رفض رئيس اتحاد مستوردي الادوية فيصل المعجل النظرة الاحادية لمشكلة التسعيرة الدوائية في الكويت، وأكد ان الدواء والعلاج مسؤولية ادبية واخلاقية على الدولة ويجب عليها ان تحقق المعادلة اللازمة بتوفير الادوية باسعار مناسبة للجميع مع مراعاة الجانب التجاري في هذه الصناعة الهامة.
واشار المعجل في لقاء خاص لـ”السياسة” الى امكانية وضع نظام تأميني خاص لحماية محدودي يفرض على الشركات اعطاء تأمين لموظفيها يغطي حاجة المريض، مستنكراً في الوقت ذاته المقارنة بين اسعار الادوية في الكويت والسعودية نظراً لاختلاف نشاط الصيدليات بين البلدين فضلا عن مساهمة القطاع الخاص في السعودية بنسبة تصل الى 70 % من الأدوية بعكس الكويت التي تهيمن عليه الحكومة على الأدوية.
وأكد المعجل أن بيئة تصنيع الدواء في الكويت معدومة، وطالب بضم المكملات الغذائية والادوية غير المصنفة الى التسعيرة الدوائية في اقرب وقت، خاصة انهما المتسببان في الانطباع بمغالاة السوق الدوائي.
وفي مستهل اللقاء قال المعجل إن مفهوم تجارة الادوية في الكويت تحكمه نظرة احادية الجانب، وهي ان الدواء غالي الثمن، وهنا يجدر الاشارة الى اسباب ارتفاع اسعار الدواء هنا، والحقيقة هي كثيرة، فالكويت دولة مستوردة للدواء، صحيح صدر قرار لمجلس وزراء الصحة في دول مجلس التعاون عام 2006 بشأن توحيد سعر الدواء وتأخرنا كثيرا في تطبيقه، الا اننا بدأنا بالفعل في التطبيق وجار العمل به.
* ماذا عن تفاوت اسعار الدواء بين الكويت ودول مجلس التعاون؟
– من المستحيل ان يتم تداول الدواء بنفس السعر في الكويت ودول مجلس التعاون، وذلك لعدة عناصر، منها عنصر الكلفة ومعدل الصرف لاننا نقوم بالشراء بعملة اجنبية ونقوم بتحويلها الى عمله محلية، فالدينار الكويتي يختلف عن الريال السعودي والدرهم الاماراتي فهناك هوامش بسيطة في الاسعار.
* لماذا هامش الربحية في الكويت أعلى من باقي دول المجلس؟
– شرعنا في وضع تسعيرة للدواء قبل الغزو ووضعت على اساس هامش ربحية بمقدار 70% لانه كان يشمل الجمارك في ذاك الوقت، وتدرجوا في تخفيض النسبة حتى وصلت الى 45% منها 22.5% للتاجر و22.5% للصيدلية، وفي دول المجلس 34 % اي بمقدار زيادة يصل الى 11% توزع على التاجر والصيدلي بنسبة 5% لكل منهما، والاثنان عليهما التزامات وعمولات بنكية وايجارات ورواتب ومصاريف تشغيل واذا ما خصمنا نسبة الـ 10 الى 15 % قيمة هذه المصاريف تصل نسبة الربح النهائية ما بين 10 الى15 % واعتقد أنها نسبة عادية ولا مغالاة فيها، فالكويت تتميز عن باقي دول المجلس بارتفاع مستوى المعيشة فمتوسط الراتب التقاعدي في الكويت 3 اضعاف الراتب التقاعدي في السعودية على سبيل المثال.
نظام تأميني
* ماذا عن التفاوت في المستوى المعيشي للافراد؟
-الكويت هي الدولة الاكبر في الهيمنة على تجارة الادوية، وهي أكبر متعامل مع الأدوية، ففي السعودية على سبيل المثال نجد ان هيمنة القطاع الخاص على الادوية يصل الى 70%،وفي الكويت العكس تماما فالقطاع الحكومي يسيطر على السوق بنسبة تتراوح ما بين 70و75% وبالتالي المواطن او الوافد يستطيع ان يحصل على الادوية من الدولة مجانا، فالدواء متوافر والمريض عنده حرية الاختيار ان يذهب للصيدليات الخاصة او القطاع الحكومي والشراء ليس اجبارياً.
من دون أن نغفل ان قضية الدواء والعلاج مسؤولية ادبية واخلاقية على الدولة، فهي مسؤولة عن الاشراف على العلاج بكل عناصره من تشخيص وعلاج وغيرها، ويجب ان تراعي الجانب التجاري، وعندما تطالب القطاع الخاص بأن يطور من أدائه، فيجب عليه ان يراعي هامش الربح الذي يعتبر عنصراً اساسياً في اعادة الاستثمار والتطوير، وعندما نتحدث عن المستشفيات الخاصة على سبيل المثال فهي لم تحقق التطوير المطلوب الا بعدما اعيد النظر في آلية التسعيرة. وفيما يتعلق بشرائح المجتمع فهناك نظام يمكن العمل به لحماية الفئات الضعيفة او بالاحرى محدودة الدخل من خلال وضع نظام تأميني يفرض على الشركات اعطاء تأمين لموظفيها يغطي حاجة المريض وفي المقابل الانسان المقتدر يستطيع شراء الادوية.
* هل تقصد أن ادخال الدواء ضمن منظومة التأمين الصحي يعتبر أحد حلول القضاء على ارتفاع اسعار الادوية؟
– ليست قضية التامين، ولا اريد أن اجزئ هذه المشكلة فصناعة الادوية يجب النظر لها بشكل متكامل، فالدواء غالٍ في الكويت ولا أنكر ذلك، لكن منذ عامين بدأت الدولة في تخفيض اسعار الدواء وبدأت المشكلة في طريقها للحل.
لكن قرار التخفيض لم يشمل كافة الادوية !
صحيح، للاسف هناك نوعية معينة من الادوية تم تسعيرها، ولم يتم تسعير المكملات الغذائية والادوية التي تسمي بـ unclassified أي غير المصنفة، وهذه مسؤولية الدولة وليست مسؤوليتنا، لكننا نتحدث هنا عن الأدوية المسجلة classified اي التي تم تخفيض أسعارها بنسب تتراوح ما بين 20و70%،فهناك أدوية كانت تباع في السابق بـ 15 ديناراً الآن تباع بـ 5 دنانير، ورغم هذا التخفيض مازلنا أعلى سعرا بالمقارنة مع بعض دول المجلس وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، لكن اذا ما قارنا بين سعر الارض في الكويت والسعودية مثلا فالمئة متر هنا يشتري كيلو متر هناك، لذا لا يجوز عقد مثل هذه المقارنات، بالاضافة الى ان نشاط الصيدليات في السعودية وبعض الدول اكبر بكثير، فالصيدليات هناك عبارة عن سوبر ماركت صغير، والماركت شير أكبر بكثير من الكويت وكذلك مساهمة القطاع الخاص.
واردف: المكملات الدوائية والادوية غير المصنفة تحتاج الى تدخل سريع للايجاد حلول خاصة بها لانهما المتسببان في الانطباع بان السوق الكويتي يعاني من المغالاة في الاسعار، فالدولة من المفترض ان توسع نظام التسعيرة الدوائية ليشمل المكملات الغذائية والادوية غير المصنفة، فقبل 30 سنة وبالتحديد في منتصف الثمانينات – تم تسجيل وتسعير الادوية لاول مرة في الكويت، ووقتها تم السماح بدخول 15% فقط من ادوية ورفض الباقي، وكان هناك ما يقارب من 30 الف صنف يتم استيرادها وانتهى الفرز باختيار ما يقارب الـ3 الاف صنف فقط، والتسجيل كان بمثابة احد الفلاتر التي وضعت لتقنين وحماية المستهلك.
التلاعب بالأسعار
* ماذا عن التلاعب في أسعار الادوية المسجلة من خلال سحبها وتحويلها الى ادوية غير مسجلة؟
– اتحاد مستوردي الادوية لا دور له في هذه المشكلة، فهناك لجنة مشتركة بين الاتحاد والوزارة تختص بمتابعة شؤون الادوية وتنظيم العلاقة بينه وبين الصحة وايجاد طرق التعاقد وتطبيق بعض الانظمة والقوانين، لكن بالنهاية نحن نضع اقتراحات والوزارة هي التي تقوم بعرضها على الجهات المعنية ومن ثم تطبيقها، لكن وزارة الصحة ممثلة باجهزتها الرقابية هي التي تشرف على مثل هذه الامور، وحسب علمي اعرف أن وزارة الصحة بصدد متابعة المكملات الغذائية والادوية المصنفة وكذلك البيطرية، لكن لاسباب كثيرة تأخروا في تطبيق هذه القرارات بالرغم من ان آلية التطبيق معتمدة، وتصنيف الادوية وتسعيرها مسئولية الدولة واجهزتها الرقابية، وتحويل الادوية من مصنفة الى غير مصنفة اختيار الشركات، وربما يكون لديها عدة اسباب في ذلك منها اتاحة الفرصة لبيع الدواء في كافة الصيدليات أو الالتفاف فعلا على الاسعار وهي قضية رقابية في المقام الاول.
وهناك من يحاول الالتفاف على هذا النظام بتصنيف الدواء كمكمل غذائي فلا يمر بنظام التسجيل والقيود، وعندما وضع نظام التسعيرة كان يختص بالادوية فقط ولا يضم المكملات الغذائية لذا يجب على الدولة ان تضم المكملات والفيتامينات وغيرها الى نظام التسعير لتقنين الأسعار، فانا على سبيل المثال قمت بشراء احد ادوية من اميركا بـ30 دولاراً وجدتها تباع في الكويت بـ30 ديناراً لا يوجد رقابة كافية على هذه المشكلة.
وأضاف: نحن نناقش حاليا مع وزارة الصحة تعديل بعض بنود التعاقد والصيغة التعاقدية لان الصيغة التعاقدية الموجودة الان تسمى بـ ” عقود الإذعان” لانها بالكامل لصالح الدولة والوزارة، فالعقد يجب ان يراعي مصالح الاطراف كافة، وما يحدث مع عقود الادوية يراعي مصالح وحقوق الطرف الاول فقط (وزارة الصحة) بينما يركز على واجبات الطرف الثاني، فهي تتغافل مثلا مواعيد سداد الاموال وشروط التوريد.
تأخر الصحة
* تأخر الصحة أفهم من ذلك أن وزارة الصحة تتأخر في سداد الاموال المستحقة عليها للمستوردين؟
نعم، فهي تتأخر عن السداد لفترات طويلة تتراوح ما بين 9و12 شهراً وربما يزيد، وهذا بالطبع يؤثر على ربحية المستورد الذي يضطر الى الاستدانه من البنود لتسديد الالتزامات الخاصة بالشركات، انا لا ادافع عن الاسعار لمجرد الاستحواذ على الربحية فالشركات تجارية ويجب ان تحقق الربحية من وراء العمل.
* سوق الادوية يقتصر على شركات بعينها.. ماذا لو فتحنا باب التنافسية؟!
– هذا نظام معمول به منذ سنوات وهو نظام الدولة ككل.. فكم شركة تتاجر في السيارات في الكويت؟ وكم شركة تقدم اجهزة كهربائية؟ والاتصالات والبنزين؟!! هذا نظام، وبالنسبة للادوية لها خصوصية فهي السلعة الوحيدة المراقبة من الدولة من بداية الدخول الى الاستهلاك والاتلاف، فالشركات مسؤولة عن الدواء من بداية ادخاله وحتى اتلافه وهي مسؤولية كبيرة ولولا نظام الوكالات لما استطعنا الرقابة على هذه الصناعة، ففي بعض الدول دون ذكر اسماء قبل عدة سنوات قامت بالغاء نظام الوكالات وتحولت الصناعة الى فوضى عارمة، لكن في الكويت عندما يكون هناك ملاحظة ما على بعض الادوية تستطيع الاجهزة الرقابية معرفة المسؤول عنها ومحاسبته.
وتابع: في التعاقد مع الشركات هناك التزام بارسال تقرير لهم خلال 24 ساعة من التعاقد وتشمل تسجيل ملاحظات علي الدواء، فالعلاقة التعاقدية بين الشركات المصنعة والوكلاء المحليين نظام معمول فيه منذ سنوات في الكويت واحتكار هذه الشركات امر طبيعي، ففي العالم كلة صناعة الدواء محتكرة 10 شركات في العالم فقط هي المسئولة عنها، فالدواء له حماية فكرية والدولة عندما تصنع الدواء تنفق بالمليارات لكي توصله للسوق فهناك حماية فكرية لها، وهي منقولة للموزعين والوكلاء المحليين، واذا اعتبرنا مجازا ان الوضع الحالي خاطئ ففتح السوق للتنافس يعتبر معالجة خطأ بخطأ ! فحصول المريض على الدواء بسعر مناسب هي السياسة التي يجب على الدولة أن تراعيها لتحقيق الربحية للجميع، أما فتح باب التنافس فهي معالجة خاطئة للمشكلة، السوق مفتوح للادوية العامة مثل الكحة والصداع والامراض البسيطة لكن ادوية جهاز المناعة وغيرها من الادوية المعقدة من الصعب التعامل معها، قضية احتكار الدوء كمصنعين لا انكرها فاحتكار الادوية هي صناعة في الاساس، مثل الخدمات الاخرى كالطائرات والتليفونات وغيرها، لا تستطيع ان تتحدى قضية الاحتكار.
مصانع الأدوية
* ماذا عن منح تراخيص انشاء مصانع للادوية في الكويت؟
– عندما نقوم بانتاج اي منتج نحتاج الى تسويقه، اذا كان هامش الربح العائد لا يبرر هذا الاستثمار لن نقدم على هذه التجربة، فالادوية معروفة على مستوى العالم بانها سلعة ستراتيجية غالية الثمن ولكي نحافظ عليها يجب ان نحقق من ورائها هامش ربحية لاعادة الاستثمار، حيث يتم انفاق المليارات سنويا على الابحاث الخاصة بهذه الصناعة لاكتشاف ادوية جديدة، وهناك عشرات الادوية الجديدة التي تم اكتشافها مؤخرا.
* ماذا عن الابحاث الخاصة بصناعة الدواء في الكويت؟
– لدينا مصنع وحيد، وهو لا يقدر ان يقوم بالدور المطلوب، وصراحة جو تصنيع الدواء في الكويت معدوم ليس فقط في الادوية وانما في كل شيء، فأنا اعرف الكثير من الشركات التي تريد استثمار الكثير من السلع، لكنها لا تفكر في الكويت للاستثمار فيها نظرا لتعقيد الاجراءات ونقص الاراضي وارتفاع التكلفة في الكويت، لذا ذهبوا الى السعودية وقاموا بانشاء مصنع في مكة وفي الامارات وغيرها، وبالنهاية الدواء للاسف يعامل بمعزل عن الشق التجاري وهذا غير صحيح، فالتليفونات المحمولة على سبيل المثال تباع بما يتراوح بين 200و300 دينار والسلع الرفاهية تشترى بالاف الدنانير، لكن عندما نقوم برفع سعر الدواء عدة دنانير نرفض ونعترض.
كن أول من يعلق على الخبر
تحليل التعليقات: