في حين تحظى السياسة النقدية وتوجهات البنوك المركزية باهتمام بالغ من المستثمرين والمحللين والمراقبين حول العالم، فإنها ليست كل ما يشغل بالهم عندما يتعلق الأمر بالسيطرة على معدلات التضخم والتحكم في السيولة وتعزيز معدلات النمو أو تهدئتها.
قد تكون الأدوات النقدية -التي تمتلك المصارف المركزية وحدها حق التحكم بها- أكثر شعبية لدى الكثيرين نظرًا لما تتمتع به من استقلال عن السلطة التنفيذية والسياسيين الذين قد يعمدون إلى توظيفها في خدمة خططهم قصيرة الأجل بغرض إرضاء الناخبين.
ومع ذلك، فإن للحكومات أدواتها الخاصة التي تمنحها نفوذًا اقتصاديًا على صعيد الأمم، لذا فهي تلعب دورًا لا يقل أهمية عن دور المصارف المركزية في توجيه عناصر الاقتصاد عبر سياساتها المالية والتي تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على نظيرتها النقدية وحتى سلوك المستهلك والشركات.
على سبيل المثال، عند قدوم "دونالد ترامب" إلى موقع السلطة في البيت الأبيض، قرر تخفيض الضرائب على الشركات الأمريكية لتشجيعها على زيادة الاستثمار وتوظيف الأمريكيين واستعادة الأموال التي تحتفظ بها في الخارج لتجنب إخضاعها لمعدلات الضريبة المرتفعة.
ليس ذلك فحسب، تعمل إدارة الرئيس الجمهوري على زيادة الإنفاق الحكومي عبر الاستثمار في مشروعات البنية التحتية وغيرها، وفي حين قد يبدو ذلك هدفه إثارة مشاعر الناخبين، فهو في الحقيقة يعني تسارع النشاط الاقتصادي وربما ارتفاع معدل التضخم في البلاد.
ما هي السياسة المالية؟
- تعرف السياسة المالية بأنها الآلية التي بواسطتها تقوم الحكومة بإجراء تعديلات على الإنفاق المخطط له ومعدلات الضرائب المفروضة للتأثير في اقتصاد البلاد، والسير جنبًا إلى جنب مع السياسة النقدية للبنك المركزي والهادفة للتأثير في المعروض النقدي، بحسب موقع "توبر" التعليمي.
- بشكل عام، يمكن القول إن السياسات المالية، هي حزمة من التدابير التي تستخدمها الحكومات لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، وتحديدًا من خلال تحريك مستويات ومخصصات الضرائب والنفقات الحكومية، وعادة ما تسير في طريق موازٍ للسياسات النقدية بغرض تحقيق الأهداف الاقتصادية العليا.
- على جانب آخر، يُقصد بالسياسة النقدية، إدارة المصارف المركزية للسيولة في الاقتصاد بهدف تعزيز النمو الاقتصادي وتحقيق أهداف الاقتصاد الكلي للبلاد، مثل السيطرة على معدل التضخم عند مستوى معين وضبط مستويات الاستهلاك، وللسياسة النقدية أدوات عديدة لفعل ذلك من بينها سعر الفائدة.
- تُوصف السياسة المالية بالانكماشية عندما تكون إيرادات الحكومة أكبر من الإنفاق (أي أن الموازنة تحقق فائضًا)، ويقال إنها فضفاضة أو توسعية عندما يتجاوز الإنفاق الإيرادات (في هذه الحالة تعاني الموازنة من العجز)، بحسب موقع "إكونليبك" التابع لمؤسسة "ليبرتي فاند" للدراسات الاجتماعية.
- في الغالب، لا ينصب التركيز على مستوى العجز ذاته والذي أصبح شائعًا في الموازنات الحكومية، فإن تخفيض العجز مثلًا من 200 مليار دولار إلى 100 مليار دولار قد يعني أن هذه الموازنة انكماشية رغم أنها لا تزال في حالة عجز.
كيف تعمل؟
- الفكرة الرئيسية للسياسة المالية، كما ذكرنا في الأعلى، هي التحكم في الإنفاق والضرائب، ومن خلال ذلك يمكن للحكومة إما تحفيز الاستهلاك والاستثمار وإما إبطاؤه، وكما كانت طريقة لتعزيز الإنفاق الاستهلاكي والاستثمار في مثال "ترامب" السابق، فإن زيادة الضرائب تأتي بنتائج عكسية.
- لكن هناك استخدامات أخرى للسياسة المالية في الاقتصاد، وأحدها بحسب موقع "ذا ستريت" هو سعي الحكومة إلى تحفيز الاقتصاد إذا استشعرت تباطؤ نشاط قطاع الأعمال، وذلك عبر إنفاق المزيد من الأموال، ويسمى هذا النهج بـ"الإنفاق التحفيزي".
- إذا لم يكن لدى الحكومة ما يكفي من النقود لتمويل إنفاقها، فغالبًا ستقترض من الأموال في شكل سندات حكومية (سندات الخزانة) للإنفاق على الأوجه التي حددتها سلفًا، وكما أوضحنا سابقًا فإن هذا الإنفاق سيشكل عجزًا بموازنة البلاد.
- رغم أنها أصبحت شائعة الاستخدام بهذا الشكل، ورغم أن دوافع اللجوء إلى السياسة المالية قد تختلف في الأوقات العادية، جرت العادة أن تُستخدم هذه الأدوات بعد الكساد أو الركود أو خلال حالات التباطؤ الاقتصادي الحاد أو مع ارتفاع التضخم بشكل ملحوظ.
- نشأ مفهوم السياسة المالية كنتيجة لأفكار الاقتصادي البريطاني الشهير "جون ماينارد كينز" خلال أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، حيث أكد "كينز" أنه ينبغي للحكومات أن تكون قادرة على التأثير في الاقتصاد لموازنة مراحل التوسع والانكماش في دورات الأعمال.
- أوضح "كينز" في ذلك الوقت أنه عند تراجع النشاط الاقتصادي، يجب أن تسجل الموازنة الحكومية عجزًا، بينما مع انتعاش النشاط ينبغي أن تحظى بفائض، وهو من وضع أساس السياسة المالية، بالتأكيد على النفوذ الاقتصادي للحكومة وتأثيرها في إنفاق المستهلك والمستثمر عن طريق تبني النهجين التوسعي والانكماشي.
- قبل القرن العشرين، كانت السياسات الاقتصادية في الولايات المتحدة قائمة على مبدأ عدم التدخل، بمعنى أن التأثير الحكومي المباشر في الحركة الاقتصادية كان محدودًا للغاية، لكن كان ذلك قبل أن تصبح أفكار "كينز" جزءًا أساسيًا من النظرية الاقتصادية بعد الكساد الكبير.
الهدف منها
- الهدف العام من السياسة المالية هو خلق نمو اقتصادي صحي، وبالنسبة إلى بلد مثل الولايات المتحدة فقد يعني ذلك معدل نمو سنوي يتراوح بين 2% و3%، مع بطالة بين 4.7% و5.8%، ووتيرة تضخم قرب 2%، وحينها ستكون دورة الأعمال في مرحلة التوسع.
- لكن في البلدان النامية قد تكون هناك أهداف أكثر دقة وإلحاحًا من نظيرتها لدى الاقتصادات المتقدمة، وقد يشمل ذلك الوصول بالاقتصاد إلى مرحلة التوظيف الكامل، وضمان استقرار الأسعار، إلى جانب تسريع وتيرة النمو الاقتصادي بكل تأكيد.
- قد تشمل أهداف السياسة المالية في الاقتصادات النامية أيضًا، التخصيص الأمثل للموارد، والتوزيع العادل للدخل والثروة، والاستقرار الاقتصادي، إلى جانب تكوين وتعظيم رأس المال، وأخيرًا تشجيع النمو.
- على عكس السياسة المالية، تتميز السياسة النقدية بأنها تعمل بشكل أسرع، فحين يصوت البنك المركزي لصالح رفع أو خفض أسعار الفائدة يسري مفعول القرار على الفور، ورغم أن تأثير الإجراء قد يستغرق شهورًا إلا أنه يظل أسرع.
- يرجع ذلك إلى حاجة الحكومة الدائمة لتنسيق سياساتها المالية مع المشرعين وكثيرًا ما يحدث تعارض بين خطط الحكومة واحتياجات الدوائر المحلية للمشرعين وهو ما يبطئ حركة السياسة المالية، وعادة ما يضطر ذلك البنوك المركزية للعمل على احتواء آثار السياسات المالية سيئة التخطيط.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}