يعد انقلاب منحنى العائد الأمريكي والذي حدث قبل أيام إحدى أكثر الإشارات الموثوقة المنذرة بركود وشيك، حيث يعني أن المستثمرين يتوقعون انخفاض أسعار الفائدة، وهذا عادة ما يقع بالتزامن مع الانكماش الاقتصادي، لكن قد يستغرق الأمر بعض الوقت (ربما من 12 إلى 18 شهرًا) بحسب "بلومبيرج".
قد يعني ذلك أن الركود قادم في الفترة بين مارس من العام القادم وفبراير 2021، لكن أيضًا من المحتمل أن تكون إشارة منحنى العائد خاطئة، فرغم أن انقلابه ليس خبرًا سارًا للأسواق فهو أيضًا ليس سببًا للذعر، فالبيانات الاقتصادية الأمريكية مثل مبيعات التجزئة وطلبات إعانة البطالة جيدة جدًا.
اقتصاد عالمي مهدد
- على أي حال، منحنى العائد المقلوب هو مجرد إشارة وليس هو نفسه سبب الركود، لكن البعض يعتقد أنه نبوءة قادرة على تحقيق ذاتها، بمعنى أنه قد يقود المعنويات إلى التشاؤم ما يدفع الشركات إلى خفض الإنفاق وبالتالي حدوث انكماش حقيقي.
- لكن التشاؤم المتزايد عقب انقلاب منحنى العائد لفترة وجيزة في وقت سابق من هذا العام، لم يستطع إخراج الاقتصاد عن مساره، ومع ذلك، فمن الصعب معرفة سبب اختلاف الأمر هذه المرة.
- إذا حدث ركود فمن المحتمل أن يكون نتيجة لبعض الصدمات كما يرى الاقتصادي الأمريكي "بول كروغمان"، والذي يقول إن ذلك يتم نتيجة مجموعة من العوامل مثل الحرب التجارية وضعف سوق الإسكان وتوقف نمو الطلب المدعوم بالتخفيضات الضريبية.
- لكن أغلب العوامل التي يراها "كروغمان" سببًا في الركود المحتمل خاصة بالولايات المتحدة، في حين أن القلق الأكبر الآن يتعلق بالاقتصاد العالمي والذي يبدو أضعف من اقتصادات أمريكا والصين وألمانيا في ظل تباطؤ النمو في الثاني وانكماش الثالث.
- هذا يشير إلى أن الركود الأمريكي، إذا حدث فسيكون جزءًا من انكماش عالمي، وفي حين يميل الأمريكيون إلى التفكير في أسواقهم واستهلاكهم كمحرك لطفرات النمو والكساد، قد لا يكون ذلك صحيحًا هذه المرة، وبدلًا من هذا ربما يأتي الركود من الصين.
الثقل العالمي للصين
- في السنوات الأخيرة، ساهمت الصين في النمو العالمي أكثر من أي دولة أخرى، وكان من المتوقع أن تفعل الشيء نفسه خلال السنوات القادمة، فكما يقول المثل المأثور "عندما تعطس الصين، قد يصاب العالم أكمله بنزلة برد".
- خلال الفترة منذ عام 2010 إلى عام 2017، ساهمت الصين بنسبة 31% من نمو الاستهلاك العالمي، وقد ارتبطت أحلام بعض الشركات بالقاعدة الاستهلاكية المليارية للبلاد ووضعت خططها الاستثمارية وفقًا لذلك.
- انخفاض المشتريات الصينية لن يؤدي فقط إلى تراجع مبيعات الشركات في الولايات المتحدة والبلدان الغنية الأخرى، بل سيدفع الشركات متعددة الجنسيات إلى تقليص خططها الاستثمارية، وعمومًا هناك العديد من العوامل التي تهدد النمو في الصين، أبرزها الحرب التجارية.
- يبدو أن التعريفات التي تفرضها الولايات المتحدة على صادرات شركات التقنية إلى الصين، قد جعلت المصنعين الصينيين أكثر حذرًا إزاء المستقبل، حيث سجل الاستثمار في أصول التصنيع الثابتة نموًا نسبته 3.1% في يونيو، مقارنة بـ9.5% في ديسمبر و6.8% خلال يونيو 2018.
- هناك أيضًا عوامل طويلة الأجل، فمن أجل التغلب على الركود الكبير، حولت الصين تركيزها من التصنيع الموجه نحو التصدير إلى العقارات والبنية التحتية المحلية، ومن الشركات الخاصة إلى المملوكة للدولة، وربما تسبب ذلك في تباطؤ نمو الإنتاجية.
- في الوقت نفسه، يتقلص عدد السكان في سن العمل داخل الصين، كما أن مخزونها من العمالة الريفية الفائضة قد تلاشى، وإعادة تهيئة اقتصادها لخفض الملوثات والانبعاثات الدفيئة، كلها عوامل تقود إلى تباطؤ النمو.
الصين ليست التهديد الوحيد
- لكن الركود الصيني وحده ليس ما يهدد الاقتصاد العالمي، فهناك الحرب التجارية إلى جانب التوترات الجيوسياسية التي تلوح في الأفق بين القوى العظمى، والتي تنذر بفجوة بين الصين وبقية الاقتصاد العالمي، فالتعريفات الأمريكية تدفع المصنعين لنقل الإنتاج من هناك إلى دول أخرى.
- تضطر الشركات، سواء الصينية أو غيرها إلى تقرير ما إذا كان سيتم دمج سلاسل التوريد الخاصة بها داخل الصين أو الذهاب إلى أي مكان آخر، وهو أمر مرهق ويستغرق وقتًا وتكلفة كبيرة.
- شهدت الأعوام الثلاثين الماضية بناء نظام تجاري عالمي يتركز حول الصين والولايات المتحدة، لكن هذا الهيكل ينهار الآن، وبالإضافة إلى تكلفة إعادة تنظيم سلاسل التوريد، تواجه الشركات حالة من عدم اليقين العميق حول المكان الذي ستتمكن فيه من الحصول على الموارد وبيع منتجاتها.
- لذلك، قد يكون منحنى العائد المقلوب في الولايات المتحدة مؤشرًا على بداية الركود الذي طال انتظاره، حيث إن التوسع العالمي مدفوع باندماج الصين سريعة النمو في الاقتصاد العالمي قد انتهى، ونظرًا للآثار المباشرة للتعريفات، سيعاني الاقتصاد الأمريكي.
- لكن التداعيات في باقي أنحاء العالم، وخاصة في الصين، ستكون أشد وطأة، وهي من بين الأسباب المرجحة لحدوث الركود العالمي، بل أكثرها منطقية وإثارة للقلق.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}