نبض أرقام
07:29 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/23
2024/11/22

كيف أثبتت التجارب فشل منهج "الإدارة المدعومة بالأرقام"؟

2019/08/11 أرقام

تقول الحكمة المشهورة التي تنسب على الأرجح للمستشار الإداري الأمريكي والمحاضر "بينر دراكر"، "إذا لم تستطع قياسها، فلن تتمكن من إدارتها"، ولعل شهرة هذه المقولة تفسر الاهتمام الكبير للشركات بمعايير القياس، بحسب تقرير لـ"فايننشال تايمز".

 

 

تُولي الشركات العامة الكبرى ومتعددة الجنسيات على وجه التحديد، اهتمامًا كبيرًا بأدوات القياس، كونها تستخدم هذه المقاييس عند خفض التكاليف وتقليص الخسائر والأرباح في القوائم المالية لسنوات.

 

لكن البعض يتساءل منذ فترة عن مدى حكمة وفاعلية الإدارة المدفوعة بالأرقام، والتي اشتهرت في القرن التاسع عشر في أمريكا بفضل كتابات "فريدريك وينسلو تايلور"، وهو مهندس ميكانيكي اعتاد الوقوف بجوار العمال في مصنعه ممسكًا بيده ساعة للتأكد من أنهم يقومون بكل مهمة بأعلى قدر من الكفاءة.

 

أزمة "بوينغ" الأخيرة مثالًا

 

- يبدو أن الأزمة الحالية في شركة "بوينغ" تعكس الشكوك بشأن هذا النهج، حيث تتجه حاليًا شركة "إيرباص" إلى تجاوز نظيرتها الأمريكية لتصبح أكبر صانعة طائرات في العالم، بفضل منع تحليق طائرات "بوينغ 737 ماكس" بعد تعرض الطراز إلى حادثتين منفصلتين.

 

- كان هناك العديد من العوامل وراء الكارثة، لكن يبدو أن أحد العوامل المهمة هو قبول الشركة بالمخاطرة من أجل زيادة الأرباح إلى أقصى حد، وتعرضت "بوينغ" لانتقادات بسبب الاستعانة بمهندسين من جهات خارجية (مقابل 9 دولارات في الساعة).

 

- ليس ذلك فحسب، حيث فرضت الشركة رسومًا إضافية على بعض خصائص السلامة، وتعجلت كثيرًا في طرح الطراز في السوق من أجل محاولة الاستحواذ على الطلبيات التي قد تذهب إلى منافستها الأوروبية "إيرباص".

 

 

- إذا كان الأمر كذلك، فهذه ليست المرة الأولى لشركة "بيونغ"، فلديها بالفعل سجل إشكالي مع طراز "دريملاينر"، حيث عانت في السابق من سلسلة إمداد معقدة للغاية تبدو رخيصة على الورق، لكنها أدت إلى كل أنواع التأخير وتجاوز التكاليف.

 

- ظهور هذه السلسلة يرجع إلى الاندماج مع "ماكدونيل دوغلاس" عام 1997، وهي شركة ذات توجه مالي أكبر، ما تسبب في الضغط على "بوينغ" لخفض التكاليف في نهاية المطاف.

 

التركيز على الأرقام مضلل

 

- لم تتحول أزمة "بوينغ" إلى كارثة طبيعية، كما حدث مع شركة "باسيفيك جاس آند إلكتريك" للطاقة في كاليفورنيا، والتي وفقًا لما توصل إليه تحقيق أجرته "وول ستريت جورنال"، كانت على علم لسنوات بحاجة خطوط الكهرباء إلى تحديث قبل أن تثير حريقًا هائلًا.

 

- بحسب التحقيق، قررت الشركة عدم الاستثمار في عمليات التحديث، والآن بعد سقوط خط الإمداد البالغ عمره قرناً من الزمان، والذي أدى إلى حريق راح ضحيته 88 شخصًا، تواجه الشركة مطالبات قانونية لسداد ما يزيد على 30 مليار دولار، وقد تقدمت بطلب لحمايتها من الإفلاس.

 

 

- على جانب آخر، تنبع العديد من المشكلات المتتالية في شركة "جنرال إلكتريك" من تبعات عهد رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي السابق "جاك ويلش" الذي تبنى نهج الإدارة المدفوعة بالأرقام، ما دفعه بعيدًا عن الأعمال الأساسية لصالح الهندسة المالية.

 

- إن أزمة مفتاح الإشعال التي ارتبطت باسم العلامة التجارية لـ"جنرال موتورز" خلال عامي 2013 و2014، والتي بدا في البداية أنها نتيجة قرار سيئ من جانب مهندس واحد، اتضح أن لها جذورًا أيضًا تعود إلى فترة خفض الميزانية الاستثنائية خلال العقد الأول من القرن العشرين.

 

- قال أحد المهندسين في تقرير موجه إلى مجلس إدارة "جنرال موتورز" حول الأزمة، إن السيطرة على التكاليف تغلغلت وانتشرت في "النسيج الثقافي للشركة".

 

الطمع في تعظيم القيمة للمساهمين

 

- من المؤكد، لم تكن "جنرال موتورز" فريدة من نوعها بين شركات صناعة السيارات، ولطرازاتها تاريخ من المشاكل، مثل تلك المتعلقة بـ"فورد بينتو" قبل عقود، حيث كانت السيارة عرضة للاشتعال حال اصطدمت من الخلف.

 

- علمت الشركة أن "بينتو" بها مشاكل تتعلق بالسلامة، لكن تحليل التكلفة والمكسب خلص إلى أن إصلاح المشكلة في عملية استدعاء للمركبات سيكون أكثر تكلفة من التكلفة المقدرة لتعويض العملاء عن أي إصابات وفيات، فقررت الإبقاء عليها في الشوارع دون استدعاء.

 

 

- صعود منهج الإدارة المدعومة بالأرقام جاء مدعومًا بنظرية "قيمة المساهمين"، حيث يدعو ذلك المديرين التنفيذيين إلى عدم القلق بشأن أي شيء بقدر سعر سهم الشركة، والذي بالطبع يحصل على الدعم مع خفض التكاليف، لكن قد يعني ذلك نهاية غالية الثمن على المدى البعيد.

 

- البعض قد يقول إن العالم في نقطة تحول، فمع صعود الاستثمار المسؤول اجتماعيًا والتركيز الأكبر على حوكمة الشركات، واهتمام المستهلكين الأصغر سنًا بقيم الشركات التي تصنع منتجاتهم، وصعود الشركات العملاقة في الأسواق الناشئة، جميعها عوامل مضادة للإدارة المدعومة بالأرقام.

 

- لكن على العالم أن يخشى تسبب عصر البيانات الضخمة في تفاقم الوضع، هناك العديد من الأشياء التي يمكن قياسها هذه الأيام (مثل عدد قراء هذا التقرير)، ما يجعل من الأسهل التركيز على المقاييس بدلًا من أحكام القيمة (في هذا المثال يكون الحكم على مدى جودة المحتوى الصحفي المقدم في هذا التقرير).

 

- في مواجهة الضغوط وأزمات الشركات، على الرؤساء التنفيذيين أصحاب الحكمة أن يفكروا مليًا قبل التوجه إلى الهندسة المالية لإنقاذهم، فالإدارة بالأرقام في نهاية المطاف لعبة مخادعة، وأمور مثل التكاليف الحقيقية والسمعة والأخلاقيات لا تستدعي المخاطرة.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.