"قرابة 60% من اللحوم المستهلكة حول العالم بحلول عام 2040 لن تأتي من الحيوانات ولكنها ستكون من مصادر نباتية تعطي منتجات مماثلة في الطعم تمامًا للحلم الحيواني"... هذا ما كشفته دراسة لمجموعة الاستشارات الدولية "إي. تي. كيارني" منذ أسابيع قليلة.
تغير الذوق
وعلى الرغم من أهمية ما كشفت عنه الدراسة إلا أن هذا الأمر لا يشكل التحدي الوحيد الذي يواجه إحدى أقدم الصناعات وأكثرها أهمية لارتباطها بتغذية الإنسان وصحته مباشرة، وهي صناعة الإنتاج الحيواني، بل إن تحديات جمة تواجه هذه الصناعة.
لعل أحد أهم التحديات هو "الذوق المتغير" حيث كشفت دراسة نشرتها "فوربس" مثلًا أن 3.2% من الأمريكيين هم من النباتيين، بينما كانت النسبة نفسها 0.8% قبل عقد فقط من الزمان بما يوحي بالنمو السريع لنسبة النباتيين.
وما يدعم هذا الصعود حقيقة أن نسبًا أكبر من الأجيال الأحدث تتبنى النظام الغذائي النباتي، حيث 12% من جيل الألفية الجديد من النباتيين، بينما تقل النسبة إلى 2% في الأجيال الأكبر من 40 عامًا بما يوحي بتوجه متصاعد أيضًا.
ويعود هذا الأمر إلى زيادة الوعي بما يعرف بـ"البصمة الكربونية" ويقصد بها حجم ما يتسبب فيه كل شخص من غازات كربونية بسبب أنشطته المختلفة بما فيها الغذاء، والغذاء على اللحم الحيواني يفرز كربونا بصورة مضاعفة عن النباتي لسببين الأول متعلق بطبيعة عمليات الأيض المتعلقة به، والثاني أن الحيوانات المستهلكة تفرز غازات كربونية أيضًا (خلافًا للنباتات التي تمتصها) بما يعني بصمة كربونية مضاعفة بطبيعة الحال.
ارتفاع مقابل ولكن
وعلى الرغم من الارتفاع المقابل في نسب استهلاك اللحوم في بعض الدول "الناشئة" الصاعدة، مثل الصين التي ازداد استهلاك اللحوم فيها بنسبة 140% خلال عقدين فقط، إلا أن هذا الاتجاه التصاعدي قل كثيرًا خلال الأعوام الأخيرة حتى يتوقع زيادة ما يستهلكه الصينيون 10% فقط حتى عام 2026.
كما أن متوسط استهلاك الفرد سنويًا من اللحوم في دولة مثل الصين يبلغ 55 كيلوجراما سنويًا بينما يبلغ في الولايات المتحدة 107 كليوجرامات، بما يعكس أن تأثير التراجع في الولايات المتحدة (ممثلة للدول المتقدمة) يفوق تأثير التزايد في الدول الناشئة (ممثلة في دولة مثل الصين).
لذا تشير "فاو" إلى أنه على الرغم من زيادة استهلاك اللحوم في الدول النامية بشكل عام بنسبة 4% سنويًا وزيادة استهلاك الألبان بنسبة 2-3% سنويًا خلال العقدين الأخيرين، إلا أن الإنتاج العالمي منهما لم يزد سنويًا إلا بنسب يمكن تجاهلها.
ويعود ذلك أيضًا إلى النفوذ المتزايد للأحزاب الداعية للحفاظ للبيئة، مثل أحزاب الخضر في ألمانيا وأوروبا بشكل عام، حيث تتبنى تلك الأحزاب سياسات تهدف لتقليص إنتاج اللحوم، حفاظًا على التنمية المستدامة وحرصًا على الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري.
ارتفاع أثمان الأعلاف
وعلى الجانب الآخر، فإن المحاصيل التي تعتمد عليها صناعة إنتاج اللحم الحيواني ارتفعت أسعارها بنسبة 23% خلال آخر 3 أعوام وفقًا لتقرير لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة بما فرض ضغوطًا متزايدة على الصناعة.
وما يزيد من تأثير زيادة الأسعار هو معاناة الدول النامية من نسب أعلى في زيادة أسعار الأعلاف من نظيرتها المتقدمة، بسبب زيادة نسبة الإنفاق على الغذاء في الأولى، بما يهدد استهلاك اللحوم في العديد من تلك الدول، وخاصة في أمريكا اللاتينية وبعض دول أوروبا الشرقية.
بل وإن بعض المحاصيل التي تدخل في اللحوم المصنعة، مثل الصويا، واجهت ثلاثة أعوام أخيرة صعبة للغاية في ظل انخفاض إنتاج المحصول في الولايات المتحدة والأرجنتين (وهما المنتجان الأكبر للمحصول عالميًا) بسبب انخفاض أسعاره من ناحية وبسبب الجفاف من ناحية أخرى.
وبين "اختراعات المستقبل" متمثلة في نباتات لها طعم اللحوم، والاتجاه نحو استهلاك أقل للحوم في الدول المتقدمة، والمشاكل المتعلقة بالأعلاف والمحاصيل المرتبطة باللحوم المصنعة تواجه صناعة إنتاج اللحوم الحيوانية تحديات استثنائية خلال الأعوام المقبلة، ربما لا تهدد بقاء الصناعة بطبيعة الحال ولكن تنذر بانكماش كبير في أعمالها.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}