ترددت إبان الأزمة المالية العالمية عبارة شهيرة "إذا عطس اقتصاد الولايات المتحدة أصيبت بقية اقتصادات العالم بالإنفلونزا"، وعلى الرغم من المبالغة النسبية لهذه العبارة، حيث إن الأزمة المالية لم تكن مجرد "عطسة" ولكنها تبقى تعبيرًا بليغًا عن "التبعية الاقتصادية" في عالمنا اليوم.
خصوصية العلاقات الاقتصادية
والسبب الرئيسي وراء تفاقم ظاهرة التبعية الاقتصادية عالميًا يعود إلى العديد من الأسباب لعل أهمها وصول التجارة العالمية إلى قرابة 16 تريليون دولار، وفقًا لتقديرات مؤسسات الأمم المتحدة، وهو ما يعادل 20.5% من حجم الناتج الإجمالي عالميًا، ويعكس ترابط غير مسبوق بين اقتصادات العالم.
وعلى الرغم من هذا فالتبعية الاقتصادية تزداد في حالات أخرى بصورة أكبر لا ترتبط بالاقتصاد العالمي قدر ارتباطها بخصوصية العلاقة بين دولتين، والأمثلة في ذلك كثيرة، وتأتي المكسيك كأحد أهم الأمثلة في هذا الصدد.
فوفقًا للبيانات الرسمية الأمريكية والمكسيكية فقرابة 81% من صادرات "نيومكسيكو" تتجه للولايات المتحدة، بينما يتوزع 19% الباقية على بقية دول العالم، وهو ما يجعل المكسيك "هشة" للغاية في مواجهة أي تغيرات تحدث في الولايات المتحدة الأمريكية.
ولعل المثال الأحدث هو ما تعرض له سوق الأسهم المكسيكي من فقدان قرابة 20% من قيمته خلال شهر واحد بسبب التوترات مع الولايات المتحدة حول رغبة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" في فرض بلاده تعريفة على المنتجات المكسيكية لدفع الجارة الجنوبية لتغيير سياساتها في قضايا الهجرة.
وبسبب هذه "الاعتمادية" أيضًا فقد تراجعت خطط التوسع للشركات المكسيكية بنسبة تفوق 40% وتم تجميد غالبيتها بسبب مخاوف المستثمرين من مستقبل البلاد الاقتصادي في ظل الغيوم حول العلاقة الاقتصادية مع واشنطن.
ألمانيا وأوروبا
وتبرز ظاهرة "التبعية" في العلاقة بين ألمانيا من جهة وأوروبا من جهة، فمن نافلة القول التأكيد على اعتبار برلين "قاطرة أوروبا" ولكن إلى أي مدى تؤثر الأخيرة على جيرانها، خاصة في ظل التراجع النسبي –وإن كان محدودًا- في أداء الاقتصاد الألماني.
يكفي فقط الإشارة إلى تعديل صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو منطقة اليورو بتخفيضها بنسبة 0.2% الشهر الماضي بسبب ما وصف بـ"البيانات المخيبة" للقطاع الصناعي الألماني، وهو ما يؤشر لتأثير تراجع أداء أحد القطاعات فحسب في ألمانيا (على أهميته) على القارة العجوز بأكملها.
وليست التبعية الاقتصادية لألمانيا وليدة اليوم، فالنمسا حققت أعلى معدلات نمو في تاريخها بين عامي 1933-1940، مستفيدة بثورة التصنيع المكثفة التي شهدتها الجارة الكبيرة قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية، بينما تدهور الاقتصاد بشدة في أعقاب السنوات الصعبة التي عاشتها ألمانيا بعدها.
ووفقًا لدراسة للمنتدى الاقتصادي العالمي فإن 64% من الدول النامية تعاني من درجة عالية من التبعية الاقتصادية، ويرجع ذلك بالأساس إلى تركيز غالبية تلك الدول على إنتاج سلعة بعينها، قد يتحكم في سعرها الطلب من قلة من المشترين بما يجعل تلك الدول عرضة لتقلبات اقتصادية لا تملك التحكم فيها أو حتى مجرد التأثير.
الصين وتايوان
وتعتبر تايوان حالة لافتة في مجال الاعتماد على دولة أخرى اقتصاديًا، حيث تشكل الصادرات 53% من حجم الناتج المحلي الإجمالي للجزيرة (2017) وتبلغ نسبة الصين من هذه الصادرات 30% بما يجعل الصين متحكمة بشكل شبه مباشر في خُمس الاقتصاد التايواني بالكامل، فضلًا عن بعض المجالات الأخرى المتداخلة.
وفي مجال الاستثمارات يصبح الأمر أكثر فداحة، بهيمنة الصين على 70% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية في تايوان، ويعتبر موقع "كويز" أن ذلك يأتي كمحاولة صينية لضمان وجود تأثيرات قوية من جانب الدولة الأم على الجزيرة التي تعتبرها جزءا من "ترابها الواحد".
بل وتأتي هونج كونج، والتي أصبحت رسميًا جزءا من الصين وتدار بنظام سياسي مختلف فحسب، في المركز الثاني لشركاء تايوان التجاريين وفي مجال الاستثمارات أيضًا بما يجعل "الفك الصيني" مُحكم الإغلاق حول الجزيرة الجارة.
وتعلق إحدى الصحف التايوانية على هذا الأمر بقولها "تنمية اقتصادية في ظل موافقة صينية لن تكون مستقرة أو مستدامة، لأن من يملك المنح يملك المنع"، ويمكن الإشارة إلى أن هذه المقولة صالحة لتطبيقها على كافة الدول التي تعاني التبعية الاقتصادية وتبعاتها المكلفة.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}