في سوق الأسهم عادة ما يتركز اهتمام أغلب المستثمرين على تحليل البيانات المالية للشركات أو تحليل تاريخ التحركات السعرية للأسهم، وذلك بغرض العثور على أفضل الفرص الاستثمارية التي بإمكانها أن تحقق لهم أكبر مكاسب ممكنة.
ولكن وسط انشغالهم بتحليل البيانات ومتابعة الأخبار لا ينتبه كثير من المستثمرين إلى عامل مهم جداً يمكنه وحده في بعض الحالات أن يحدد قرار المستثمر بالاستثمار من عدمه وهو: الإدارة.
البعض للأسف حين يحاول أن يدرس أيًا من الشركات الموجودة بالسوق يستخف أو يقلل من أهمية الإدارة كعنصر حاسم في عملية اتخاذ القرار الاستثماري. فالمستثمر ذو الخبرة قد يقرر عدم الاستثمار في شركة تحقق أرباحاً جيدة فقط لأنه لا يثق في قدرة أو نزاهة إدارتها.
هناك إدارة بإمكانها قيادة شركة متواضعة إلى القمة، وإدارة أخرى بإمكانها خسف الأرض بشركة ناجحة تقف على قدميها في السوق منذ عقود كما هو الحال في قصة هذا التقرير.
قسمة العدل .. أرباح الشركة في عام كامل لـ3 مديرين
في فبراير من عام 2002 انخفض سعر سهم شركة البرمجيات الأمريكية "كمبيوتر أسوشيتس" بنسبة 17% ليصل إلى 20.91 دولار، وذلك على خلفية إعلان السلطات الفيدرالية بدء تحقيق رسمي حول الممارسات المحاسبية للشركة.
وجاء هذا الإعلان من جانب السلطات الفيدرالية عقب نشر "نيويورك تايمز" في أبريل من عام 2001 تحقيقاً صحفياً شككت خلاله في دقة إيرادات الشركة وطريقة حسابها لصافي دخلها وغيرها من البيانات الواردة في تقاريرها المالية.
مع الوقت توسع نطاق التحقيق، لتعلن كل من لجنة الأوراق المالية والبورصات ووزارة العدل في مايو من عام 2002 أن عملية التدقيق ستشمل إجراءات أخرى مشبوهة أهمها قيام ثلاثة من كبار المسؤولين التنفيذيين بالشركة بمنح أنفسهم مكافآت قيمتها الإجمالية 1.1 مليار دولار في صورة أسهم.
كان شرط حصول المديرين الثلاثة على هذه المكافآت هو استقرار سعر سهم الشركة فوق 53.33 دولار لأكثر من 60 يوما خلال أي فترة طولها 12 شهراً. وبالفعل تم تحقيق الحد الأقصى البالغ 60 يوماً في 21 مايو 1998.
ولكن بعد شهرين بالضبط أصدرت الشركة بياناً تحذر فيه من انخفاض متوقع للأرباح ليشهد سعر السهم تراجعاً حاداً على الفور، وهو ما يشير إلى أن إدارة الشركة تعمدت إخفاء تلك الأخبار لفترة لكي تحقق شرط الـ60 يوماً وتحصل على مكافآتها.
في عام 1998 واستناداً إلى الأداء المالي للشركة تم منح المدير التنفيذي للعمليات بالشركة "سانجاي كومار" مكافأة قدرها 330 مليون دولار في حين تقاسم كل من "تشارلز وانج" المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي للشركة باقي الـ1.1 مليار دولار مع المؤسس المشارك "راسل أرتشت".
وما يثير الدهشة هو أن ذلك المبلغ كان يعادل تقريباً أرباح الشركة في عام 1998، ودفع ذلك عددًا من المساهمين إلى رفع عدة دعاوى قضائية ضد المسؤولين الثلاثة الذين اضطروا في النهاية إلى إعادة 250 مليون دولار للشركة والاحتفاظ معاً بـ850 مليون دولار.
35 يوماً بدلاً من 30
في عام 2000 استلم "سانجاي كومار" منصب الرئيس التنفيذي من "تشارلز وانج"، لكنه لم يحتفظ بذلك المنصب أكثر من 4 أعوام، حيث اضطر في أبريل من عام 2004 للاستقالة، وقبل أن يتم خفض رتبته الوظيفية إلى "كبير مهندسي البرمجيات" بالشركة. ولكن حتى ذلك المنصب لم يحتفظ به كثيراً، حيث غادر الشركة تماماً في يونيو من نفس العام.
جاءت استقالة "كومار" من منصبه على خلفية اعتراف مديري القسم المالي بالشركة بتورطهم في عملية تلاعب ممنهجة بالبيانات والتقارير المالية الخاصة بالشركة. كجزء من صفقة عقدوها مع السلطات أقر هؤلاء بأن كبار المسؤولين التنفيذيين بالشركة كانوا على علم بما كان يحدث.
ما كانت تقوم به الشركة ببساطة هو التلاعب بتوقيت الإيرادات، حيث كان يتم تسجيل الإيرادات التي تتحقق في الربع الثاني مثلاً في الربع الأول. لكن كيف يمكن ذلك؟ ببساطة تفتق ذهن مديري الشركة عن حل غريب جداً وهو اعتبار أن الشهر 35 يوماً بدلاً من 30، وهكذا يصبح الربع 105 أيام.
الفارق بين طول الربع الحقيقي وبين طول الربع الذي اخترعته الشركة يبلغ 15 يوماً تسمح بتسجيل أي إيرادات تحدث خلالها في الربع السابق على الرغم من أنها تحققت في الربع التالي. لماذا يفعلون ذلك؟ ببساطة كانوا يرغبون في تأجيل ظهور نتائج الشركة السيئة قدر الإمكان، أي أنه كان هروباً للأمام.
من بين الوقائع التي اكتشفتها جهات التحقيق قيام "كومار" وفقاً لأمر من "وانج" بالسفر إلى فرنسا في يوليو 1999 من أجل إغلاق صفقة بقيمة 32 مليون دولار. ورغم أن هذه الصفقة تم إتمامها في الربع الثالث إلا أنه تم تسجيلها في الربع السابق أي الربع الثاني.
استمر التلاعب بالإيرادات بهذه الطريقة من عام 1998 إلى عام 2000. وتشير التقديرات إلى أن الشركة قامت بتسجيل نحو 2.2 مليار دولار من الإيرادات في توقيتات غير توقيتاتها الحقيقية خلال الفترة ما بين عامي 2000 و2001 فقط.
النهاية
في سبتمبر 2004 وجهت لجنة الأوراق المالية والبورصات اتهاماً رسمياً لمسؤولي شركة "كمبيوتر أسوشيتس" بالتلاعب والاحتيال المالي والتآمر.
وفي النهاية وافقت الشركة على دفع 225 مليون دولار لتجنب الملاحقة القضائية على خلفية فضيحة الاحتيال المحاسبي. وفي نوفمبر 2006 حكم على "سانجاي كومار" بالسجن لمدة 12 عاماً بالإضافة إلى غرامة قدرها 8 ملايين دولار. وفي أبريل 2007 وافق "كومار" على دفع 800 مليون دولار كتعويض للمساهمين.
وفي أغسطس من عام 2007 تم إرسال "كومار" إلى أحد السجون الفيدرالية بولاية نيوجيرسي ليقضي العقوبة.
أما "وانج" المؤسس المشارك وشريك "كومار" في عملية الاحتيال، فقد كان للأسف أكثر حظاً من الأخير، حيث إن جهات التحقيق لم تبدأ في مقاضاته إلا في عام 2007، ولذلك استفاد من تشريع قانوني تنقضي بموجبه الدعوى الجنائية بعد مرور 5 سنوات من وقوع الجريمة.
ربما كان "وانج" أكثر استحقاقاً للسجن من "كومار" حيث إن الأول هو الذي جعل الشركة بيئة خصبة للاحتيال والفساد. وخلال فترة رئاسته نشر "وانج" ثقافة الخوف داخل الشركة لتعزيز قوته، وقام بترقية الموظفين عديمي الخبرة إلى مناصب كبيرة لا يملكون مؤهلاتها فقط لكي يضمن عدم وجود من يتحداه.
أخيرًا، إن "كومار" وأستاذه ومعلمه "وانج" ما هما إلا عينة من المديرين الذين يركزون على مصالحهم الشخصية ويسعون لحمايتها على حساب الجميع بما في ذلك المساهمين حتى لو تطلب الأمر اتباع أساليب غير قانونية وغير أخلاقية.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}