تشكل العقارات بلا شك أحد أهم مظاهر الثروة والاقتصاد الحديث، ويكفي تسبب الرهن العقاري في الأزمة المالية العالمية (2009) للإشارة إلى تأثيرها العميق في الاقتصاد المعاصر على الرغم من قدم نشاط هذا القطاع بشكل عام.
الأصل الأهم
ويعتبر "صامويل ستين" في كتابه "العاصمة: تطوير المعمار ودولة العقارات" العقارات بمثابة "الأصل الأهم على الإطلاق"، مشيرًا إلى أن قيمة العقارات حول العالم تبلغ نحو 217 تريليون دولار في أكثر التقديرات تحفظًا، بما يجعلها تبلغ 36 ضعفًا لأحد أهم الأصول أو مخازن القيمة الأخرى: الذهب.
بل يعتبر أن العقارات تشكل 60% من قيمة الأصول حول العالم، فعلى الرغم من التقلبات المالية الكبيرة التي اعترضت قطاع العقارات خلال السنوات الأخيرة، ولا سيما منذ الأزمة المالية العالمية، إلا أنه ما زال مخزن قيمة ناجعا.
والدليل على ذلك ما سجله سوق العقارات الأمريكي من إتمام 37% من عمليات البيع "عن بعد" بما يؤكد شراء العقار كمخزن قيمة، بينما يشتري نسبة غير محددة من النسبة الباقية (63%) العقار كمخزن للقيمة أيضًا، ليبقى العقار الأصل الأهم والأكثر قبولًا، رغم عيبه الرئيس في صعوبة التصرف فيه.
ويشير "ستين" إلى أن قيمة العقارات تتبدى عندما نجد أن "بلاكستون" وهي إحدى كبريات شركات إدارة الأصول في العالم، هي في الوقت نفسه أكبر مالك للأراضي والعقارات في العالم، لاتباع هذه الشركات سياسة تعتمد على تجنب المخاطرة أكثر من سعيها لتحقيق الربح.
دخول قياسية
وفي هذا الإطار تقبل شركات إدارة الأصول على امتلاك العقارات بوصفها استثمار "طويل المدى وآمناً" لعملائها، فوفقًا لـ"ستين" فإنه حتى إذا شهدت أسعار العقار في فترة ما انخفاضا، فإنه لا يكون كبيرًا، ويبقى استغلال العقار تجاريًا أو تأجيره بديلًا متاحًا -وفي غالبية الأحوال مربحًا- بخلاف البيع.
ويضرب "ستين" مثلًا بمدينة "نيويورك" بوصفها إحدى أكثر المدن تأثرًا بملاك الأراضي والعقارات، إذ ينفق أكثر من مليوني من مواطني الولاية أكثر من 50% من دخلهم كأجور من أجل البقاء في المنازل التي اختاروا السكن فيها.
وفي الولايات المتحدة أيضًا فإنه مع تدني أجور أصحاب البشرة السمراء وإقامتهم بشكل قريب من بعضهم البعض بما يشكل أحياء منفصلة، فإنهم يضطرون لدفع قرابة 44% من دخولهم كإيجار للمنازل، بينما يدفع أصحاب الأصول اللاتينية 48% وتصل النسبة في حالة الأمريكيين البيض إلى 37%.
وبشكل عام يحصد مُلاك الأراضي والعقارات مبالغ وقيماً كبيرة للغاية، والفكرة إنه خلافًا لكل استثمار فإن العقارات استثمار طويل المدى للغاية، وغير خاضع لتغييرات كبيرة بما يجعله مربحًا في غالبية أوقاته وإن كانت الأرباح تزيد وتنقص بطبيعة الحال.
تصميم المدن وتركيز الثروات
ولهذا السبب فإنه نادرًا ما يتم بيع العقارات التي تتوسط المدن، فمع قيمتها الإيجارية العالية يصبح ثمنها عاليًا للغاية، كما لا يقبل المُلاك على البيع إلا إذا قرروا اتباع استراتيجية مختلفة، مثل التوسع في الضواحي أو المدن الجديدة، فيما عدا ذلك يبقون على العقارات "المتميزة".
ومع قيمة مثل تلك كان من المنطقي ممارسة ملاك العقارات بشكل جمعي لنفوذ كبير في الدول الرأسمالية الكبيرة، واتضح هذا النفوذ من خلال تصميم المدن نفسها بشكل يخدم التمييز بين المستخدمين، إذ تم تصميم غالبية المدن بحيث يكون لها "قلب" نابض يستحوذ عليه الأغنياء، فيما يبقى لها نوعان من الأطراف الأول لسكن الأغنياء "بعيدًا عن الضوضاء"، والثاني الضواحي الفقيرة أو العشوائية لسكن الأفقر.
ويقول "ستين" في كتابه "على الرغم من أن الكثير من المخططين الحضاريين يكونون حسني النية، إلا أن أساليب تصميم المدن بما يشبه الدائرة كثيرًا ما يخدم فئات ويُهمش فئات أخرى، بما يؤدي في النهاية لوجود ثروة عقارية متركزة في أيدي البعض بسبب مواقع عقاراتهم، التي غالبا ما ورثوها.
ويشير "ستين" إلى أنه على الرغم من اهتمام كثيرين باقتصاد التكنولوجيا والمعلومات بوصفه الأكثر ربحية في وقتنا المعاصر، ولكن المؤكد أن هذ الأمر لا يعكس الحقيقة بشكل كامل، في ظل حصد بعض العقارات لقيمتها من الإيجارات في ظرف 5-10 سنوات.
وفي هذا تتميز العقارات بأعمارها الطويلة مقارنة بأي رأس مال استثماري (إذا جاز اعتبار العقارات كذلك)، ولذلك -وفقا لـ"ستين"- امتلك أصحابها خبرة طويلة تراكمت عبر عقود تتيح لهم البقاء خارج الصورة وفي نفس الوقت التأثير فيما يحدث من حولهم باستمرار.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}