كثيرًا ما يُثار الجدل حول فاعلية أدوات السياسة المالية والنقدية في التأثير في الاقتصاد الحقيقي، ومدى قدرتها على دفع النمو الاقتصادي بحيث يحقق المستويات المأمولة، وكثيرًا ما تأتي تقييمات الاقتصاديين لتجارب الدول في هذا الإطار متناقضة.
وأحدث تلك التجارب في استخدام "التحفيز" في تحريك الاقتصاد جاءت في الولايات المتحدة من خلال استخدام عدد من السياسات أهمها تغيير سياسات الضرائب، وتعديلات سعر الفائدة، فضلًا عن الحديث المتكرر حول "التلاعب" بسعر الصرف لا سيما الصين بما يحقق ميزة نسبية للمنتجات الأمريكية.
وعلى الرغم من كافة ما اتخذه الرئيس الأمريكي من إجراءات بهدف تحريك الاقتصاد وتحفيزه، من خفض للضرائب وتقليص للرسوم فضلًا عن الضغوط من أجل خفض سعر الفائدة (والعامل الأخير هو الأهم)، إلا أن معدل النمو الاقتصادي تراجع إلى 2% في الربع الثاني من 2019، وتشير "بلومبرج" إلى بقاء هذه النسبة خلال الربع الثالث.
بل وتشير دراسة لـ"ديلويت" إلى أن أي خفض جديد للفائدة لن يكون له أثر فعلي على الاقتصاد، لأنه سينعكس على هيئة المزيد من المكاسب، حيث إن معدل الفائدة الأمريكي الأمثل يتراوح بين 2-3% والبقاء خارج حدود هذه النسبة يجب أن يكون مؤقتًا.
ويشير "جاريد بيرنستن" الخبير الاقتصادي في "واشنطن بوست" إلى أنه على الرغم من تراجع معدلات الفائدة الأمريكية عما كانت عليه قبل 40 عامًا (حول مستوى 6.5% لسنوات طويلة) إلا أن معدل التنمية الأمريكي لم يشهد طفرات كبيرة بسبب انخفاض سعر الفائدة بل بقي في إطار معدلات لا تتغير كثيرًا.
إنفاق استهلاكي
وكان العامل المؤثر وفقًا لـ"بيرنستن" هنا هو وجود مجالات حقيقية لتوسع الاقتصاد الأمريكي من عدمه، ففي فترة الحرب العالمية الثانية مثلًا كان هناك مجال استثنائي للتوسع في الولايات المتحدة ومختلف أنحاء العالم ولذلك حقق الاقتصاد نموًا "خارقًا" وكذلك الأمر مع اكتشاف الإنترنت ولكن دون "اختراق" حقيقي فإن تحقيق النمو يبقى عسيرًا بالوسائل المالية وحدها.
ويشير "بيرنستن" إلى أن هذا العجز عن التأثير المستمر في الولايات المتحدة يأتي على الرغم من اعتماد 70% من الاقتصاد على الإنفاق الاستهلاكي المباشر، بما يفوق النسبة في أوروبا على سبيل المثال (55%) ويجعل التأثير باستخدام الأدوات المالية أيسر في الولايات المتحدة.
ويرجع السبب في تأثير التغييرات المالية على المستهلكين بصورة أسرع في أن خططهم غالبًا ما تكون قصيرة أو متوسطة المدى، وبالتالي تتأثر وبشدة بالتغييرات في أسعار الفائدة، خلافًا لعالم الأعمال والحكومات التي عادة ما تكون خططها طويلة المدى أو متوسطة.
النموذج المقابل
وعلى الرغم من ذلك تشير "إيكونوميست" إلى أن السياسة الصارمة ماليًا التي تتبعها الحكومة الألمانية في استخدام التحفيز تؤذي الاقتصاد، فمع نمو حقيقي يمكن استخدام التحفيز المالي، وأقصى ما يمكن أن يتكبده الاقتصاد هو ارتفاع معدل التضخم من 1.1% إلى 2% وهو معدل آمن بكل تأكيد.
كما أن ارتفاع معدل التضخم إلى مستويات 2% بفعل استخدام الأدوات المالية من شأنه أن يدفع المستهلكين إلى المزيد من الاستهلاك، بما سيهرب بالاقتصاد من "المعضلة السويسرية" ويقصد بها ثبات التضخم عند 0.0%.
فعند مستوى تضخم 0.0% يميل المستهلك إلى تقليص الإنفاق لعلمه أنه ليس عليه شراء أي سلعة في الوقت الحالي ويؤجل قرار الشراء باستمرار نظرًا لثبات سعر السلعة، أما إذا كان سعرها يرتفع، ولو بنسب قليلة فإن ذلك سيشجع المستهلك على الشراء الآني.
وتؤكد الحالة الأمريكية ونقيضتها الألمانية أن التحفيز المالي قد يكون فعالًا شريطة اقترانه باقتصاد قوي، وإلا فستكون النتيجة هي فقاعات يدفع الاقتصاد ثمنها إن آجلًا أو عاجلًا، ويبدو وكأن حاضر الاقتصاد يطغى على مستقبله في هذه الحالة.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}