نبض أرقام
08:13 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/23
2024/11/22

احترس مما تراه ..كيف تفوقت الآراء على الحقائق في عصر التكنولوجيا؟

2019/08/12 أرقام - خاص

حينما سُئل "أرسطو" قبل قرون طويلة مضت عمن يحب محاورتهم قال "العلماء"، فسألوه إن كان يكره الحديث مع الجهلة، فقال "لا إنما أحب الحديث معهم أيضًا"، وعندما سئل عمن يكره محاورتهم أجاب بأنه يكره محاورة أصحاب الآراء، فهؤلاء هم جهلة يعتقدون أنهم يعلمون ولذلك هم "الأسوأ".
 

 

اختلاط خطير
 

ومؤخرًا نشر مركز "راند" بحثًا كشف فيه عما يعرف بظاهرة "تآكل الحقيقة"، وأحد جوانبها هو الاختلاط بين الرأي والمعلومة، واعتقاد الشخص الخاطئ عن نفسه "بأنه يعلم"، وبالتالي لا يسعى للمزيد من التحصيل ويبقى في تلك المساحة الرمادية بين العلم والجهل.
 

ويشير التقرير إلى أن قرابة 74% من مستخدمي "فيسبوك" يتعاملون مع ما يتابعونه على صفحات الأصدقاء من معلومات على أنها "حقائق" لا مراء فيها، بينما يتشكك قرابة الثلثين في ما يتلقونه من أخبار من وسائل الإعلام التقليدية بدعوى وجود انحيازات مُسبقة.
 

وعلى الرغم من هذا، إلا أن نسبة الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر للأخبار -الموقع نفسه وما يضمه من أشخاص ومجموعات ليس مجموعات الوسائل الاجتماعية- ما تزال محدودة في الدول المتقدمة، إذ لا يراها إلا 17% كمصدر "جيد" للأخبار، ويتشكك البقية بدرجات مختلفة في ما تقدمه، بينما يثق الثلث بها.
 

وتشير الدراسة إلى وجود أزمة شديدة للغاية في وسائل التواصل الاجتماعي تتعلق بكيفية تقدير المصداقية، حيث يرى الشخص اسم صديق يثق به على المنشور فيبدي استعدادًا مبدئيًا لتصديق ما يطرحه، قبل الخوض حتى في تفاصيله.
 

قبول غير منطقي
 

ولقياس ذلك قدم باحثون معلومة لعدد من المتابعين على حساب مجهول على "فيسبوك"، وقدموها على حساب لصديق شخصي لآخرين، فارتفعت نسبة القبول للمعلومات بين الفئة الثانية بنسبة 60%، وذلك دون الخوض حتى في ما إذا كان هذا الصديق الشخصي "شخصاً موثوقاً" أم لا.
 

 

وتشير دراسة "راند" إلى أن هذا الأمر سبَّبَ ظاهرة أخرى سمتها بـ"غياب السياق"، بمعنى الوصول لاستنتاج لا يرتبط بشكل مباشر أو صحيح بالمعطيات التي يطرحها الشخص على وسائل التواصل، معتمدًا على مصداقيته لدى المتابعين وليس على صحة منطقه واستدلاله.
 

وقامت الدراسة باستعراض 27 ألف "قطعة" بين مقال وخبر وتقرير وتدوينة طويلة، تضمنت مجتمعة 28 مليون كلمة على  مدار سنوات، واكتشفت أنه في أكثر من 70% من الحالات يميل الأشخاص إلى تصديق من يدعمون نفس المواقف التي يتبنونها.
 

وبناء على ذلك يصبح المتلقي أكثر تقبلًا لامتصاص ما هو رأي وما يعاني من انفصال السياق بصورة أكبر بكثير مما لو لم يعانِ المستقبِل من ظاهرة الانحيازات المُسبقة التي تدفعه لقبول الرأي أو المعلومات المبتسرة بوصفها "حقيقة كاملة".
 

ظواهر سلبية
 

وهناك العديد من الظواهر السلبية التي تقترن بظاهرة تزايد الاعتماد على الرأي مقابل تجاهل الأخبار الأكثر أهمية، ومن بينها استحالة الوصول لشكل من أشكال النقاش المنطقي، وصعوبة الوصول لتوافق، فضلًا عن انطواء الكثيرين حول أنفسهم بسبب خوفهم من عدم تقبل الآخرين لما يطرحونه في ظل طغيان آراء أخرى على الساحة.
 

وللظاهرة تأثير اقتصادي واضح يتمثل في زيادة تكذيب المستهلكين للإعلانات التي يتلقونها عبر وسائل الإعلام التقليدية مقابل تصديقهم لتلك التي تأتيهم عبر الإعلام الاجتماعي بصورة أكبر بما يدفع المعلنين بصورة أكبر إليه.
 

 

كما أن الأخبار المضللة المتعمدة يصبح لها تأثير سيئ للغاية، فانتشار منشور على "فيسبوك" دون أن يكون له أي مصدر موثوق يدفع قرابة نصف المستهلكين الذين يتعرضون لهذا المنشور للتفكير جديًا في التوقف عن استهلاك هذه السلعة "لحين اتضاح الأمر"، ولذلك فإن حملات تشويه إلكترونية تكون ذات فاعلية عالية في مثل تلك الحالات.
 

وتحذر الدراسة من تنامي تلك الظاهرة مع ميل البشر بصورة أكبر للانعزال بسبب تأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي السلبية على معدلات التواصل الإنساني التقليدي، بما يجعلهم أكثر ميلًا لـ"سماع أصواتهم فحسب" أو تلك المشابهة.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.