نبض أرقام
10:13 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/21
2024/11/20

ابحث عن المصدر .. لماذا يجب على المستثمر أن يبصر موضع قدميه في سوق الأسهم؟

2019/08/16 أرقام - خاص

في سوق الأسهم توجد هناك ممارسة شائعة جداً تلجأ إليها الكثير من الشركات بغرض تحسين تدفقاتها النقدية التشغيلية وهي: بيع الحسابات المستحقة. وهذه الخطوة بحد ذاتها قانونية تماماً ولا تمثل أي مشكلة ولكن إشكاليتها تكمن في طبيعة تأثيراتها على البيانات المالية للشركة والتي تسبب قدرا كبيرا من الارتباك للمستثمرين.

 

ولكن كيف تتم هذه المعاملة؟ لنفترض مثلاً أن الشركة "س" لديها حسابات مستحقة لدى العملاء بقيمة 100 مليون ريال، وترغب في تحصيل تلك المستحقات قبل موعد استحقاقها، فما العمل؟ ببساطة تعثر الشركة على مستثمر (غالباً ما يكون بنكاً) وتنقل ملكية بعض هذه المستحقات أو كلها إليه. وفي المقابل يدفع المستثمر للشركة قيمة الحسابات المستحقة ويطرح منها نسبة معينة كرسوم، وتسمى هذه العملية (Factoring).

 

 

هنا يحدث الارتباك. هذه المعاملة هل هي معاملة تشغيلية أم معاملة تمويلية؟ يعتقد الكثير من المستثمرين أنه بما أن البنك يعطي الشركة ما يشبه الشيك مقابل شراء حساباتها المستحقة فإن هذه المعاملة ليست أكثر من شكل من أشكال التمويل التقليدي وبالتالي يجب أن تعامل كتدفق نقدي تمويلي ولا يكون تشغيليا.

 

ولكن القواعد المحاسبية تنص على خلاف ذلك. ببساطة، الصحيح محاسبياً هو أن تقوم الشركة بتسجيل عوائد بيع حساباتها المستحقة كتدفقات نقدية تشغيلية وليس كتدفق نقدي تمويلي. ولكن لماذا؟ لأن الحسابات المستحقة التي حصلت الشركة مقابلها على الأموال من البنك تمثل بالأساس مبيعات سابقة للشركة.

 

بسرعة الصاروخ .. التدفقات النقدية تزداد

 

في العام 2004 احتاجت شركة توزيع الأدوية "كاردينال هيلث" إلى الكثير من الأموال. وحينها قررت الإدارة بيع حساباتها المستحقة لجمع أكبر قدر من المال بسرعة. بحلول نهاية الربع الثاني من العام المالي (ديسمبر 2004) باعت الشركة ما قيمته 800 مليون دولار من الحسابات المستحقة.

 

وكانت هذه الصفقة هي العامل الرئيسي وراء الزيادة التي شهدتها التدفقات النقدية التشغيلية للشركة خلال ذلك الربع والتي بلغت نحو 971 مليون دولار مقارنة مع الربع نفسه من العام السابق.

 

على الرغم من أن "كاردينال هيلث" لم ترتكب أي مخالفة قانونية ببيعها حساباتها المستحقة إلا أنه كان ينبغي على المستثمرين والمساهمين أن يدركوا أن الزيادة التي شهدتها التدفقات النقدية التشغيلية للشركة مصدرها غير مستدام. حيث إن "كاردينال هيلث" جمعت قيمة الحسابات المستحقة من طرف ثالث وليس من عملائها.

 

وبدلاً من جمعها بشكل تدريجي من عملائها في الفصول المستقبلية حصلت عليها مرة واحدة من البنك.

 

 

من خلال جمع قيمة الحسابات المستحقة في وقت مبكر أكثر من المتوقع حولت "كاردينال هيلث" التدفقات النقدية المستقبلية إلى الربع الحالي تاركة فجوة في التدفقات النقدية المستقبلية. وهذا من المحتمل أن يؤدي إلى تدهور نمو التدفقات النقدية التشغيلية في المستقبل ما لم تعثر الشركة على أي حيلة تمكنها من سد تلك الثغرة.

 

أي مستثمر مبتدئ كان باستطاعته ملاحظة أن هناك تغيرا غير طبيعي حدث في بند الحسابات المستحقة الخاص بالشركة، وأن الزيادة التي شهدتها تدفقاتها النقدية التشغيلية كانت مدفوعة إلى حد كبير بهذا التغير.

 

دقق النظر

 

إذا نظرنا في الجدول التالي فسنلاحظ أن الزيادة البالغة نحو 971 مليون دولار (ارتفاعا من 548 مليون دولار إلى 1.5 مليار دولار) التي شهدها بند التدفقات النقدية التشغيلية كانت مدفوعة بشكل أساسي بانخفاض قيمة بند الحسابات المستحقة بحوالي 1.1 مليار دولار.

 

قائمة التدفقات النقدية التشغيلية لـ"كاردينال هيلث" (الأرقام بالمليون دولار)

البند

الأشهر الستة المنتهية في 31 ديسمبر 2003

الأشهر الستة المنتهية في 31 ديسمبر 2004

الدخل من العمليات المستمرة

697.1

421.6

الإهلاك والاستهلاك

143.2

198.2

نقص قيمة الأصول

4.8

155.8

مخصص الديون المشكوك في تحصيلها

(2.7)

0.8

نقصان/(زيادة) الحسابات المستحقة

(488.3)

622.3

الزيادة في المخزونات

(841.4)

(707.5)

عقود البيع الإيجاري

22

(95.3)

الزيادة في الحسابات الدائنة

964.3

794.1

خصوم مستحقة وبنود تشغيلية أخرى

49.4

129.2

صافي التدفقات النقدية التشغيلية

548.4

1519.2

 

على وجه التحديد، في الأشهر الستة المنتهية في ديسمبر 2004 وفرت عملية بيع الحسابات المستحقة نحو 622 مليون دولار من التدفقات النقدية الداخلة لـ"كاردينال هيلث"، بينما في العام السابق ساهم التغير الذي شهده بند الحسابات المستحقة في تدفقات نقدية (خارجة) بنحو 488 مليون دولار.

 

دون أدنى شك، لا تعبر عمليات البيع الضخمة للحسابات المستحقة عن تحسن الأعمال الأساسية لـ"كاردينال هيلث" حتى وإن جعلت التدفقات النقدية التشغيلية للشركة تبدو على نحو أفضل مما هي عليه في الواقع.

 

لذلك ينصح الخبراء دائماً المستثمرين بأن يركزوا ليس فقط على مقدار نمو التدفقات النقدية التشغيلية للشركة ولكن أيضاً على كيفية تحقيقها لذلك النمو أو مصدره.

 

 

ما يحسب لـ"كاردينال هيلث" هي أنها لم تحاول إخفاء مصدر الزيادة التي شهدتها تدفقات النقدية التشغيلية وأشارت بوضوح إلى مبيعات الحسابات المستحقة في الحواشي الخاصة ببياناتها المالية. وفي حين أن المستثمرين العاديين والكسالى كانوا معجبين جداً بقدرة الشركة على تحسين تدفقاتها النقدية التشغيلية بهذا الشكل، كان المستثمرون الأذكياء أقل انبهاراً لأنهم أدركوا أن هذا النمو مصدره غير مستدام.

 

اللعب القذر .. التلاعب بالمساهمين

 

على عكس "كاردينال هيلث" التي كانت واضحة في إفصاحاتها المالية، تحاول بعض الشركات جاهدة خداع المستثمرين وإخفاء عنهم حقيقة أن السبب الرئيسي وراء تحسن تدفقاتها النقدية التشغيلية هو بيعها لحساباتها المستحقة.

 

لنأخذ على سبيل المثال شركة تصنيع الإلكترونيات الأمريكية "سانمينا كوبوريشن". ففي أوائل نوفمبر من عام 2005 أعلنت الشركة نتائجها المالية عن الربع المنتهي في سبتمبر من نفس العام. وفي تلك النتائج قررت الشركة أن تعرض الزيادة القوية التي شهدتها تدفقاتها النقدية باعتبارها الإنجاز الأهم للشركة في ذلك الربع.

 

في صدر البيان المالي الصادر عنها أشارت "سانمينا" بفخر إلى انخفاض بند الحسابات المستحقة لديها، غير أنها لم تذكر القصة كاملة، حيث امتنعت عن كشف سبب انخفاض الحسابات المستحقة وهل هو نتيجة تحصيل الأموال من العملاء أم نتيجة بيع تلك الحسابات للبنوك.

 

 

بعد مرور ما يقرب من شهرين وبينما كان العديد من المستثمرين يقضون إجازاتهم كشفت "سانمينا" عما حدث بالفعل. ففي تقريرها المقدم إلى لجنة الأوراق المالية والبورصات في الولايات المتحدة في التاسع والعشرين من ديسمبر من نفس العام أوضحت الشركة أن المحرك الرئيسي لتدفقاتها النقدية التشغيلية في الربع المشار إليه كان في الواقع نتيجة بيعها لحساباتها المستحقة للبنوك.

 

باعت الشركة في ذلك الربع نحو 224 مليون دولار من حساباتها المستحقة للبنوك في الربع المنتهي في سبتمبر، بينما باعت ما قيمته حوالي 84 مليون دولار في الربع السابق. كانت "سانمينا" تقوم ببيع حساباتها المستحقة بهدوء ودون ضجيج لكي لا تلفت أنظار المستثمرين.

 

التدفقات النقدية التشغيلية لشركة "سانمينا كوبوريشن" عن الربع المنتهي في سبتمبر 2005 بعد إزالة أثر مبيعات الحسابات المستحقة

البند

الأرقام بالمليون دولار

الدخل من العمليات

175

التغير الفصلي في مبيعات الحسابات المستحقة

139

التدفقات النقدية التشغيلية بعد التعديل

36

 

إذا نظرنا إلى الجدول السابق فسنلاحظ أنه لولا مبيعات الحسابات المستحقة لكانت التدفقات النقدية للشركة أقل مما هي عليه بنحو 139 مليون دولار، أي لانخفضت إلى 36 مليون دولار بدلاً من 175 مليون دولار المبلغ عنها من قبل الشركة في بياناتها المالية.

 

 

في النهاية يجب أن نشير إلى أن إقدام أي شركة على بيع حساباتها المستحقة ليس أمراً سيئاً في المطلق بل على العكس قد يكون في بعض الحالات قراراً تجارياً حكيماً. ومع ذلك يجب أن ينتبه المستثمر للتفاصيل وخصوصاً تلك المتعلقة بالتدفقات النقدية التشغيلية لكي يتأكد من أن الشركة مثلاً لا تحاول إخفاء أزمة نقدية حقيقية عن المستثمرين.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.