نبض أرقام
03:30 ص
توقيت مكة المكرمة

2024/11/22
2024/11/21

فضلاً فكر ثانية.. الإنتاج يقود الاقتصاد دائماً نحو النمو

2019/11/10 أرقام - خاص

يربط كثيرون بين زيادة الإنتاج وبين النمو والرواج الاقتصادي، وعلى الرغم من أن هذه الفرضية تبدو منطقية للوهلة الأولى، إلا أن التساؤل الأهم دومًا يبقى حول نسبة الزيادة في الإنتاج ووسيلته، وما إذا كان النمو نتيجة لزيادة الإنتاج فحسب أم لتحسن معادلات الإنتاجية.

 

 

إنتاج أم إنتاجية

 

ووفقًا للمنتدى الاقتصادي العالمي فقد تنوعت محاولات تحفيز النمو خلال العقد الماضي بغية تجنيب الاقتصاد العالمي "ركودًا كارثيًا" وكان أبرزها ضخ البنوك المركزية لـ 10 تريليونات دولار في أسواق مختلف الدول لتحفيز النمو خلال تلك الفترة.

 

وتنبع الحاجة لضخ الأموال في الأسواق من حقيقة أنه وعلى الرغم مما شهدته العقود الأخيرة من تطورات هائلة في التكنولوجيا أدت لإنشاء عالم مترابط أكثر فأكثر باستخدام التقنيات الجديدة من التطبيقات والمنصات الرقمية إلى الطباعة ثلاثية الأبعاد وشبكات الاتصال حيث ينتظر العالم الجيل الخامس إلا أن الإنتاجية لم تزل جامدة.

 

ويشير تقرير التنافسية العالمية إلى أن متوسط ما تحصده الدول من رقم في تقريرها هو 61 من درجات المؤشر المائة، مرجعًا سبب تدني هذا المتوسط بالأساس إلى ضعف تطور الإنتاجية وتحسنها في الوقت الذي تسعى فيه الدول للنمو بأي ثمن لا سيما الحزم التحفيزية للأسواق رغم ما لها من آثار جانبية سيئة.

 

وتكشف دراسة لجامعة "هارفارد" أنه بين عامي 2011-2016 لم تتحسن الإنتاجية المجمعة لعناصر الإنتاج مجتمعة من رأس مال وعمالة ومواد خام إلا بنسبة 0.3% في الدول النامية و1.3% في الدول المتقدمة في نسبة اعتبرتها الدراسة متدنية للغاية وتنذر بمشاكل اقتصادية جمة.

 

دائرة مغلقة

 

إبان الفترة بين الحرب العالمية الأولى والثانية كان معدل تحسن الإنتاجية سنويًا يربو على 1% على الرغم من عدم اكتشاف طرق ثورية في الإنتاج، مثلما هو الحال الآن، غير أن التحسينات المستمرة على عمليات الإنتاج ساهمت في تطوير طرق الإنتاج بشكل مستمر.

 

بل وفي فترة الحرب العالمية الثانية نفسها وبعدها مباشرة كان معدل التحسن في الإنتاجية فوق مستوى 3% سنويًا، وهو الأعلى في تاريخ الاقتصاد الحديث (أو الذي أمكن رصده بإحصاءات)، بل تشير التقديرات إلى أنه لولا الدمار الواسع للغاية التي خلفته الحرب لكان معدل نمو بعض الدول يناهز 30% سنويًا.

 

 

أما خلال السنوات الأخيرة فيرجع النمو، وفقًا لدراسة "هارفارد"، إلى وجود ما سمته بـ"الدائرة المغلقة" من الإنتاج، ويقصد به أنه يمكن للشركات تتبع حركة السلع والخدمات "في الوقت الفعلي" (real time) وتزويد العملاء في جميع أنحاء العالم بالسلع والخدمات على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، بما أدى لتضاعف وقت الإنتاج وليس إمكاناته.

 

وبناء على ذلك فإن الزيادة في النمو يتم تمويلها بالعديد من السبل ومن بينها الضغط على الموارد الطبيعية، بسبب زيادة ساعات الإنتاج وليس تحسين الإنتاجية بما أدى لضغط استثنائي على الموارد الطبيعية تقدره الدراسة بحوالي 200% من الضغط الذي كان سائدًا في ثمانينيات القرن الماضي (يقصد بالضغط على الموارد الزيادة في استهلاكها) على الرغم من كافة المحاولات المتعلقة بحماية البيئة.

 

وتشير الدراسة إلى أن الأزمة الحقيقية تتمثل في اختلال التوازن بين الاستثمارات في التكنولوجيا والجهود المبذولة لتعزيز اعتمادها في الاقتصاد ككل، حيث إن العلاقة بين التقدم التكنولوجي والإنتاجية ليست تلقائية، لأن نشر الابتكارات الرئيسية يستغرق وقتًا طويلاً في المجتمع والأعمال.

 

حاجة للتكيف

 

وتؤكد كتب التاريخ الاقتصادي أنه في بداية أي ثورة تكنولوجية ستتباطأ الإنتاجية أولاً، وبمجرد اعتياد الناس على طرق جديدة لفعل الأشياء، سيتم تبني الابتكارات الجديدة بشكل كامل مع بدء المجتمع جني الفوائد على أرض الواقع.

 

وهذا ما لم يحدث على أرض الواقع في الآونة الأخيرة، وفقًا لـ"فوربس"، فعلى سبيل المثال وعلى الرغم من ظهور الطباعة ثلاثية الأبعاد قبل عدة أعوام إلا أن أقل من 0.1% من سكان العالم رأى مثل تلك التقنية، التي يقتصر انتشارها حاليًا في مصانع محدودة للغاية في دول العالم المتقدم التي تستخدم تكنولوجيا الثورة الصناعية الرابعة.

 

 

كما يعاني النمو الاقتصادي، في اقتصادات تعتمد على الخدمات بدرجة أكبر من بقية القطاعات، من غياب أسرع لما تصفه دراسة "هارفارد" بالمهارات بـ"الحيوية" لاقتصاد الخدمات أو اقتصاد المستقبل، رغم أنها توصف بأنها "مهارات ناعمة" وعلى رأسها القدرة على حل المشكلات المعقدة والتنسيق مع الآخرين وإدارة الناس والتفكير الإبداعي والتفكير المنطقي والقدرة على التفاوض والعمل في فريق والاستماع الفعال.

 

فوفقًا للدراسة فإن هؤلاء الذين يتمتعون بتلك المهارات أو حتى غالبيتها يشكلون 3-5% فقط من سوق العمل، وذلك بسبب الاعتماد عليها تقليديًا كـ"مهارات شخصية" لا يمكن تعلمها، بما يخلق أزمة كبيرة في سوق العمل تعيق النمو، وتدفع لاستخدام عدد أكبر من الموظفين لتحقيق نفس الهدف الذي يمكن تحقيقه بعدد أقل من الموظفين بما يؤشر لأزمة في الإنتاجية وإن بقي الإنتاج مستمرًا في الزيادة، وكذلك النمو ولكن بنسب قليلة.

 

عدم توازن

 

وترصد دراسة لجامعة "دوندي"  الأسكتلندية حالة من عدم التوازن في الاقتصاد حاليًا، ففي الوقت الذي تنمو فيه إنتاجية القطاعات المرتبطة بالثورة الصناعة الرابعة في الدول المتقدمة بنسب تتعدى 15% سنويًا بما يسهم في دفع عجلة النمو، تظل قطاعات من الاقتصاد بلا نمو يذكر في الإنتاجية تمامًا.

 

وبناء على ذلك يبدو الاقتصاد منقسمًا إلى قسمين، أحدهما ينمو نموًا تلقائيًا نتيجة لزيادة مدخلات عملية الإنتاج وبناء عليه لا يسهم إلا فيما تعرفه الدراسة بـ"النمو الطبيعي"، بينما يقدم القسم الآخر المرتبط باقتصاد الثورة الصناعية الرابعة والذكاء الاصطناعي "نموًا أفضل" لاعتماده على تطوير معادلات الإنتاج وليس زيادته فحسب.

 

ولإيضاح فكرة انقسام الاقتصاد يكفي الإشارة إلى تقرير لـ"ماكنزي" بتراجع إنتاجية قطاع التعدين بين عامي 2004-2012  بنسبة 35% بسبب رفض غالبية المنتجين الاعتماد على الوسائل الحديثة، بل وإيقاف بعضهم استخدام الآلات والعودة لاستخدام العمالة البشرية التقليدية، وعلى الرغم من عودة الإنتاجية للنمو مجددًا إلا أن العودة تبقى ضعيفة للغاية وبطيئة.

 

 

ولا شك أن زيادة الإنتاج تسهم في النمو بالفعل، ولكن تشير دراسة جامعة "دوندي" إلى أن بعض الشركات ستشهد زيادة في التدفقات المالية تصل إلى 122% ونموًا في الأعمال يصل إلى 30% إذا تم إقرار وسائل إنتاج مختلفة، أغلبها يرتبط بالذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا الثورة الصناعية الرابعة.

 

والأزمة الحالية في أن الفجوة في مستوى وسائل الإنتاج - وبالتالي في الإنتاجية - أصبحت في أقصى حالاتها، وفقًا لتقديرات "هارفارد"، حيث تبلغ الفجوة التكنولوجية حوالي 500 عام في بعض الأحيان، و40 عامًا داخل نفس الدولة.

 

لذا فقد يبدو النمو مستمرًا على مستوى الدول ونتائج الأعمال مزدهرة للشركات بسبب زيادة الإنتاج فحسب، ولكن في الواقع فإن هذا يعكس، وفقًا لمفهوم تكلفة الفرصة المفقودة، إهدارًا للموارد في ظل الإبقاء على نفس معادلات الإنتاج، وبالتالي إهدار لفرص تحقيق المزيد من النمو.

 

 

المصادر: المنتدى الاقتصادي العالمي، تقرير التنافسية العالمية، دراسة لجامعة هارفارد، دراسة لجامعة "دندي" الأسكتلندية، دراسة لـ"ماكنزي"

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.