إن الحفاظ على وجود طعام صحي دائم يسهل الوصول إليه بأسعار معقولة أمر بالغ الأهمية لتغذية الإنسان وتحقيق التنمية الاقتصادية، والحل الأول دائمًا هو السيطرة على وتغيير أنماط استهلاك البروتين الحيواني، في ظل ما يفرضه الأخير من تكلفة اقتصادية وبيئية مقارنة بالغذاء النباتي.
ومع ذلك ، تظهر الدراسات أنه يستحيل أن يستهلك سكان العالم عندما يبلغ عددهم 10 مليارات -وهو رقم متوقع بحلول عام 2050- كمية ونوع البروتين المعتادة في النظم الغذائية الحالية في أمريكا الشمالية وأوروبا إذا ما أردنا تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة وتحقيق الأهداف المحددة في اتفاقية باريس للمناخ 2015.
تضاعف الإنتاج ولكن
وقد تحدثت وسائل الإعلام بشكل متزايد، عن بروتينات بديلة مثل البرغر النباتي والحشرات الصالحة للأكل واللحوم التي يتم تصنيعها معمليا وغيرها من المنتجات الجديدة.
هذا بالإضافة إلى ظهور العديد من الأخبار والتقارير للترويج لنفس الأفكار بدءا من الطريقة التي يتم بها تجنب اللحوم والألبان باعتبارها "الطريقة الأفضل والوحيدة" لتقليل تأثيرنا على البيئة، إلى الأخبار التي تشير إلى أن البرغر نباتي تصدر قائمة واحدة من أشهر سلاسل الوجبات السريعة في الولايات المتحدة في سبتمبر.
وهناك كذلك التنبؤات ببداية استخدام بروتين اللحوم المصنع معمليا، وكذلك الإعلان عن الطبق النباتى كطبق رئيسي في قوائم المطاعم هذا العام لتصبح سلسلة من الأخبار التي تسلط الضوء على التأثيرات البيئية المرتبطة بإنتاج البروتين الحيواني وأحدث تقنيات واتجاهات الأغذية التي تهدف إلى حل هذه التحديات بين الأخبار الأكثر انتشارًا.
ولكن على الرغم من هذا الاهتمام مؤخرا، فإن العالم أمامه طريق طويل للحفاظ على توفير كمية ونوعية البروتين اللازم بأسعار معقولة وصحية بصورة دائمة فى الوقت نفسه للأعداد المتزايدة من السكان.
ويتوقع قسم الأغذية والزراعة في الأمم المتحدة أن يتضاعف الإنتاج العالمي للحوم بحلول عام 2050، بينما على الصعيد البيئي يمثل إجمالي الانبعاثات الناتجة عن الماشية العالمية 14.5٪ من إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة بشرية المنشأ.
معاناة صحية واقتصادية
وصحياً ، يعاني حوالي 65٪ من سكان العالم من نقص التغذية أو زيادة الوزن أو السمنة. وفي حين أن اللحوم غنية بالطاقة وغنية بالبروتين، فإن استهلاك اللحوم الزائد يسهم في زيادة معدلات السمنة وزيادة خطر الإصابة بالأمراض غير المعدية.
ومن الناحية الاقتصادية، يشارك أكثر من مليار شخص في استثمارات سلاسل الثروة الحيوانية، حيث يعتمد نصفهم على الثروة الحيوانية في كسب عيشهم.
ووفقًا لبحث جديد أجرته مدرسة "أكسفورد مارتن" للمنتدى الاقتصادي العالمي، فإن البروتينات البديلة التي تعمل على موازنة النظام الغذائي يمكن أن تقلل الوفيات المرتبطة بالنظام الغذائي بنسبة تصل إلى 5٪، فضلًا عن تأثيرها البيئي الإيجابي أيضًا.
أما بالنظر إلى الاقتصادات الناشئة والنامية، فقد أظهر تقرير صادر عن المعهد الدولي لبحوث الثروة الحيوانية أن الاقتصادات النامية يمكنها تجنب إطلاق 150 ميجا طن من غاز ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي حتى عام 2030 إذا عُنيت ببرامج التقليل من استهلاك البروتينات نحو غذاء نباتي.
خيارات محلية
والانتقال من البروتينات التي تعتمد على اللحوم إلى مجموعة واسعة من البدائل سيتحقق بطرق مختلفة في جميع أنحاء العالم. ومع ذلك، فإن الاعتماد على السوق والأمل في أن تكون المبادرات الفردية أو تلك "غير المنسقة" بمثابة الطريق الرئيسية نحو تحقيق هذا الهدف أمر غير واقعي.
ويرجع السبب في ذلك للطبيعة الشخصية والثقافية للحوم في النظم الغذائية وأساليب الحياة البشرية التقليدية، بما يجعل هناك ارتباطًا عاطفيًا بتناول اللحوم، كما تشير دراسة للمنتدى الاقتصادي العالمي، لذا فهناك حاجة لتغيير الثقافة أولًا قبل العمل على تغيير أنماط الإنتاج والاستهلاك.
وعلى سبيل المثال استثمرت الصين مئات الملايين من الدولارات في شركات تعمل في قطاع اللحوم المصنعة بالمختبرات، بالصين وخارجها، لكن التكنولوجيا والتمويل وحدهما لن يضمنا أن يتحول المستهلكون الصينيون إلى تناول هذا النوع من البروتين.
وتؤكد دراسة لـ"أوكسفورد" أن توسيع نطاق الخيارات المختلفة داخل نظام البروتين العالمي، سواء كان تسريع إنتاج البروتين البديل أو دعم تطوير أنظمة الإنتاج الحالية القائمة على الحيوانات، أو تغيير سلوك المستهلك، سيكون شأنًا محليًا عندما يتعلق الأمر بالتنفيذ على أرض الواقع.
ولتحقيق ذلك، فإنه من الضروري العمل على تعزيز التعاون على نطاق واسع، كما ستكون هناك حاجة إلى أشكال جديدة من الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
وبغض النظر عن الشكل الذي قد تتخذه الخطوات التالية لكل دولة، تؤكد دراسة للمنتدى الاقتصادي العالمي أن "هناك الكثير الذي يجب القيام به". وتضيف الدارسة "لقد حان الوقت للعمل إذا أردنا توفير بروتين يمكن الوصول إليه بسهولة وبأسعار معقولة وبطريقة صحية ودائمة تماشياً مع أهداف التنمية المستدامة واتفاق باريس فيما يقترب تعداد سكان العالم من إجمالى 10 مليارات نسمة".
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}