اضطر الاحتياطي الفيدرالي إلى ضخ كميات كبيرة من السيولة النقدية في النظام المالي الأمريكي جراء الاضطرابات الأخيرة في أسواق المال، الأمر الذي يعكس الخوف من مخاطر قادمة، ورغم تسارع وتيرة وقوع الأزمات مؤخرًا، ربما تكون الأزمة القادمة هي الأعنف بينها.
في الواقع، لا أحد يعلم متى ستقع الأزمة العالمية التالية بالتحديد، لكن على عكس ما حدث في بعض الأزمات الماضية، لن يدعي أحد استحالة رؤيتها قادمة، فالتحذيرات كثيرة والإشارات المقلقة عديدة رغم عدم استجابة الحكومات حتى الآن.
من ناحية أخرى لم تكن أحدث توقعات مصرف "يو بي إس" لعام 2020 واعدة، حيث قال في تقرير له إنه يتوقع تباطؤ النمو العالمي خلال العام القادم إلى أبطأ وتيرة له منذ الأزمة المالية، مضيفًا أنه لا يستبعد تدهور التجارة خلال فترة الستة أشهر إلى 12 شهرًا القادمة.
وأضاف التقرير: في ظل هذه البيئة التي لا يمكن التنبؤ بها، نتوقع أن تظل حركة الأسهم في نطاق محدود، مع احتمال حدوث انخفاض متواضع في قيمة الأسهم.
الأزمة قادمة لكن كيف ستبدو؟
- تبدو أوروبا مشلولة بسبب الجمود المؤسسي والضغوط السياسية، بجانب إحجام ألمانيا عن الاعتراف بحدة مشاكلها الاقتصادية، وتصر الحكومة البريطانية على أن كل شيء سيمضي على ما يرام سواء خرجت من الاتحاد الأوروبي باتفاق أو من دون.
- في الولايات المتحدة، فإن رفض الرئيس "دونالد ترامب" الاعتراف بأن التباطؤ الحالي مرتبط بتهديداته التجارية المتواصلة والحرب التي أشعلها مع الصين، يمثل عقبة أمام وجود سياسة اقتصادية سليمة.
- قدم صندوق النقد الدولي النصيحة لعدد من الدول (كل على حدة) بشأن الطريقة المثلى للتعامل مع ما هو آت، وتم تجاهل هذه التوجيهات، كما اقترحت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية خطة تحفيز مالي دولية مشتركة، وهو ما قوبل بصمت الحكومات حول العالم.
- يقول محللو معهد "بلاك روك" للاستثمار إن السياسة النقدية اتخذت مسارًا لا يمكن خلاله خفض الفائدة أكثر من ذلك، أما السياسة المالية فليست مرنة كفاية لمجابهة الأزمة الحادة القادمة لأنها تعتمد على نقاش سياسي مطول وتأثيرها يستغرق وقتًا طويلًا حتى يظهر.
- إذا كانت الاستجابة للركود القادم عفوية دون استعداد كما يحذر محللو "بلاك روك"، فستكمن الخطورة في عدم وضوح حدود كل سياسة، وربما تعود السياسة المالية إلى نهج الإنفاق الطائش، والخلاصة أن المهم هو كيف ستحدث الأزمة وليس متى.
الأزمة القادمة ستكون قاسية
- تم تدعيم النظام المالي بالإصلاحات التنظيمية منذ الأزمة العالمية في 2008، والتي من غير المرجح أن تكون كافية للتصدي للتغيرات الهيكلية التي طرأت بعد ذلك الحين، ولعل اضطرابات الأسواق الأخيرة تعكس التغيرات غير المرئية منها.
- يتزايد خطر حدوث ضغوط إضافية في الأسواق قصيرة الأجل، والتي تعد حيوية لعمل النظام المالي، حيث تعتمد المؤسسات المالية غير المصرفية عليها للاقتراض بضمان ما تمتلكه من أوراق مالية، ومع ذلك، فهذا عرض واحد من أعراض تشديد الظروف المالية العالمية.
- كانت البنوك هي محور أزمة عام 2008 بسبب السيولة الزائدة وتورطها في التزامات ديون متعثرة مثل الرهون العقارية عالية المخاطر وغيرها، ورغم ضبط القطاع المصرفي منذ ذلك الحين، فهناك مخاطر كبيرة تقبع في مناطق أخرى من النظام.
- المؤسسات المالية غير المصرفية مثل صناديق الاستثمار المشترك وشركات التأمين وصناديق المعاشات وصناديق الثروة السيادية تمتلك الآن أصولًا تقدر بنحو 135 تريليون دولار مقابل 127 تريليون دولار للبنوك.
- منذ عام 2008، تعاظم اقتراض قطاع الشركات غير المالية العالمي بشكل حاد، ما رفع الديون المستحقة إلى 73 تريليون دولار، أو ما يعادل 92% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وفقًا لمعهد التمويل الدولي، وفي الوقت نفسه تدهورت جودة سوق سندات الشركات.
- عند حدوث الركود أو إذا ارتفعت أسعار الفائدة مجددًا، فإن العديد من هذه الشركات ستشعر بضغوط هائلة وستواجه الإفلاس، وإذا سقط الكثير منها، فسيشكل ذلك صدمة حادة للنظام المالي على غرار أزمة المدخرات والقروض الأمريكية في الثمانينيات.
وصعبة الاستيعاب..
- التهديدات التي تواجه النظام المالي لا تنتهي عند هذا الحد، حيث تقدر التزامات البنوك خارج الولايات المتحدة بما يصل إلى 15 تريليون دولار، بسبب اعتمادها على أسواق ما بين المصارف قصيرة الأجل وتبادل العملات، لتمويل احتياجاتها الدولارية.
- هذه البنوك عرضة الآن للتغيرات في معنويات السوق وشهية المخاطرة، وعندما تواجه ضائقة في التمويل فإنها لن تستطيع اللجوء إلى مقرض الملاذ الأخير (البنك المركزي) لتوفير السيولة الدولارية على نطاق كاف، وفقًا لما حذر منه محللون.
- حال اندلاع أزمة مالية عالمية جديدة، فإن ضغوط التمويل الضخمة بالدولار من قبل البنوك غير الأمريكية ستضع النظام المالي العالمي في بيئة معتمة غير مألوفة وخطيرة للغاية، وإجمالًا، ربما يكون من الصعب استيعاب أزمة السيولة المقبلة.
المصادر: ساوث تشاينا مورنينغ بوست، فايننشال نيوز، بزنس إنسايدر
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}