في الوقت الذي سعت فيه العديد من الشركات إلى تعزيز الأرباح عن طريق خفض التكاليف بدلًا من الاستثمار في المستقبل، قدمت التقنيات الحديثة فرصة نادرة للمستثمرين المتعطشين للنمو، لكن هذا الاتجاه بدأ يتغير مؤخرًا.
كان فشل الاكتتاب العام لشركة "وي ورك" الشهر الماضي، بمثابة الصدمة التي تردد صداها في الأسواق الخاصة التي تفضل فيها العديد من الشركات -في مرحلة النمو- البقاء وعدم الانتقال إلى الأسواق العامة.
والرسالة التي وجهت إلى الداعمين الذين بدوا على استعداد لشراء أي شيء ينمو مقابل أي ثمن، كان مفادها أن "وول ستريت" ليست على وشك إنقاذهم كما اعتقدوا، فانتقال الشركات من حالة النمو الخالصة إلى كيانات يتم تقييمها وفقًا لقدرتها على توليد التدفقات النقدية ليس بالأمر الهين.
البعض يحتاج للتعلم من "أوبر"
- أنفقت شركة "أوبر" تسعة مليارات دولار في السنوات الثلاث السابقة للاكتتاب العام، و1.9 مليار دولار أخرى في النصف الأول من هذا العام، وحتى بعدما جمعت 8 مليارات دولار عند إدراج أسهمها، ظلت حركة السهم تعكس حيرة المستثمرين.
- لكن "أوبر" تعدل مسارها سريعًا، وتعمل حاليًا على الحد من خدمات الدراجات الكهربائية والبخارية، وتركز على تحسين نموذج الأعمال قبل التوسع في جميع المدن التي تتواجد بها، وهذا ما يمكن وصفه بالثورة بالنسبة لشركة لم تعرف سابقًا سوى التوسع.
- ربما تكون عملية تصحيح المسار مؤلمة بعض الشيء حيث ستؤثر على الفرص مثل أعمال سوق توصيل الأغذية التي تتلهم قدرًا كبيرًا من رأس المال، لكنها على أي حال الاختيار السليم والمهم أنه بدأ، وسيكون على شركات التقنية الناشئة القيام بإجراءات مشابهة وحتى تأجيل الاكتتاب العام إذا لزم الأمر.
- بدأت "وول ستريت" أيضًا إعادة تقييم افتراضاتها الأكثر تفاؤلًا بالنسبة لشركات التقنيات العامة الأخرى ذات النمو المرتفع، ومع ذلك، هناك شركات مثل "داتا دوج" للخدمات السحابية، جرى تداول سهمها أعلى 50% من توقعات داعميها بعد أسبوعين من طرحها في التاسع عشر من سبتمبر.
- لكن الحماس يتلاشى في مناطق أخرى، فواحد من أبرز الاكتتابات العامة هذا العام كان لسهم "زوم فيديو كونفرانسينغ" (منصة تواصل إلكتروني)، والذي تراجع بنسبة 30% من أعلى مستوى له، كما انخفض سهم "سلاك" بنسبة 50% من أعلى مستوياته.
الحكومات تترقب الزلات
- بعيدًا عن الأسواق الخاصة والشركات التي تعيش أيامها الأولى في الأسواق العامة، يبدو العصر الذهبي لقطاع التقنية ينتهي، فحتى الشركات العملاقة والمعروفة بنفوذها وإمكاناتها الضخمة تعاني على جانب آخر.
- وافقت "جوجل" مؤخرًا على دفع نحو مليار دولار من الغرامات والضرائب للسلطات الفرنسية لتسوية نزاع بينهما حول تحقيق بشأن عمليات احتيال مالي أطلقته باريس قبل 4 سنوات، علمًا بأن مشاركة الشركة الأمريكية في الضرائب الأوروبية كانت محدودة للغاية.
- نفس القصة تقريبًا تنطبق على باقي شركات التقنية الكبرى، حيث دفعت "أمازون" ضرائب قيمتها 16.5 مليون يورو فقط (18.11 مليون دولار) عن إيراداتها في الاتحاد الأوروبي البالغة 21.6 مليار يورو، كما سددت "آبل" و"فيسبوك" رسوم هامشية مقارنة بأرباحهما في أوروبا وبريطانيا.
- مع تبين تضليل هذه الشركات للسلطات أصبح من المرجح بشكل أكبر سدادها غرامات ورسوم متأخرة كما فعلت "جوجل"، وكما فعلت "آبل" عندما سددت 13.2 مليار يورو (14.49 مليار دولار) من الضرائب المستحقة إلى أيرلندا بعد ضغوط من الاتحاد الأوروبي.
- السبب وراء رضوخ الشركات للضغوط، هو علمها بأن العديد من حكومات العالم تطارد أخطاءها، فخلال السنوات القليلة الماضية تزايدت الضغوط السياسية والأصوات المطالبة بوقف احتكار هذه الكيانات للخدمات التي تقدمها، وتقليص حجمها وضمان تسديدها للضرائب المطلوبة.
موت القطاع التقني
- يقول المحلل الإستراتيجي لدى "إنتل إف سي إس-تون" للخدمات المالية "فنسنت ديلارد": إذا كانت التقنيات منتشرة في كل مكان، فإن قطاع التقنية ليس موجودًا، وإذا لم يكن قطاع التقنية موجودًا، فلن يكون هناك ما يبرر ارتفاع أسهمه.
- كلمة "موت" أو "نهاية العصر الذهبي" التي باتت مقترنة بقطاع التقنية لا يقصد بها الفناء كما تعني الكلمة للبشر، وإنما تشير إلى نهاية النمو في شركة أو الصناعة، فمثلًا الطباعة أو البث التلفزيوني المباشر رغم انتشارهما فهما في عداد الموتى.
- مع ذلك، فإن موت القطاع التقني ليس بالضرورة إشارة سيئة، فقد يعكس نجاحًا في تحقيق الانتشار العالمي المأمول، حتى أن بعض الشركات استنفدت بالفعل جميع الفرص المتاحة في أسواقها الرئيسية.
- وصلت "سامسونج" و"آبل" إلى قمة سوق الجوالات الذكية مع بلوغ المبيعات ذروتها، وهيمنت "فيسبوك" و"جوجل" على سوق الإعلانات الرقمية عالميًا، لكن في الولايات المتحدة على سبيل المثال، لم يتجاوز الإنفاق الإعلاني في المتوسط أكثر من 3% من الناتج المحلي الإجمالي تاريخيًا.
- السؤال هنا، كيف يمكن لنشاط تجاري أن يواصل النمو إلى الأبد في قطاع لم يعد ينمو في الأساس؟ هذا أمر غير منطقي، أو كما يقول المحللون: في نهاية المطاف لا بد أن يصطدم النمو وطموح التوسع بالقيود الطبيعية للسكان وساعات العمل.
المصادر: فايننشال تايمز، فوربس، ذا أتلنتيك
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}