعين منهم للأرباح والذين يشعرون بأنهم وجدوا ضالتهم أخيرًا في الأسهم الموزعة للأرباح.

 

ولكن توجد هناك مشكلة بسيطة، وهي أن أغلب المستثمرين لا يفهمون كيفية عمل الأرباح الموزعة ولا ما وراءها، وهو ما يورطهم في أخطاء تكلفهم في أغلب الأحيان الكثير من أموالهم. فالبعض يعتقد مثلًا أن الأسهم الموزعة للأرباح أقل مخاطرة من تلك التي لا توزع أي أرباح.

 

بينما يعتقد آخرون أن الأسهم الموزعة مثلها مثل السندات توفر دخلا سنويا مجانيا فضلًا عن إمكانات النمو الرأسمالي. وهكذا يعتقدون أن التوزيعات مجرد دخل إضافي وليست تسييلا لجزء من قيمة السهم كما هو الحاصل بالفعل. وفي الحقيقة إن هؤلاء جميعًا واقعون في شَرَك ما يطلق عليه الباحثون "مغالطة التوزيعات المجانية".

 

 

في ورقة بحثية نشراها في عام 1961 أشار الاقتصاديان الحائزان على جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية "ميرتون ميلر" و"فرانكو موديلياني" إلى أن سياسة توزيع الأرباح ليس من المفترض أن تؤثر على تقييم الشركة، كما نصحا المستثمرين بألا يهتموا بما إذا كانت الشركة توزع أرباحًا أو لا، والتركيز بدلًا من ذلك على جودة أساسياتها.

 

ولكن دراسات عديدة تشير إلى أن المستثمرين يميلون إلى الاحتفاظ بالأسهم الموزعة لفترات أطول مقارنة مع غيرها من الأسهم بسبب تركيزهم على "جاذبية الدخل المتصورة" وهو ما يشتت انتباههم بعيدًا عن التطورات الإيجابية أو السلبية التي قد تشهدها حالة الأساسيات.

 

تركيز المستثمرين على حالة متغير واحد وهو "توزيعات الأرباح" يجعلهم غير منتبهين إلى مشاكل كبيرة قد تكون موجودة بالفعل في البيانات المالية لا تكتشفها راداراتهم لأنهم معميون حرفيًا بالأرباح الموزعة المغرية التي يحصلون عليها بشكل دوري.

 

توزيعات خرافية

 

مع انخفاض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة إلى مستويات قياسية غير مسبوقة عقب الأزمة المالية العالمية الأخيرة، بدأت الأسهم الموزعة للأرباح تحظى بشعبية كبيرة بين المستثمرين المحبطين من تراجع أسعار الفائدة على السندات. وحينها أخذ المحللون في مدح العوائد المرتفعة والوضع الضريبي المميز الذي تحظى به الشراكات الرئيسية المحدودة (MLPs) المدرجة بالبورصة.

 

وفي هذه الظروف سرعان ما أصبحت شركة الطاقة الأمريكية التي تتخذ من هيوستن مقرًا لها "لينن إنرجي" إحدى أكثر الشركات شعبية في وول ستريت وذلك لقدرتها على زيادة حجم توزيعاتها كل عام. فعلى سبيل المثال قامت الشركة في عام 2012 بتوزيع أرباح قدرها 680 مليون دولار، وذلك بزيادة قدرها 15% عن عام 2011.

 

 

رغم أن هذه الأرقام تبدو للوهلة الأولى مثيرة للإعجاب إلا أنها تصبح غريبة جداً وغير منطقية حين يتم مقارنتها مع التدفقات النقدية الحرة، والتي تشير التقارير المالية الصادرة عن الشركة إلى انخفاضها في نفس العام بنحو نصف مليار دولار لتصل إلى سالب 694 مليون دولار كما يوضح الجدول التالي:

 

تفاصيل التدفقات النقدية لشركة "لينن إنرجي" (الأرقام بالمليون دولار)

 

العام المالي 2010

العام المالي 2011

العام المالي 2012

صافي الدخل

(144.29)

438.44

(386.61)

حساب التدفقات النقدية الحرة

التدفقات النقدية التشغيلية

270.92

518.71

350.90

النفقات الرأسمالية

(223)

(629.86)

(1045)

التدفقات النقدية الحرة

47.88

(111.15)

(694.17)

الاستحواذات

(1351)

(1500)

(2640)

التدفقات النقدية الحرة بعد حساب الاستحواذات

(1303)

(1611)

(3334)

           

المستثمر الذي يمتلك قليلا من المنطق سيتساءل: كيف لشركة لديها تدفقات نقدية حرة سالبة بقيمة 694 مليون دولار أن توزع 680 مليون دولار على المستثمرين؟ كيف يوافق مجلس الإدارة على ذلك؟ كيف فعلها ومن أين أتى أصلًا بتلك الأموال؟ تكمن الإجابة في الطريقة التي حسبت بها الشركة تدفقاتها النقدية وتحديداً تدفقاتها النقدية القابلة للتوزيع.

 

طريقة حساب "لينن إنرجي" لتدفقاتها النقدية القابلة للتوزيع (الأرقام بالمليون دولار)

 

العام المالي 2010

العام المالي 2011

العام المالي 2012

صافي الدخل

(114.29)

438.43

(386.61)

بالإضافة إلى:

استحواذات/تصفيات

42.84

57.96

80.50

مصروفات الفائدة

193.51

259.72

379.93

الإهلاك والاستهلاك

238.53

334

606.15

خسائر وتكلفة انخفاض قيمة الأصول

48

97

432

خسائر (مكاسب) من عقود المشتقات

300.28

(219.70)

256.37

مكافآت الأسهم

13.79

22.24

29.53

تكاليف الاستكشاف

5.16

2.39

1.91

ضريبة الدخل

4.24

5.46

2.79

EBITDA المعدلة

732.13

997.62

1402.69

يطرح منها

مصروفات الفائدة

(193.51)

(259.72)

(379.93)

التكاليف الرأسمالية الخاصة بالصيانة

(88)

(167.30)

(362)

التدفقات النقدية القابلة للتوزيع

450.62

570.59

660.75

                   

بالنظر إلى الجدول السابق ستلاحظ أن "لينن إنرجي" حين قامت بحساب التدفقات النقدية القابلة للتوزيع قامت بطرح النفقات الرأسمالية الخاصة بالصيانة فقط في حين أن النفقات الرأسمالية بالكامل والموضحة بالجدول الأول تتجاوز ضعف ذلك الرقم.

 

هناك بعض الشركات تقسم النفقات الرأسمالية إلى قسمين: القسم الأول خاص بالصيانة ويندرج تحته كل الأموال التي تنفقها الشركة على صيانة مرافقها وأصولها الحالية. أما القسم الثاني فيخص النمو، وتندرج تحته الأموال المنفقة إما على توسعة وزيادة قدرة المرافق الحالية أو على بناء أخرى جديدة.

 

 

ما الفارق بين الاثنين محاسبيًا؟ عادة ما يتم استبعاد النفقات الرأسمالية الخاصة بالنمو أثناء حساب التدفقات النقدية القابلة للتوزيع. والمشكلة هي أن الإدارة لديها قدر كبير من السلطة التقديرية في كيفية تصنيف نفقاتها الرأسمالية إما كنفقات نمو أو نفقات صيانة. وكلما كانت نفقات النمو أكبر ونفقات الصيانة أقل زاد حجم التدفقات النقدية القابلة للتوزيع.

 

هذا بالضبط ما فعلته ويوضحه الجدول التالي:

 

توزيع "لينن إنرجي" لنفقاتها الرأسمالية (الأرقام بالمليون دولار)

 

العام المالي 2010

العام المالي 2011

العام المالي 2012

إجمالي النفقات الرأسمالية

223

629.86

1045

النفقات الرأسمالية الخاصة بالصيانة

88

167.30

362

النفقات الرأسمالية الخاصة بالنمو

135

462.56

683

نسبة نفقات النمو من إجمالي النفقات الرأسمالية

60.5%

73.4%

65.3%

 

ماتت الدجاجة!

 

في عام 2014 ومع تأثر سوق الطاقة العالمي بتراجع أسعار النفط تأثرت بشدة أعمال "لينن إنرجي" التي كانت تعاني أصلًا. ورغم كل مشاكلها استمرت الشركة في توزيع الأرباح بسخاء على المستثمرين الذين كانوا أكثر من سعداء بذلك.

 

على سبيل المثال، في نوفمبر 2015 كان يتم تداول أسهم "لينن إنرجي" مقابل 22 دولارًا للسهم. وفي ذلك الوقت كان الإقبال على السهم مدفوعًا بشكل أساسي من وعد الشركة للمستثمرين بتوزيع أرباح سنوية نسبتها 22%.

 

 

المستثمر الساذج هو من ستغريه هذه التوزيعات الكبيرة وسيقبل على السهم كمن يتسابق للحصول على طعام مجاني. أما المستثمر العاقل الذي لطالما لسعته نيران السوق ستستشعر راداراته فورًا أن هناك شيئًا ما غير منطقي حول هذا السهم.

 

كل من أغرته توزيعات الأرباح الكبيرة ولم ينظر إلى ما وراءها واستثمر في سهم "لينن إنرجي" في ذلك الشهر، لم يمهله الزمن سوى بضعة أشهر قبل انهيار سعر السهم إلى ما دون الدولارين لتعلن الشركة إيقاف توزيعات الأرباح وعزمها التقدم بطلب لإشهار إفلاسها، ليخسر المستثمر ليس التوزيعات فقط بل ورأس ماله بالكامل تقريبًا. فيلم رعب حرفيًا!

 

السؤال الذي ربما لازم البعض طوال قراءة هذا التقرير هو: من أين جاءت "لينن إنرجي" بالأموال التي وزعتها على المستثمرين كأرباح خلال السنوات السابقة على إفلاسها في عام 2016؟ والإجابة في الحقيقة سهلة جدًا وربما توقعها الجميع! ببساطة كانت الشركة تثقل نفسها بأكوام من الديون لكي تمول التوزيعات وتبقى جذابة في أعين المستثمرين. عند إفلاس الشركة بلغ إجمالي ديونها 8.3 مليار دولار.

 

 

هل كان بإمكان مستثمري الشركة تجنب الفخ الذي سقطوا فيه وذهب بأموالهم؟ بلا شك، فأي مستثمر يفهم ولو قليلًا في سوق الأسهم وأحواله قادر على إدراك أن قيام أي شركة بتوزيع أرباح ضخمة في نفس الوقت الذي تعاني فيه تدفقاتها النقدية هو نذير لكارثة تلوح في الأفق. ولكن أغرته التوزيعات. باختصار، فسد البيض وماتت الدجاجة.

 

المصادر: أرقام – وول ستريت جورنال

رسالة الدكتوراه: The Theory of Investment Value

كتاب: UNSCRIPTED: Life, Liberty, and the Pursuit of Entrepreneurship

كتاب: Financial Shenanigans, Fourth Edition

دراسة: Dividend Policy, Growth, and the Valuation of Shares

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.