يعد عالم الدواء من أهم صناعات الاقتصاد، بسبب كبر حجمه من جهة، وربحيته الكبيرة من جهة أخرى، والأهم تعلقه بحياة كثيرين يتأثرون "إنسانيًا" بتطورات تلك الصناعة سواء باكتشاف علاج جديد أو برفع أو خفض سعر دواء ما.
لا للمنافسة السعرية
وفي كتابها "الأدوية والمال والمصافحات السرية: النمو الذي لا يتوقف لأسعار الأدوية" تعتبر "روبن فيلدمان" أستاذة الاقتصاد والقانون في جامعة "شيكاغو" أن سوق الدواء وعلى الرغم مما يبدو به من حالة تنافسية صحية إلا أنه يشهد حالة من حالات احتكار القلة الاستثنائية.
فبسبب تطور الأمراض المستمر، تحتاج العقاقير الطبية للتطور بشكل كبير لكي تبقى "ذات صلة بالعصر" فالمضادات الحيوية مثلًا لا يمكن أن تبقى على حالها وتحتاج للتطور لمكافحة الأمراض المتغيرة، وكذلك الأمر بالنسبة لبعض الأمراض المستعصية.
ووفقًا لـ"فيلدمان" فهناك العديد من الطرق التي تستخدمها شركات الدواء من أجل السيطرة على السوق، وأهم تلك الطرق هي ما تصفه بـ"المصافحات السرية" وتعني بها وجود اتفاقيات غير معلنة بين شركات الدواء من أجل تجنب الدخول في منافسات تضر بالمكاسب القياسية التي يحققونها.
ومن بين تلك الاتفاقيات أنه يندر وجود شركتين تعملان في نفس الوقت على تطوير دواء ناجع لعلاج نفس المرض، ففي الوقت الذي تعمل فيه شركة على تطوير علاج للسرطان تعمل أخرى على علاج الكبد، وهكذا يبقى لكل شركة عنصر يميزها.
وبناء على ذلك تكون الشركات مستعدة للدخول في منافسة ذات طابع سعري، وإن بقت جميعًا رابحة بنسب جيدة، ولكن مع الأخذ في الاعتبار ضرورة تمتعها بوضع احتكاري تام في منتج بعينه بما يعينها على رفع مستوى الأرباح فوق حاجز 30% في كثير من الأحيان.
غياب الشفافية
وهناك العديد من الطرق التي يتم بها تشويه السوق بالنسبة للمستحضرات الصيدلانية، مما يؤدي إلى نتائج عكسية وغير عادلة، بجانب ميزة تسعير بعض المنتجات انطلاقًا من وضع احتكاري، فيما تعمل صناعة الأدوية على توسيع حصريات براءات الاختراع بشكل مصطنع.
والمقصود هنا أن الشركات تلجأ لتسجيل بعض المنتجات التي لا تعد إلا تطويرًا بسيطًا لمنتجات قائمة بالفعل، وبالتالي لا يجب تسجيلها كمنتج جديد له حقوق "براءة الاختراع" بل يجب التعامل معها بوصفها الحقيقي كـ"تطوير لمنتج قائم"، ولكن هذا لا يحدث لتتمتع بـ"وضع احتكاري قانوني".
وهناك حالة من غياب الشفافية الكبيرة في ممارسات شركات الأدوية، فسحب الأدوية من الأسواق ونشرها لا يخضع لخطط واضحة أو معلنة قبل اتخاذ الإجراءات الفعلية بوقت كاف بل يتم "مفاجأة" الأسواق باستمرار بوضع جديد بما يسمح للشركات بفرض تسعيرات مغالية على الأدوية.
ونظام الخصم، وقمع المنافسة العامة، وفوق كل ذلك منع الشفافية في ممارسات التسعير. بعض هذه الأمور تحت سيطرة الصناعة وجزء كبير منه هو رد فعل على ممارسات الشركاء التجاريين والمشترين من شركات الأدوية.
المستهلك آخر الأولويات
وتقول "فيلدمان" في كتابها "ببساطة الأزمة في صناعة الدواء أن المستهلك يبقى خارج الحسابات نهائيًا، فالشركة التي تسعى لتوفير دواء لعلاج مرض ما لا تبحث عن المستوى السعري المناسب لأن المستهلك ببساطة "مجبر" على شراء ما تبيعه".
وفي المقابل فإن تلك الشركات تسعى باستمرار لمعرفة خطط الشركات الأخرى لإنتاج العقاقير الدوائية الجديدة، فهؤلاء هم القادرون فقط على إفشال خططها التسويقية، بينما يبقى سوقها واضحًا من "كل المرضى القادرين على توفير ثمن العلاج بشكل أو بآخر".
ولذلك ففي الولايات المتحدة زادت أسعار الأدوية بنسبة تفوق 250% عن أسعار بقية المنتجات خلال الخمسين عامًا الأخيرة، بما يعني تضاعف التكاليف العلاجية أكثر من مرتين على المستهلك أو على شركات التأمين (والتي يتحملها المستهلك في صورة ارتفاع مبالغ أقساط التأمين الصحي).
وتختتم فيلدمان الكتاب بفصل عن الحلول، مشيرة إلى أن هناك تغييرات يمكن الوصول إليها بسهولة بما في ذلك الشفافية والأسعار الإلزامية، وتعديل قانون البراءات، محذرة أنه إذا بقي السوق الدوائي على ما هو فإن الأمر قد ينتهي بأدوية لا يستطيع توفير ثمنها إلا فاحشو الثراء وهو ما بدأ بالظهور بالفعل في الأعوام الأخيرة.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}