تنشر "أرقام" باستمرار الكثير من التقارير التي تتناول كيفية الاستثمار في سوق الأسهم عن طريق صفحتها المميزة "مختارات أرقام" لا بغرض تثقيف المتداولين بالسوق ورفع درجة وعيهم بخياراتهم الاستثمارية فحسب بل كان أحد أهدافنا الرئيسية أيضاً فتح نافذة للحوار مع قرائنا الكرام.
دون مبالغة، نعتبر أنفسنا محظوظين بجمهورنا من القراء والذي نفتخر بأنه في عمومه جمهور مثقف تثرينا دائماً مشاركاته وتعليقاته. حتى إن كثيرا من الموضوعات التي تناولناها سابقاً جاءت فكرتها بالأساس من وحي تعليقات القراء التي نجدها مثيرة جداً للاهتمام في أغلب الأحيان.
وانطلاقاً من رغبتنا في تعزيز التواصل مع القراء، سنحاول في هذا التقرير أن نتفاعل مع بعض التعليقات الواردة على تقارير نشرناها سابقاً بغرض توضيح بعض الأفكار التي ربما التبست على البعض ولم يسعنا توضيح أو إزالة هذا الالتباس حينها.
أبيع السهم أم أحتفظ به؟
جاء تعليق أخينا "نظرة صادقة" على تقرير "لا تجلس تراقب أموالك تضيع أمام ناظريك" والذي نصح المستثمر بعدم التمسك بسهمه الخاسر إذا تحققت شروط معينة. وسبب الالتباس الذي عانى منه القارئ العزيز هو أننا قبل نشر ذلك التقرير بعدة أسابيع كنا قد نشرنا تقريراً آخر تحت عنوان "فليبق كل في مكانه" تتلخص فكرته في أن المستثمر لا يجب أن يسارع إلى التخلص من سهمه المتراجع بل من الأفضل له أن يصبر.
للوهلة الأولى يبدو أن النصيحتين متناقضتان بشكل محير، ولكنهما في الحقيقة أبعد ما يكونان عن ذلك. ببساطة يكمن السر في السياق الذي ذكر فيه كل منهما.
في التقرير الأول كنا نتحدث عن التحيز السلوكي المعروف باسم "Disposition effect" أو "تأثير تصفية المركز" والذي يدفع مستثمري سوق الأسهم إلى بيع الأسهم الرابحة لجني الأرباح والاحتفاظ بالأسهم الخاسرة لفترة طويلة على أمل ارتدادها مرة أخرى إلى الأعلى.
وفي هذا الإطار نصح التقرير المستثمر بعدم التمسك بالأسهم الخاسرة في حال كان التراجع الذي شهده سعرها يعكس بشكل أساسي تدهور أساسيات الشركة، وهو ما يجعل فرصة ارتداد سعر السهم أو تعافيه ضعيفة جداً، وفي نفس الوقت يجعل سعر السهم أقرب للهبوط من الارتفاع. وسهم مثل هذا من الأفضل للمستثمر أن يتخلص منه ويضخ ثمنه في أسهم أخرى قد تكون أكثر ربحية.
ثم أوضح التقرير الثاني أن على المستثمرين عدم الاستسلام لخوفهم في حال تعرض السوق لأي هزة وعدم المسارعة إلى التخلص من حيازاتهم خوفاً من التقلبات الطبيعية التي يمر بها السوق من آن لآخر إذا كانت أساسيات السهم صلبة أو لم تتعرض لأي تغيرات تبرر ذلك التراجع.
سوق الأسهم مثل السفينة الدوارة في بحر هائج، والنجاح فيه يتطلب حفاظ المستثمر على هدوئه والتزامه بخطته واستراتيجيته الاستثمارية في أحلك الظروف ما دامت أساسيات السهم لم تتغير. أي أن الفكرة ببساطة لو تعرض السوق لهزة ورأيت السوق كله يبيع ولكنك في نفس الوقت ترى أن أساسيات السهم لا تزال جيدة فمن الأفضل أن تحتفظ به ولا تسارع إلى التخلص منه على خلفية تراجعه المؤقت. بعبارة أخرى، اصبر.
ولكن الصبر عزيز، وقليلون هم من يمتلكون رباطة الجأش التي تمكنهم من الثبات في مواجهة تقلبات السوق. وهذا ما يوضحه لنا تعليق أخينا "الباردوي" على أحد تقاريرنا.
مشكلة الأخ "البارودي" منتشرة جداً في السوق ولكنّ قليلين هم من يمتلكون الشجاعة للاعتراف بها. والمشكلة هنا لا تتعلق بالتسرع وعدم الصبر بقدر ما تتعلق بغياب الفهم. ببساطة هو في حقيقة الأمر لا يعرف لماذا اشترى ذلك السهم أو لماذا باعه؟
فأغلب مستثمري السوق لا يشغلون أنفسهم كثيراً بمحاولة تحديد القيمة الجوهرية للسهم وفهم أساسياته كسلاً أو عجزاً، وهكذا يتركون أنفسهم فريسة للتقلبات السعرية لتأخذهم تارة يميناً وتارة يساراً. ببساطة مشكلتهم هي غياب البوصلة والتي تمثلها في هذه الحالة أساسيات السهم.
فهم حالة الأساسيات هو ما يجعل المستثمر يسارع إلى التخلص من سهم رابح لأنه يدرك أنه سيعكس اتجاهه قريباً بسبب أن حالة الأساسيات لا تبرر هذا الارتفاع، ليبيع السهم وهو في قمته. وعلى الجهة الأخرى نجد أيضاً أن فهم الأساسيات هو ما يدفع نفس المستثمر إلى الدخول وشراء سهم يبيعه الجميع لأنه يدرك أن أساسياته جيدة، مما يعني أن فرصة ارتداده للأعلى عالية جداً.
هناك حالة شهيرة جداً ربما يتذكرها المتابعون منا عن قرب لسوق الأسهم الأمريكي. في عام 2009 وعلى خلفية انفجار فقاعة الرهون العقارية انهار سهم شركة الاستثمار العقاري الأمريكية "جي جي بي" واقتربت من الإفلاس. في هذه اللحظة دخل عدد من المستثمرين واشتروا السهم.
هل يوجد عاقل يدخل السوق ليشتري سهم شركة على حافة الإفلاس يهرب منها الجميع بما في ذلك مساهموها الأصليون؟ نعم هؤلاء فعلوها وتمكنوا لاحقاً من تحقيق عائد نسبته 2600% على استثمارهم الأصلي. ولكن ما الذي دفعهم للإقدام على هذا الاستثمار؟ ببساطة كان هناك ملمح مهم جداً في الأساسيات غفل عنه الجميع وهو أن قيمة أصول الشركة تتجاوز التزاماتها بنحو ملياري دولار.
المستثمر لو يفهم أساسيات السهم المتراجع ويدرك أنها لا تزال جيدة لن يبيعه وسيصبر. ولكن كيف يصبر المستثمر على ما يجهله؟
أفضل الأسهم في السوق السعودي
التعليق التالي لطيف جدا ويتكرر طوال الوقت بأكثر من صيغة. ما هي أفضل الأسهم في السوق؟ ما رأيك في السهم "س"؟ ما الأسهم التي تشملها محفظتك؟ وهكذا...
والإجابة عن السؤال المطروح ببساطة: لا أعرف. وفي الحقيقة لو كنت أعرف فعلاً لما شاركتك إياها، وأغلب الظن أنني لو كنت أعرف يقيناً أفضل الأسهم بالسوق لما دار بيننا هذا الحوار أصلاً.
ولكن دعني أقول لك إنك تسأل السؤال الخطأ لأنك تفترض أن هناك قائمة سرية بأفضل الأسهم بالسوق هناك من يعرفها وهذا غير حقيقي. ويكذب من يدعي أنه على دراية بأفضل الأسهم بالسوق إذا افترضنا أنه يوجد أصلاً شيء مثل هذا.
إذا افترضنا أن 10% من مستثمري سوق الأسهم السعودي تمكنوا من تحقيق عوائد تتجاوز الـ15% خلال عام 2018 فسنكتشف بالنظر إلى محافظهم أنها مختلفة في تكوينها إلى حد كبير. والأكثر من ذلك أنك لو طابقت واحدة من تلك المحافظ مطابقة تامة بحيث بنيت نسخة طبق الأصل منها فقد تحقق أنت خسائر بذات المحفظة في نفس الوقت الذي حقق فيه صاحبها مكاسب معتبرة.
ببساطة لا توجد استراتيجية استثمارية أفضل من أخرى، بل توجد استراتيجية مناسبة وأخرى غير مناسبة. والمناسب لي قد لا يناسبك. ويجب على المستثمر أن يجتهد في العثور على استراتيجيته الخاصة التي تتوافق مع وضعه المالي الحالي وأهدافه المالية طويلة الأجل ومع قدرته على تحمل المخاطر.
أخيراً، إن "بريد القراء" هدفه الرئيسي هو تعزيز التواصل مع القراء وفتح نافذة للنقاش والحوار والتفاعل معهم، وهذا شيء ربما حاجتنا إليه في "أرقام" أشد من حاجة القراء إليه. ودائما تسعدنا تعليقاتكم واقتراحاتكم.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}