لا أحد يمكنه ببساطة أن يعرف تمامًا كيف سيبدو سوق العمل في المستقبل، كما كان الأمر من قبل، فمثلًا خلال عام 1900 لم يتنبأ أحد أن نسبة العاملين في قطاع الزراعة الأمريكي ستنخفض حاليًا إلى جزء من عشرين عما كانت عليه.
هل كان يدرك أحد في ذلك الوقت أن ممرضات الصحة العقلية التابعات لدائرة الصحة الوطنية سيصبحن أكثر من البحّارة الذين يخدمون في البحرية الملكية البريطانية؟ بالطبع لا، والتاريخ مليء بالأشخاص الذين أطلقوا تنبؤات طويلة الأجل وأثبت الوقت خطأ توقعاتهم.
على سبيل المثال، أحد أشهر الاقتصاديين في القرن التاسع عشر هو "ويليام ستانلي جيفونز"، والذي توقع عام 1865 توقف التوسع الصناعي قريبًا بسبب نقص إمدادات الفحم، والجميع يعلم ما حدث بعد ذلك، لم يتوقف التوسع ولم تنقص الإمدادات.
لذلك ينبغي أن نخطو بحذر نحو المستقبل، فبعدما تجرع البشر ويلات الشرب من بئر الشك والتخمين، سيكون عليهم النظر في كثير من السيناريوهات بشأن مستقبل سوق التوظيف الذي ستهيمن الآلة والذكاء الاصطناعي عليه.
السيارات ذاتية القيادة هي واحدة من أكثر الموضوعات التي يُتحدث عنها على نطاق واسع كونها مرتبطة بوظائف يُفترض أنها معرضة للخطر مستقبلًا، تشمل سائقي مركبات الأجرة والشاحنات والسائقين الخصوصيين وعمال التوصيل وغيرهم.
وتوقع تقرير لصناعة النقل بالشاحنات عام 2017 أنه بنهاية عشرينيات القرن الجاري، ربما تختفي 4.4 مليون وظيفة من أصل 6.4 مليون وظيفة متعلقة بالقطاع في أمريكا وأوروبا، بفضل التقنيات الروبوتية، لكن في الحقيقة، لا تبدو الأمور بهذا الوضوح الشديد، والفجوة كبيرة بين الصخب الإعلامي والواقع.
الإمكانات والوعود
- لم تعد المركبات ذاتية القيادة خيالاً علمياً، وهناك خطط حكومية في بعض المناطق لنشر هذه التقنية، ويمكن تفهم هذا الحماس بأنها توفر التكاليف، كما أن العنصر البشري سبب في قتل 1.2 مليون شخص سنويًا إضافة إلى إصابة ما بين 20 مليونا إلى 50 مليونا آخرين.
- بعض التقديرات تشير إلى أن هذه الحوادث تكلف الدول متوسطة الدخل نحو 2% من الناتج المحلي الإجمالي، وغالبًا ما تحدث نتيجة الإخفاقات الشائعة لدى البشر، مثل السكر والإرهاق والمرض والإلهاء.
- لك أن تتخيل أيضًا كيف ستساعد هذه التقنية كبار السن وأصحاب الهمم الذين لم يعد بمقدورهم القيادة إضافة إلى أولئك الذين لم يتمكنوا من الحصول على رخصة قيادة، كما أنها ترفع عن الآباء عبء اصطحاب الأطفال من وإلى المدرسة وغيرها من المناسبات والأنشطة.
- يقضي البشر وقتًا طويلًا في قيادة السيارات إلى العمل أو مقابلة الأصدقاء والعائلة وللتسوق وغيرها من المهام، ولا يستفيدون من وقت هذه الرحلات، وأحيانًا يتسبب لهم ذلك بضغوط خاصة عند السير في المناطق الحضرية المزدحمة.
- إذا لم يكن علينا التركيز مع الطرقات فربما نستمتع بالتحدث عبر الجوال أو متابعة فيلم ما أو مطالعة الأخبار، أو حتى الاكتفاء بالاسترخاء والاستماع إلى الموسيقى الهادئة مع إغماض العينين كما لو أننا في رحلة جوية طويلة.
عواقب ومشاكل
- يرى البعض أن انتشار هذه التقنيات يعني انخفاض ملكيات السيارات بشكل حاد، وبطبيعة الحال إنتاج عدد أقل منها، كما سيتراجع الطلب على مساحات التوقف والتي ستصبح فارغة أغلب الوقت لأن هذه المركبات بعد إيصال راكبها ستذهب لخدمة شخص آخر.
- لكن هذا يعني أيضًا توفير مساحات في المدن المزدحمة للأغراض الأخرى؛ في عام 2016 أخبر مسؤول لدى "جوجل" لجنة تابعة للكونجرس الأمريكي أن مواقف السيارات في الولايات المتحدة تشغل مساحة بحجم ولاية كونيتيكت، وهي مساحة يمكن استغلال جزء كبير منها لتلبية حاجات أخرى.
- هناك تأثيرات كبيرة محتملة على صناعة التأمين، فمثلًا يشكل التأمين على السيارات في الولايات المتحدة مصدرًا لـ30% من إجمالي أقساط التأمين، ولا يزال هناك خلاف حول من يتحمل المسؤولية عن حادثة تسببت بها مركبة ذاتية القيادة، لكن الانخفاض الحاد في عدد المركبات سيشكل ضربة لتدفق الإيرادات.
- ولدت فكرة المركبات ذاتية القيادة عام 1939 عندما تحدثت "جنرال موتورز" عن سيارة موجهة بموجات الراديو في معرض عالمي في نيويورك، بالطبع أصبحت التقنيات الآن أكثر فاعلية، لكن في الحقيقة، اتسم الأمر دائمًا بالتفاؤل المفرط.
- في عام 2012، وعد مؤسس "جوجل"، "سيرجي برين"، بإتاحة السيارات ذاتية القيادة لموظفي الشركة خلال عام وطرحها في الأسواق خلال مدة لا تتجاوز الست سنوات (أي في 2018) ولا يزال العالم ينتظر حتى الآن.
الخلاف حول المصداقية
- في الممارسة العملية، لا يوجد ما يدعو إلى التركيز على ثلاثة عناصر معًا تشكل الرؤية المتطرفة لمستقبل الانتقال بالسيارات وهي، القيادة الذاتية، ومشاركة الركوب، والأنماط الكهربائية، هذا الثالث الجذاب يجب تجنبه تمامًا.
- ربما يكون هناك استخدام واسع النطاق للأنماط الكهربائية أو مفاهيم المشاركة، لكن المركبات دون سائق لا تزال أمرًا معقدًا، إذ يتعلق الأمر بالسلامة، أو كما قال أحد الخبراء: كيف نضمن أن الحسابات الرياضية لهذه الأنظمة آمنة ولن تخرج عن السيطرة.
- كشفت دراسة أجراها باحثون من جامعة ميشيغان عام 2015، أن معدل التصادم أعلى بالنسبة للمركبات دون سائق، وأشارت إلى أنه سيكون من الصعب على السائقين التفاعل مع السيارات الأخرى ذاتية القيادة.
- رغم ما تتباهى به الشركات من تقارير تفيد بأن سياراتها اجتازت الكثير من الاختبارات التي تشبه اختبارات الطيران، فإن ادعاءاتها لا يمكن أن تؤخذ على محمل الجد، فعادة تُجرى هذه الاختبارات في سرية ودون تحقق مستقل.
- لا يسمح بمعرفة الأجواء والطرق التي سارت عليها السيارات الذاتية أثناء الاختبار وإلى أي مدى اعتمدت على التدخلات البشرية، وسيكون الاختبار الأكثر خطورة عندما توضع هذه المركبات على الطرق في لندن وموسكو وإسطنبول خلال فبراير المقبل.
- الحماس تجاه هذه التقنية يبدو شبيهًا بالشهية المفرطة لجميع المنتجات الرقمية خلال الفترة التي سبقت انفجار فقاعة "دوت كوم"، وبالطبع كان هناك الكثير من الأفكار الرائعة التي ظهرت في هذا الوقت، لكن كان هناك أيضًا رهانات بالغ الناس فيها وأدت إلى تعاظم الفقاعة.
- إذا كان صحيحًا الاعتقاد بأن الوقت والجهد والأموال التي تكلفتها هذه التقنيات كانت وقودًا إضافيًا للفقاعة، فهذا يعني أن الانفجار التالي سيكون كارثيًا عندما يقع.
المصدر: التلغراف
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}