كان القانون الروماني في العصور الوسطى ينص على الآتي "من يمتلك الأرض، فإنه يحوز باطنها إلى عنان سماها"، ويبدو أن المقولة شكلت السند القانوني لما بات يسمى اليوم بـ"حقوق الهواء"، فماذا تعرف عزيزي القارئ عن تلك الحقوق؟
"حقوق الهواء" ببساطة هي حق تطويري في قطاع العقارات يشير إلى المساحة الفضاء "فوق" أي عقار، ما يعني أن ملكية أو تأجير أرض أو مبنى يعطي المرء حق استغلال وتطوير أجوائه، لكن كيف بدأ الالتفات إلى هذا الحق غير المعتاد؟
في الواقع، لم يكن أحد يلتفت لمثل هذا الحق قبل القرن العشرين، حيث صدرت أول قيود قانونية على حقوق الهواء بسبب الطائرات، إذ لا يمتلك أصحاب العقارات حقوقا في المجال الجوي فوق أراضيهم إلا بما يستطيعون أن يستخدموه فعليا، نظرا لمرور الطائرات باستمرار، فمن كان أول من التفت أصلا إلى إمكانية تطوير هذا المجال؟
كانت شركات السكك الحديدية أول من أدرك إمكانية تحقيق المال من استغلال حقوق "هوائها"، وتعد المحطة المركزية الكبرى في مدينة نيويورك الأمريكية مثالا جيدا على ذلك، حيث وضع ويليام جيه ويلجس، كبير المهندسين في سكة حديد نيويورك المركزية ونهر هادسون، خطة لجني المال من حقوق الهواء، فكيف حقق ذلك؟
في البداية، أنشأت الشركة رصيفا فوق باحات السكك الحديدية للسماح بإنشاء مبان فوقها، وبحلول عام 1954، قدم اقتراح باستبدال المحطة المركزية الكبرى ببرج من 50 طابقا، لكن المشروع استبدل ببناء مبنى ميتلايف بجوار المحطة بعد اعتراضات شعبية، لكن البناء على أرصفة فوق خطوط السكك الحديدية يظل مشروعا قادرا على تحقيق أرباح طائلة.
بيرنهام بليس
وفي واشنطن، تعتزم شركة أكريدج للتطوير العقاري بناء مشروع على مساحة 3 ملايين قدم مربعة، يحمل اسم بيرنهام بليس، فوق السكك الحديدية لمحطة يونيون في العاصمة الأمريكية.
أكريدج دفعت للحكومة الأمريكية عشرة ملايين دولار فقط مقابل حقوق الهواء في 2002 لتبني فوق متاهة من السكك الحديدية والأرصفة على مساحة 14 فدانا شمال محطة "الفنون الجميلة" للقطارات التي افتتحت عام 2007.
وهكذا يكون السعر مقابل الأعمال الهوائية 3.3 دولار فقط للقدم المربعة، ورغم رخص هذا السعر، بمعايير قيم الأراضي الحالية، إلا أنك عزيزي القارئ يجب أن تتذكر أن الأرض، التي تعرف في مشاريع حقوق الهواء بـ"سطح السفينة" لم تبن بعد.
ويقول ديفيد تاكمان، نائب رئيس الشركة للتطوير، إن التحدي يكمن في كلفة ’سطح السفينة‘"، حيث إن التمويل المصرفي غير متاح لمشاريع الهواء، على عكس المشاريع العقارية التقليدية، إذ لا توجد بالفعل أرض أو مبنى يكون بمثابة رهن في حال امتنع المقترض عن سداد المديونية.
ويضيف تاكمان أنه لذلك تعين على الشركة أن تجمع رأس المال اللازم بنفسها قبل الشروع في بناء "سطح السفينة"، الذي قد يتكلف مئات الملايين من الدولارات، حيث ستبدأ في الأعمال الإنشائية المبدئية في 2016، على أن تنتهي منها في 2018.
باحات هادسون
ويعد مشروع "تطوير بابحات هادسون" في مدينة نيويورك بمساحة 17 مليون قدم مربعة، أحد أكبر مشاريع حقوق الهواء في العالم، أكبر عمل إنشائي منذ مركز روكفيلر.
ووضع حجر الأساس للمشروع الذي تبلغ تكلفته 20 مليار دولار في ديسمبر/كانون أول 2012 وبدأ في مارس/آذار تغطية المنطقتين المفتوحتين الشاسعتين اللتين تطلان على خطوط أمتراك الحديدية والمنطقة بين الجادة العاشرة والثانية عشر من المدينة.
وسيزن الأسمنت والحديد الصلب اللذان سيستخدمان في إنشاء "سطح السفينة" أكثر من 35 ألف طن، مع 300 قيسون (اسطوانة حديدية لصب الخوازيق)، يصل قطر الواحدة منها خمسة أقدام ويصل عمقها تحت الأرض إلى نحو 80 قدما، كل هذا لدعم وزن "سطح السفينة".
الأدهى، أنه كما هو الحال في مشروع بيرنهام بليس في واشنطن العاصمة، ينبغي أن تستمر عشرات الخطوط من السكك الحديدية في العمل أثناء عملية الإنشاء.
يبقى سؤال مهم سيتعين على مديري المشاريع مواجهته، وهو ماذا عن الضرائب العقارية بعد الانتهاء من بناء الأرض؟
ويقول جيفري ساسمان من مشروع حقوق الهواء "كابيتول كروسينج" في واشنطن، على مساحة 2.2 مليون قدم مكعب وبكلفة 1.5 مليار دولار، إنه يتعين وجود إعفاء من الضرائب العقارية خلال عملية البناء "لتقليص التكاليف الباهظة لعملية الإنشاء".
أخيرا، ما يثير السخرية أن نقص الأراضي في مدن عدة من العالم، مثل واشنطن العاصمة، يجعل التكاليف الخرافية للبناء على الهواء معقولة، حيث تظل أسعار الأراضي في هذه المدن خيالية، كما أن المعروض منها شحيح أصلا.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}