القاعدة الأشهر في مجال الاستثمار العقاري هي "الموقع ثم الموقع ثم الموقع". وفي سوق الأسهم توجد قاعدة شبيهة وهي "الصبر ثم الصبر ثم الصبر".
في ظل التطورات التكنولوجية التي شهدها العالم خلال السنوات الأخيرة، أصبح من الصعب على المستثمرين بسوق الأسهم التحلي بالصبر بينما يراقبون تغير الأسعار ثانية بثانية من خلال شاشات الحاسوب والجوال التي تتيح لهم التداول الفوري، وهو ما يدفعهم إلى محاولة جني الأرباح أو تجنب الخسارة في المدى القصير. فالبنسبة لهم تنشأ الفرص في لحظة وتختفي في لحظة.
اثبت ولا تندفع
أغلب المستثمرين هذه الأيام صبرهم قليل ولذلك تجدهم يفرطون في التداول، وينتهي بهم الحال في أغلب الأوقات خاسرين أو محققين عوائد ضعيفة. وهؤلاء ربما يجدر بهم البدء في التفكير في تغيير استراتيجيتهم التي يقودها الجشع وقصر النظر واعتماد خطط طويلة الأجل أكثر استقراراً.
ينبغي على المستثمر أن يفكر في استثماراته كعمل تجاري وليس كلعبة قمار. فعندما تشتري السهم فأنت في الحقيقة أصبحت تمتلك جزءا صغيرا من شركة لها نشاط تجاري.
ولذلك يجب أن تشتري فقط الشركات التي تثق في جودة أساسياتها، ولا تبيعها إلا عندما تتدهور تلك الأساسيات أو إذا أصبح سعر السهم مبالغاً فيه بشكل كبير. وطوال الوقت احرص على مراقبة النتائج المالية للشركة وقائمة التدفقات النقدية ونسب التوزيع وحجم الرافعة المالية.
يقول المستثمر الأمريكي الشهير "جيسي لوريستون ليفيرمور" والذي يعتبره البعض أعظم متداول في تاريخ سوق الأسهم: "بعد أن أمضيت سنوات عديدة في وول ستريت ربحت وخسرت خلالها ملايين الدولارات، أريد أن أخبركم التالي: لم يكن أبداً تفكيري هو السبب في ربحي للكثير من المال، إنما كان ثباتي. اثبت وراقب الوضع بهدوء ولا تندفع".
وبالمناسبة، الصبر لا يتعلق فقط بالأسهم التي تمتلكها بالفعل، بل يتعلق أيضاً بتلك التي تراقبها وترغب في اقتنائها.
جاموس وحشي يقترب بهدوء من مياه أحد الأنهار بالغابة ليشرب غير مدرك للخطر الكامن تحت السطح، قبل أن يخترق الماء من الأسفل تمساح فاتحاً فمه ويحكم قبضته على الضحية المطمئنة ويجرها إلى الماء.هذا التمساح ربما لم يتناول الطعام منذ أسابيع، ولكنه حصل على مبتغاه في ثانية بعد فترة طويلة من الانضباط أبقى نفسه فيها تحت الماء.
وفي الحقيقة يمكن للمستثمرين اتباع نهج مشابه لاستراتيجية التمساح. فعلى سبيل المثال، قد ترى مثلاً أن الشركة "س" أساسياتها قوية ويديرها قادة أكفاء غير أنك ترى أن سعر سهمها مبالغ فيه. بنفس أسلوب التمساح يمكن للمستثمر الانتظار والمراقبة من بعيد إلى أن تحين اللحظة المناسبة ويقتنص السهم بسعر جذاب.
رأس المال الصبور
منذ بداية القرن الحادي والعشرين، تعاني الكثير من الشركات المساهمة المدرجة بالبورصة من مشكلة خطيرة، وهي إعطاء الأولوية للأرباح الفصلية على الابتكار طويل الأجل والاستثمار برأس المال البشري وتطوير العلامة التجارية.
وبشكل عام، عادة ما يلام المساهمون ذوو الآفاق الاستثمارية قصيرة الأجل على هذا الوضع. حيث إن أكثر هؤلاء ربما لا يحتفظ بسهم الشركة لأكثر من عام ولا يهتم بمستقبل الشركة بعد تلك المدة، ولذلك بمجرد أن تكشف الشركة عن أرباح فصلية أقل من المتوقع يسارع هؤلاء إلى التخلي عن السهم.
الخوف من تأثير عمليات البيع هذه يدفع الشركات إلى تركيز جهودها على تحقيق أفضل أرباح فصلية ممكنة، حتى لو أن ذلك يعني امتناعها عن التوسع في إنفاقها الرأسمالي. وبما أن المساهمين يمكنهم البيع بمجرد حدوث أي هزة قصيرة الأجل، فإن الشركة ليس لديها مصدر ثابت لرأس المال طويل الأجل، وبالتالي لا يمكنها وضع خطط طويلة الأجل.
من هنا ظهر ما يسمى بـ"رأس المال الصبور" والذي تعمل على تشجيعه الكثير من الشركات. على سبيل المثال يوجد في فرنسا قانون يسمى "قانون لورانج" والذي تضاعف بموجبه الشركة حقوق المساهمين التصويتية بعد مرور عامين من الاستثمار بالشركة.
في الوقت نفسه، تقوم شركة السيارات اليابانية "تويوتا" بمنح المستثمرين أرباحا إضافية تسمى "أرباح ولاء" إذا احتفظوا بأسهمهم لمدة 5 سنوات. البعض ذهب في الاتجاه الآخر مفضلاً أسلوب الترهيب كوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة "هيلاري كلينتون" التي اقترحت فرض ضرائب كبيرة على أرباح الأسهم المحتفظ بها لمدة تقل عن عامين.
ولاء مشروط
في مقال نشرته "هارفارد بيزنس ريفيو" في عام 2017، يشير أستاذ التمويل بكلية لندن للاقتصاد "أليكس إيدمانز" إلى أن المشكلة لا تتعلق بطول المدة التي يحتفظ خلالها المساهمون بالأسهم بقدر ما تتعلق بطبيعة المعلومات التي يتداولون السهم على أساسها.
يوضح "أليكس" أن أفضل طريقة لتلافي هذه المشاكل هي من خلال تشجيع المساهمين على جمع المعلومات حول الأصول غير الملموسة لدى الشركة. وإذا اكتشفوا أن الأرباح المنخفضة سببها الاستثمار طويل الأجل من قبل الشركة وليست بسبب عدم الكفاءة فلن يبيعوا بل وربما يشترون أكثر ويزيدون من حجم حيازاتهم.
باختصار، من مصلحة المساهمين أن يكون لديهم شكل من أشكال الولاء تجاه الشركات التي يستثمرون فيها، ولكنه في نفس الوقت ليس ذلك الولاء غير المشروط. فالبقاء مع الشركة والاحتفاظ بالسهم بصرف النظر عما إذا كانت تدمر القيمة طويلة الأجل أو لا هو بالتأكيد فكرة غير سديدة على الإطلاق.
أفضل شكل من أشكال الولاء هو الولاء المشروط، والذي يعني البقاء مع الشركة حتى لو كانت أرباحها قصيرة الأجل منخفضة أو ضعيفة بشرط أن تكون الشركة تسعى فعلاً لتحقيق قيمة طويلة الأجل. وهذا بالمناسبة هو السبب وراء استمرار الكثير من مستثمري "أمازون" في الاحتفاظ بالسهم رغم تحقيق الشركة لخسائر في 14 عاماً خلال أعوامها الـ21 الأخيرة.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}