على الرغم من استقرار النظام السياسي عالميًا على مجموعة من الممارسات الديمقراطية مثل الانتخابات، واستطلاعات الرأي، والاستفتاءات، وبغض النظر عن بعض أوجه القصور في النظام الديمقراطي الحالي إلا أن الاقتصاد لم يحظ بمثيله قط، وفقًا لـ"راغورام راجان".
ديمقراطية اقتصادية
و"راجان" هو أستاذ اقتصاد هندي عمل خبيرًا في البنك الدولي ومحافظًا للبنك المركزي الهندي 2013-2016، قبل أن يعمل حاليًا أستاذًا في جامعة "شيكاغو"، ويؤكد أن هناك حاجة للمزيد من الديمقراطية في القرارات الاقتصادية.
ويقول "راجان" إن النظام الاقتصادي أصبح يضم 3 أضلاع هي: الدولة والسوق والمجتمع، وانفصلت الأضلاع الثلاثة عن بعضهما البعض، حيث تقدمت الدولة والسوق إلى الأمام اقتصاديًا، من خلال عملية "تواطؤ" بينهما، بينما تركا المجتمع ليكون خلفهما.
ومن المثير للاهتمام أن كلاهما نشأ من المجتمع نفسه ولكن تقدمهما مقابل تراجعه جعلهما أكثر قدرة على السيطرة عليه الآن.
ومنذ انهيار الاتحاد السوفيتي السابق، فقد اكتسبت الحركة التقدمية قوتها من خلال العولمة، التي أطلقت العنان لقوى السوق عبر البلدان التي كانت تحميها حتى الآن الحدود الوطنية. وعمليا، لم تتراجع قيمة المجتمع بسبب ذلك، وإنما تم تدمير اقتصاده.
"مراحل ثلاث"
ويقول "راجان"إن هناك ثلاث مراحل في هذه القصة، ففي البداية كان هناك المجتمع فقط، ضاربًا بالمجتمع الإنجليزى في العصور الوسطى المثال ، والذي على الرغم من التسلسل الهرمي ، إلا أنه كان مجتمعًا مرتبطًا بالتزامات متبادلة سواء في الإنتاج أو التجارة.
ولكن هذا النمط تم تغييره من خلال عملية تدريجية بعد ظهور السلطة الحاكمة وصولا إلى الدولة الدستورية، بما أظهر القواعد الحاكمة للسوق، والتي حلت محل عالم توفير أفراد المجتمع السلع والخدمات لبعضهم البعض عرفيا.
وبعد مرور ألف عام، وخلال فترة من النمو الاستثنائي في العالم الغربي في منتصف القرن العشرين، قدمت الحكومات وعودًا بتوفير الرعاية الاجتماعية الوافرة التي أثبتت أنها غير مستدامة نظراً لتباطؤ النمو وارتفاع عدد المسنين.
وبحلول الثمانينيات، خضعت غالبية الحكومات لضغوط الشركات لتحرير نظام السياسة الاقتصادية بعد مواجهتها اقتصادات متقلبة وعجزا مزمنا فى الميزانية. ثم جاء انهيار الإمبراطورية الشيوعية في أوروبا ومعه دفعة أخرى لمزيد من الحرية لرأس المال.
إلى جانب هذه التطورات الاقتصادية السياسية، كان هناك "دور تخريبي" لـ "ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات". وقد مكن هذا الشركات متعددة الجنسيات من ترتيب سلسلة الإنتاج العالمية في مناطق جغرافية أكثر ملاءمة لاعتبارات أرباحها، مما أدى إلى خسائر في مجتمعات الإنتاج الموجودة بالفعل.
وقد أدى تجاهل هذا التفكك من قبل "الأحزاب السياسية التأسيسية" إلى صعود الزعماء الشعبويين الذين يستغلون الاستياء المتزايد الذي تلا ذلك.
الحل؟
إن حل "راجان" للحالة الراهنة هو "محلية شاملة" حيث يتم إعطاء المجتمع صوتًا أكبر بكثير في المسائل الاقتصادية، بالطبع في الإطار الوطني للديمقراطية الليبرالية.
ويعتبر "راجان" الدور المحتمل للمجتمع في توفير التعليم محوريا، ليس فقط لبناء القدرات ولكن أيضا لغرس وتعزيز قيم المواطنة.وأخيرًا، يطرح الحوكمة المجتمعية كنظام أعلى لفرض السلوك الفعال والمحاسبة للهيئات العامة.
وهناك حاجة ماسة لتثقيف المجتمع اقتصاديًا، فعلى الرغم من أهمية الاقتصاد، إلا أن نسبة من يعرفون بشأن النظريات الاقتصادية المتعلقة بالحكم والديمقراطية وغيرها، أكبر ممن يعرفون عن منحنيات العرض والطلب على سبيل المثال، كما أن مفهوما مثل الديمقراطية أكثر شيوعًا وأوسع إدراكًا من مفهوم التضخم على سبيل المثال.
ويشير "راجان" إلى أن الأزمة في هذا الصدد تتعلق بأن الدولة هي المنوطة أولًا وأخيرًا بتثقيف الشعوب اقتصاديًا ويبدو أن قلة من الدول تقوم بهذا الدور، بما يفرض على المجتمعات القيام به، من خلال جمعيات أهلية تختص فقط بتبصير الناس بقواعد الاقتصاد بما يضمن مشاركة أوسع تتيح تحقيق أولى خطوات "الديمقراطية الاقتصادية".
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}