قصة نجاح .. أورسولا بيرنز وصعود استثنائي إلى القمة

- حققت" أورسولا بيرنز" إنجازًا تاريخيًا فريدًا، بوصفها أول امرأة أمريكية من أصول أفريقية تتبوأ منصب الرئيس التنفيذي لإحدى شركات قائمة "فورتشن 500"، وذلك في عام 2009 عندما تولت قيادة شركة "زيروكس".

- مثّلت مسيرتها الملهمة، انطلاقًا من بداياتها المتواضعة وصولًا إلى قيادة هذه المؤسسة العملاقة، مثالًا يُحتذى به.

- لدى تسلّمها زمام الأمور في زيروكس، واجهت "بيرنز" تحديًا جسيمًا يتمثل في إنقاذ الشركة من وضعها المتدهور.

- وفي خطابها لخريجي معهد روتشستر للتكنولوجيا عام 2009، استرجعت "بيرنز" ذكريات تخرجها قائلة إنه لم يكن ليخطر ببال أحد أنها ستصبح رئيسة تنفيذية، إذ لم يكن هناك آنذاك رئيسات تنفيذيات لشركات عالمية كبرى، ناهيك عن امرأة من ذوات البشرة السمراء.

- تلخص هذه الكلمات الصريحة بوضوح التحديات الجمة التي تغلبت عليها "بيرنز" لتصبح أول امرأة أمريكية من أصول أفريقية تقود دفة شركة عالمية رائدة.

نجاح غير متوقع

- نشأت" أورسولا بيرنز" في أحد الأحياء الفقيرة بشرق مانهاتن في سبعينيات القرن العشرين، ضمن "مشاريع الإسكان" الحكومية المخصصة لذوي الدخل المحدود، والتي ارتبطت غالبًا بصورة نمطية بالعنف.

للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام

- ورغم صعوبة هذه النشأة، فقد ساهمت في تشكيل شخصيتها، حيث اكتسبت منها دروسًا قيّمة أفادتها في مسيرتها المهنية.

- تصف "بيرنز" هذه التجربة بقولها إن هناك أحياء مماثلة في جميع أنحاء البلاد، وأنها ترى الأطفال هناك، بلا وجهة ولا مستقبل واعد.

- كان والدا "بيرنز" من أصول بنمية، وقد ترك والدها العائلة باكرًا، فتولت والدتها أولجا تربيتها وشقيقيها، وعملت جاهدة في وظائف متواضعة لتأمين معيشة أبنائها.

- كانت والدة "بيرنز"، ذات الشخصية القوية، هي المؤثر الأكبر في حياتها، إذ غرست فيها المثابرة وأخلاقيات العمل الجاد التي دفعتها لاحقًا إلى النجاح في عالم الشركات.

- نشأت" أورسولا بيرنز"، الابنة الوسطى في عائلتها، في بيئةٍ حفّزتها على النضج المبكر والتعبير عن الذات، فقد استلهمت من والدتها، التي كانت تؤمن إيمانًا راسخًا بأهمية إبداء الرأي.

- ورغم الظروف المعيشية المتواضعة التي عاشتها والدتها، فإنها غرست في أبنائها طموحًا عاليًا لا يحده مكان أو زمان، وكانت تقول لأورسولا على وجه الخصوص؛ هذا هو مكان نشأتكِ، ولكنه لا يُحدّد هويتكِ ومستقبلكِ.

- تفوقت "بيرنز" في دراستها، وبرعت بشكل لافت في الرياضيات، ما أهّلها للحصول على منحة دراسية تقديرًا لتفوقها.

- واصلت مسيرتها التعليمية فحصلت على شهادة البكالوريوس في الهندسة الميكانيكية عام 1980 من معهد البوليتكنيك بجامعة نيويورك (الذي يُعرف الآن بكلية تاندون للهندسة)، ثمّ نالت درجة الماجستير من جامعة كولومبيا المرموقة.

- لم يكن صعود امرأة سوداء تعمل في مجال الهندسة في شركة ذكورية مثل زيروكس بالأمر الهين. ففي ذلك الوقت، كانت الفرص المتاحة محدودة للغاية، ومع ذلك، تمكّنت "بيرنز" من الحصول على فرصة تدريب صيفي في زيروكس عام 1980، الشركة التي كانت تحتكر تقريبًا سوق تكنولوجيا المستندات آنذاك.

- اعترفت "بيرنز" لاحقًا بأنها لم تتوقع يومًا أن تُصبح الرئيس التنفيذي للشركة، لكن طموحها كان دائمًا عاليًا، مدفوعًا بإيمان والدتها الراسخ بأن "العمل الجادّ والمثابرة يُؤتيان ثمارهما دائمًا".

- تجاوزت إنجازات "بيرنز" كل التوقعات، حيث أمضت ما يقرب من أربعة عقود في خدمة الشركة، مُحققةً أعلى المناصب القيادية.

- كان ذلك بعد مسيرة مهنية حافلة تضمنت مناصب مختلفة في مجالات تطوير المنتجات والتخطيط الاستراتيجي على مدى السنوات العشر الأولى من عملها.

زيروكس: من الابتكار إلى الإهمال... كيف أضاع عملاق التكنولوجيا فرصته في المستقبل؟

- عندما تولت" أورسولا بيرنز" قيادة زيروكس مطلع 2009، واجهت مهمة عسيرة لإعادة إحياء شركة بدأت تفقد بريقها.

- في تلك الفترة، وكما ورد في صحيفة "نيويورك تايمز"، غدا اسم "زيروكس" مرادفًا للماضي، فشركة زيروكس، التي تأسست عام 1906، اقترنت في ستينيات القرن الماضي باختراعها المبتكر، آلة التصوير الضوئي، غير أن هذا النجاح الباهر انقلب إلى نقمة عليها، إذ عرقل مسيرة تطورها ونموها.

- اعتمدت زيروكس على استراتيجية بحثية، وكان مركز أبحاث بالو ألتو (PARC) جوهرة عملياتها.

- شهد هذا المركز ولادة العديد من التقنيات المستخدمة اليوم، كواجهات المستخدم الرسومية والطابعات الليزرية وفأرة الحاسوب.

- لكن إدارة زيروكس تجاهلت هذه الابتكارات، كما فعلت كوداك مع الكاميرا الرقمية.

- بل إن باحثي زيروكس شاركوا نتائجهم مع شركتي أبل ومايكروسوفت، اللتين أصبحتا لاحقاً رائدتين في مجال الحوسبة الشخصية.

- وبحلول منتصف التسعينيات، فقدت زيروكس حتى هذه الميزة، إذ واجهت منافسة شرسة من الشركات اليابانية مثل كانون وريكو، ما أدخلها في أزمة وجودية وفوضى تنظيمية، تضمنت تغييرات متكررة في القيادة وإعادة هيكلة فاشلة لقسم المبيعات.

- إضافة إلى تحقيق من لجنة الأوراق المالية والبورصة بسبب ممارساتها المحاسبية، حتى إن بعض المحللين توقعوا إفلاسها.

- لذا، قادت رئيسة الشركة "بيرنز" جهودًا حثيثة لإنقاذها من الإفلاس عام 2001، وتبنت استراتيجية تنويع الأعمال، خاصة في خدمات معالجة البيانات، ثم توسعت لاحقًا عبر عمليات الدمج والاستحواذ، وركزت الأبحاث على تطوير برمجيات تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحسين كفاءة العمليات التجارية.

- وهكذا، تحولت زيروكس تدريجيًا من شركة أجهزة إلى شركة برمجيات، وهو تحول قادته "بيرنز" بحماس، وإن شكّل في نهاية المطاف تحولًا جذريًا للشركة التي خدمتها طويلًا.

سيدة أعمال ملهمة

- عند استقالة "بيرنز" كرئيسة تنفيذية عام 2016، كانت زيروكس قد حققت نموًا كبيرًا في خدمات العمليات التجارية، التي انفصلت لاحقًا عن الشركة الأم.

- حافظت الشركة تحت قيادتها على أرقام إيرادات مُبهرة، لكن مع اكتمال انتقال زيروكس إلى العصر الجديد عام 2016، حان وقت رحيل "بيرنز" بعد 36 عامًا من الخدمة.

- أكدت "بيرنز" أن النجاح لا يتعلق بالمال أو السلطة، بل بالرحيل، وهو درس تعلّمته من والدتها التي كانت تقول: "يجب أن تغادر المكان أفضل ممّا كان عليه عند قدومك".

- تشارك هذه المرأة السوداء الطموحة والمتعلمة، التي نشأت في كنف أم عزباء، أوباما سمةً مشتركةً؛ ألا وهي اعتزازها بعرقها وجنسها دون اتخاذهما وسيلةً للدعاية.

- وبصفتها أول امرأة سوداء تترأس شركة كبرى، لم تسطر "بيرنز" التاريخ فحسب، بل ألهمت أجيالًا من الفتيات.

- ورغم أهمية التنوع، ما زالت النساء الأمريكيات من أصل أفريقي يواجهن تحديات جمة للوصول إلى المناصب القيادية.

- فمن بين رؤساء شركات فورتشن 500، هناك 27 امرأة فقط، ولا توجد بينهن سوداء. ويُعزى ذلك إلى التحيز المُعلَن والخفي ضدهن، حيث يُنظر إليهن بصورة نمطية سلبية.

- كما أن قلة تمثيل الأمريكيين من أصل أفريقي في مجالس الإدارة، حيث لا يوجد سوى 3 رؤساء تنفيذيين سود، وجميعهم ذكور، يُظهر محدودية تأثير تعيين "بيرنز" على هذا الصعيد، إذ يرى البعض أن العلاقة بين التنوع والأداء المالي للشركات ليست إلا محض صدفة.

مستقبل مشرق

- لم تنتهِ مسيرة "بيرنز" المهنية بالتقاعد كما هو الحال مع غيرها من الرؤساء التنفيذيين، بل استمرت في نشاطها ضمن مجالس إدارة كبرى الشركات والمؤسسات المرموقة.

- طُرح اسمها كإحدى الشخصيات المرشحة لتولي مناصب عامة، إلا أنها آثرت الابتعاد عن المعترك السياسي، وتولت مؤخرًا منصب الرئيس التنفيذي لشركة VEON العالمية للاتصالات.

المصدر: وورلد فاينانس