في عشرينيات القرن الماضي، حدد أحد الكتاب البريطانيين الفرق بين الخبر والحبكة، فقول إن فلانا قد مات يعد خبرا، لكن القول إن زوجته مرضت من الحزن عليه فهي حبكة، والمستثمرون يحبون الأخبار لكنهم يحبون الحبكة أكثر، وتناولت "الإيكونوميست" في تقرير ما يحدث في الأسواق على طريقة الحبكة اليابانية.
ويمكن صياغة الحبكة اليابانية كالتالي: انفجرت فقاعة في أواخر القرن الماضي، هيمن الحذر على المستثمرين ووقع الاقتصاد بين مطرقة ضعف التضخم بشكل كبير والحيلولة دون المزيد من خفض الفائدة وارتفع حجم الدين العام بالتزامن مع زيادة متوسط أعمار السكان.
إسقاط واقعي
- في نسخة أخرى شبيهة بالحبكة اليابانية، ظهرت ألمانيا على السطح مؤخراً حيث تعاني برلين هي الأخرى من ارتفاع متوسط أعمار القوى العاملة بالتزامن مع انخفاض العوائد على سنداتها إلى مستويات سالبة.
- ليست ألمانيا فحسب، بل إن هناك اقتصادات أخرى تتراجع فيها العوائد على سنداتها إلى مستويات منخفضة أو سالبة، ففي أمريكا، بلغ العائد على السندات لأجل ثلاثين عاما 2% فقط.
- يخشى كثيرون من انتشار النموذج الياباني وتدني قدرات البنوك المركزية على التدخل لدعم تلك الاقتصادات ليبقى السؤال: هل التشابه مع نموذج طوكيو سيكون مجرد صورة عابرة؟ وإلى أين ستؤول الأمور؟
- كانت تجربة طوكيو سابقة لما يحدث حالياً عندما انخفض العائد على سنداتها العشرية أدنى 2% عام 1998، وكان العجز في الموازنة الحكومية ضخماً في ذلك الوقت، وبدأت صناديق التحوط بيع السندات الحكومية اليابانية، ورغم ذلك، ظلت أسعار المستهلكين في انكماش مستمر وتواصل انخفاض الفائدة.
- منذ ذلك الحين، ومن وقت لآخر، ساد القلق والحذر من تكرار هذه الأحداث في اقتصاد ما، وهذا ما ظهر في خطاب ألقاه "بن برنانكي" عام 2002 قبل تولي رئاسة الاحتياطي الفيدرالي.
ما الدروس المستفادة؟
- من أبرز الدروس التي يمكن الاستفادة منها عند تناول الأزمة اليابانية ضرورة إصلاح القطاع المصرفي، وحيازة سندات حتى الديون المعدومة، واستغلال كل أدوات السياسة النقدية لإنعاش الاقتصاد وعدم السماح لأسعار الأصول بالانهيار.
- بعد الأزمة المالية العالمية في 2008، تم تطبيق بعض هذه الدروس، وبعد مرور عقد، طفت الطريقة اليابانية إلى السطح في ظل استمرار الفائدة المنخفضة لفترات طويلة، وزاد متوسط أعمار المواطنين، وهو أمر شديد الأهمية عند النظر إلى أستراليا التي لم تسجل ركودا اقتصاديا منذ ربع قرن وتتميز بالقوة العاملة الشابة، ورغم ذلك، انخفض العائد على سنداتها العشرية أدنى 1%.
- يرجع كل ذلك إلى المخاوف بشأن ركود الاقتصاد العالمي، وهو ما دفع ببنوك مركزية على رأسها الفيدرالي لخفض الفائدة التي لا تزال قرب أدنى مستوياتها أصلاً، وهذا ما تسبب في شكوك حول مدى قدرة تلك البنوك المركزية على إعادة الاقتصادات إلى مسارها الصحيح، وهنا تكمن المشكلة الأساسية، فالحديث عن النموذج الياباني يعيد إلى الأذهان عدم قدرة بنكها المركزي على اتخاذ سياسات فاعلة لدعم النمو، وهذا ما وصلت إليه أوروبا بالفعل.
- عند نفاد قدرات السياسة النقدية والوقوع في فخ النموذج الياباني، ربما يكمن الحل في السياسة المالية من خلال دعم الحكومات الاقتراض الرخيص وخفض الضرائب وزيادة الإنفاق.
- هذا ما تدرسه الحكومة الألمانية التي تريد ضخ حوافز مالية الأمر الذي ينعكس إيجابياً على اقتصادها والإفلات من النموذج الياباني، وبالتالي، من أجل نجاح الحبكة، لا يمكن القول إن زوجة المتوفى ماتت أيضاً بل يجب القول إنها تغلبت على أحزانها ومضت قدما.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}